يصف غالبية المراقبين الروس زيارة زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون إلى روسيا بأنها تاريخية وليست ككل الزيارات، وهو توصيف عززته البيانات الصادرة عن الكرملين التي شددت على “حساسية” القضايا التي بحثها كيم مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين.
ورغم أن لقاء الزعيمين الذي جرى في جامعة الشرق الأقصى في فلاديفوستوك حيث انعقد المنتدى الاقتصادي الشرقي قبل أيام، فإن الطابع الثنائي كان الأبرز وسط حديث متواتر عن منعطف جديد في العلاقات بين البلدين اللذين يواجه كل منهما تحديات خاصة ومشتركة في آن واحد مع الولايات المتحدة، التي بدأت تصعّد من أنشطتها العسكرية في منطقة آسيا والمحيط الهادي.
ولم يقلل من أهمية هذه الاعتبارات عدم عقد اجتماع منفصل بين وزيري دفاع البلدين، إذ تدرك موسكو أن توسع حلف شمال الأطلسي (الناتو) شرقا أدى إلى الأزمة في أوكرانيا، وعليه، فإن تكرار السيناريو نفسه في منطقة المحيط الهادي أمر من الضروري الاستعداد له عبر تعزيز التعاون مع بيونغ يانغ، وفق مراقبين روس.
إعادة ضبط
وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، كثفت روسيا اتصالاتها مع كوريا الشمالية، حيث عُقدت قمة بين زعيمي البلدين عام 2019، وفي يوليو/تموز من العام الجاري، زار بيونغ يانغ وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو وأندريه رودنكو نائب وزير الخارجية.
ورغم أن روسيا تعارض تشديد العقوبات على كوريا الشمالية، فإنها لم تسع بعد إلى رفع العقوبات الحالية المفروضة عليها على مستوى الأمم المتحدة، كما توحي بذلك تصريحات سابقة لمسؤولين روس، فموسكو ما زالت في كل الأحوال مقيدة باتفاقية الحد من انتشار الأسلحة النووية.
ولكن استنادا إلى نتائج الزيارة، يتوقع خبراء روس أن تبذل موسكو كل ما في وسعها من أجل تطور شامل للتعاون مع بيونغ يانغ، أبرزه في المجالات العسكرية والتجارية والاقتصادية.
وبعد انهيار علاقاتها فعليا مع الغرب، بدأت روسيا تكتسب قدرا أعظم من هامش الحركة في سياستها الخارجية، مما سيمنحها إمكانية اتخاذ خطوات جديدة تتعلق بالتقارب مع كوريا الشمالية لم تكن قادرة على اتخاذها من قبل، حسب محلل الشؤون الدولية سيرغي بيرسانوف.
ويؤكد بيرسانوف أن زيارة كيم ليست مجرد خطوة استعراضية تظهر التقارب بين البلدين، بل بداية مرحلة جديدة في العلاقات.
ويضيف أنه بعد أن دعمت بيونغ يانغ بشكل مباشر العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، فرضت الولايات المتحدة وأوروبا وكوريا الجنوبية واليابان عقوبات عليها، لكن روسيا لم تهتم بموقف هذه الدول فيما يتعلق بعلاقاتها مع كوريا الشمالية والبدء في تطويرها.
عراقيل
من جانبه، يرى العقيد احتياط فيكتور بارانيتس، أن تعزيز التواصل مع كوريا الشمالية “مسألة مهمة ولكنها صعبة، لأنه من غير السهل تجاوز قرارات العقوبات الصادرة عن مجلس الأمن ضد بيونغ يانغ، وكذلك موقف سيول”.
ويضيف إلى خانة “العراقيل”، دعم روسيا منذ فترة طويلة للعقوبات الأممية على بيونغ يانغ، الشيء الذي قد يلقي بظلاله على إمكانيات تطوير التعاون، ليس في المجال العسكري فحسب، بل حتى في مجال تعزيز التبادل التجاري، إذ يمكن أن يصطدم ذلك بصعوبات قانونية خطيرة.
ويتابع، أن هذا ما يفسر صعوبة تحقيق نتائج ملموسة في إطار اللقاء بين الزعيمين، خاصة أن الزيارة الأخيرة لوزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو إلى بيونغ يانغ انتهت دون التوقيع على أية وثائق أو بيان علني بشأن القرارات المتخذة.
ويلفت بارانيتس إلى أن التنافس بين القوى العظمى في منطقة آسيا والمحيط الهادي يتزايد تدريجيا، مما يرفع من أهمية الحليف الكوري الشمالي “الجاهز للقتال في هذه المنطقة”، وفق تعبيره.
وبرأيه، سيجعل هذا من الممكن إنشاء مثلث كامل بين موسكو وبكين وبيونغ يانغ، كنوع من الرد على تطور مثلث واشنطن وطوكيو وسيول.
بدوره، يركز الخبير في الشؤون الكورية، قسطنطين أسمولوف، على تردي الأوضاع في منطقة آسيا والمحيط الهادي كعامل مهم في إطار الحوار الثنائي الحالي، الشيء الذي سيمنح تفاهمات بوتين-كيم إمكانات كبيرة.
و تابع إن الولايات المتحدة “-بطبيعة الحال- لن تحبذ التقارب بين روسيا وكوريا الشمالية، بل على الأرجح، ستأخذ الشكاوى حول هذه القمة مكانها في خطاب السياسيين الأميركيين، لكن ليست هناك حاجة لإيلاء اهتمام خاص بهذا الأمر”.
مقايضة
أما التعاون العسكري بين البلدين، فيعتبر أسمولوف “أنه سيكون وفق مبدأ المقايضة، إذ يمكن لروسيا أن تمنح بيونغ يانغ غواصات نووية، وتساعدها على تطوير الصواريخ لتعزيز حضورها في المحيط الهادي وآسيا، فضلا عن بيع الطائرات المتطورة”.
في المقابل، تملك كوريا الشمالية مجمعا “خطيرا” للتصنيع العسكري، وترسانة هائلة من الأسلحة، والكثير مما يمكن تقديمه لموسكو في ظروف رفع المنظومة الغربية لمستوى الدعم العسكري لكييف، التي تضمنت آخر حزمة منه إمدادها باليورانيوم المنضب.
تعليق واحد