آراءثقافة

المورو والموريسكي.. وميراث الكراهية برسم عهد إيزابيلا

بعد يوم من نشر مقالتي، “المغاربة هم الوريث الشرعي للتراث الأندلسي”، دعيت قبل سنة لحضور لقاء، في موضوع ذو صلة من قبل جمعية الاقتصاديين المغاربة، وهي الجمعية التي تمّ تأسيسها منذ ستينيات القرن الماضي بقيادة الشهيد عزيز بلال، المفكر الاقتصادي والمناضل السياسي الدّولي، والتي يرأسها حاليا د مصطفى لكثيري المندوب السامي لقدماء المحاربين وأعضاء جيش التحرير.

هذه المرة سيقوم بتأطير اللقاء كلّ من د.محمد نجيب لوباريس رئيس مؤسسة ذاكرة الأندلسيين ومدير تحرير مجلة أندلسيات، رفقة د. عبد الواحد أكمير، المؤرخ وأستاذ تاريخ إسبانيا وأمريكا اللاتينية مدير مركز دراسات الندلس وحوار الحضارات.

تأكدت من أنّ ما تناولته قبل يوم من هذا اللقاء في المقال المذكور، هو تماما ما سيؤكده المتدخلان؛ سيعزز هذا الميراث قول محمد لوباريس وهو من أصول أندلسية، وموريسكي بامتياز، بأنّه لا يوجد مغربي ليس فيه شيء من الأندلس، إمّا في ثقافته أو لغته أو طبخه أو ملبسه أو طربه. يذكرنا بالموشحات والبيت الشهير للسان الدين بن الخطيب ذي الوزارتين، وهو دفين باب محروق بفاس:
جادك الغيـث إذا الغيـث همـى+++يـا زمـان الوصـل بالأنـدلـس
لـم يكـن وصـلـك إلا حلـمـا+++في الكرى أو خلسـة المختلـس
إذ يقـود الدهـر أشتـات المنـى+++ينقـل الخطـو علـى مايـرسـمُ
زمـرا بـيـن فُــرادى وثـنـا+++مثلمـا يدعـو الوفودَ الموسـمُ
وبالفعل، إنّ هذا جزء من تراثنا، وحينما أسمع هذه الأبيات كما ذكرنا بها لوباريس، أتضوّر حنينا بشعور يتدفّق، يعيدني إلى عهد التنشئة، إلى حلقاتنا الأولى أطفالا، ترحل بنا الكلمات إلى أزمنة جميلة، سكنت مخيالنا الصغير أنذاك، قصائد تسكننا وحروف تنكأ جرح ذاكرة ثقيلة: يا زمان الوصل بالأندلس.

بالنسبة لعبد الواحد أكمير أكد على ميراث الكراهية الموروث من العهد القديم، وربما سرد بعض المحطات الأساسية. بالنسبة لموريطو مالو (morito malo) الموري أو المغربي الشرير، وهناك نكتة متعارف عليها في إسبانيا عن ذلك المهاجر الشغيل الذي كان يقف في محطة الحافلة، وكانت هناك امرأة تحاول إسكات طفلها الذي كان يصرخ، قائلة: اسكت وإلا أقول لهذا الموري (المغربي) أن يأكلك، فأجابها المغربي يومها: عفوا سيدتي نحن لا نأكل لحم الخنزير.

وجب التذكير هنا تفاعلا مع هذا اللقاء، بأنّ ألمانيا النازية كانت تنقل بالطائرات المقاتلين المغاربة إلى إسبانيا في الحرب الأهلية، يتحدث المؤرخون عن مغاربة قاتلوا مع فرانكو، وهناك بقايا منهم كما هناك بقايا محاربي الهند الصينية. كان الفيلق المغربي (Cuerpo de Ejército Marroquí)‏ يقتل في صفوف جيش الشمال ضدّ الجمهوريين.

كانت ظروف تجنيد المغاربة في تلك الحرب، تؤكد من جهة على أسباب تعميق الكراهية بين العَدْوَتيَْن السابقتين، وأيضا تؤكد طبيعة تداخل الوقائع بين البلدين على مدى قرون، فالأحداث الجسام في تاريخ إسبانيا الحديث، كان للمغاربة دور فيها، وأما تفاصيل تجنيد المغاربة في الحرب الأهلية الإسبانية، فقد تناولتها المؤرخة الإسبانية ماريا روزا مادارياغا في كتابها: مغاربة في خدمة فرانكو، والذي ترجم إلى العربية وطبع ضمن منشورات الزمن لصديقنا المرحوم ذ. عبد الكبير العلوي الإسماعيلي، وقدّم للترجمة العربية المرحوم محمد العربي المساري.

سنجد صورة المورو قبيحة في نظر الإسبان، كما تجلت في نصوص الاستشراق الإسباني، في رحلاتهم وأشعارهم وصحافتهم، لن ينسوا معارك الريف، حيث باتت صورة ابن عبد الكريم الخطابي قبيحة، حتى قال شاعرهم:
عبد الكريم، أيها الخائن القاسي
سوف تدفع ثمن خيانتك
أيها المورو الحقير،
أقسم بشرفي أنك ستسقط، ستسقط.
في الأغنية الشهيرة التي تغنت بالمغربي محمد، أي الجنرال  محمد بلقاسم بن مزيان الذي حارب الجمهوريين إلى جانب فرانكو، حيث كانت مشاركة المغاربة حاسمة في كسب الحرب،  الأغنية للمطرب الشيلي رولاندو ألاركون، حيث يتحدث إلى من يسأل عنه، أن يجده في خط النار، هناك حيث يوجد نزل، سيجد في استقباله رجل مغربي إسمه محمد، يقول لك: تفضل، تفضل، ماذا تريد أن تأكل، يقول: أول طبق يقدمونه هو قنابل طاحنة، والثاني رشاشات، لاسترجاع الذاكرة.

اليوم لا زال هناك ميراث من الكراهية، يمكن رؤيته في عشرات الصحف اليومية التي لا تخلوا منذ قيام إسبانيا من الهجوم والإساءة للمغاربة، هذا في الوقت الذي لا زال هناك ميراث مشترك، لسان الدين بن الخطيب الوزير، ابن رشد، بعض من أعلام الأندلس هم دفيني مراكش من بين سبعة رجال، ثمة موريتوفوبيا ولكن أيضا ثمة مورتوفيليا، فئة تكره وأخرى تفي للذاكرة المشتركة، غير أنّ في مفارقة التاريخ المزيج والكراهية الطاردة، تكمن واحدة من أهم أسرار الجغرافيا السياسية، منذ وصية إيزابيلا وحرب تطوان ومعارك الريف حيث واحدة منها أنوال المظفرة.

واستغلال فرانكو عبر البروباغاندا الفاشية لساكنة الريف في الحرب الأهلية، يبقى الموريسكي هو الشاهد الأكبر على زمن النّفي والإساءة، وثمة مرافعات كثيرة ليس آخرهاالمطالبة بـ: الاعتراف بجريمة استعمال غاز الخرذل في الريف، الاعتذار للموريسكي، وضع حدّ للميراث العميق للكراهية منذ العصور الوسطى حتى اليوم.

https://anbaaexpress.ma/q5rdq

إدريس هاني

باحث ومفكر مغربي، تنصب إهتماماته المعرفية في بحث قضايا الفكر العربي، أسئلة النهضة والإصلاح الديني .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى