في سياق دولي يشهد نكوصا كبيرا اتجاه قضايا حقوق الإنسان، وتصاعد حدة التوترات الدولية على أساس سياسي أو اقتصادي أو ثقافي، وما يرتبط بالأمن القومي للدول، وما يستتبع ذلك من اندلاع نزاعات مسلحة في مختلف بقاع المعمور، كان لها الأثر البالغ على وضعيات وشروط حياة الناس وتغير نمط عيشهم الى الأبد.
وأمام ما تواجه الهيئات الأممية تحديات كبيرة في علاقة بمعالجة بتلك الأوضاع الناشئة، قصد توفير الحد الأدنى من الحماية والولوج الأمن للحقوق بعيد ذا عن صوت المدافع ولعلعة الرصاص.
فإن تلك الجهود دائما ما تصطدم بإقدام الجهات الفاعلة خصوصا غير الدولتية الى ممارسات محرمة دوليا لتعزيز موقعها في العمليات العدائية، كتجنيد الأطفال في النزاعات المسلحة.
وحسب إحصاءات حديثة لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونسيف)، يتم تجنيد آلاف الأطفال واستخدامهم في النزاعات المسلحة في جميع أنحاء العالم. وأقرت أن ما بين عامي 2005 و2020، تم التحقق من تجنيد واستخدام أكثر من 93.000 طفل من قبل أطراف النزاع.
وأمام هذا الوضع المأساوي، تغيب الرؤية تماما بخصوص اللاجئين وطالبي اللجوء، كما تغيب أيضا أي إمكانية لضبط وضعياتهم بالمخيمات، وتضعف أو تنعدم حماية الفئات الهشة كالنساء والأطفال، ويزداد الوضع سوءا في حال عدم توافر حماية أممية لهم بموجب اتفاقية وضع اللاجئين للعام 1951 وبرتوكولها الملحق للعام 1977، كما هو الحال عليه بمخيمات اللاجئين الصحراويين بالجنوب الغربي للجزائر.
وتأسيسا على ما سبق، تدعونا تلك السياقات الى طرح أسئلة حول ما مدى تأثير نزاع الصحراء على أوضاع أطفال اللاجئين الصحراويين بمخيمات تندوف بالجزائر، وهل يمكن الحديث عن عمليات تجنيد في الخدمة العسكرية داخل المخيمات؟ وكيف يمكن توصيف ذلك الانتهاك الجسيم من منظور القانون الدولي لحقوق الانسان والقانون الدولي الإنساني؟ وهل من سبيل لإيصال صوت الضحايا والحالات الى الاليات الأممية؟
وأخيرا وليس اخرا، بحث إمكانية مساهمة منظمات المجتمع المدني للحد من تواتر حالات القتل الممنهج للأطفال عبر تجنيدهم في الأعمال العسكرية بالمخيمات.
ومن زاوية أخرى، الوقوف وتحديد مسؤولية الدولة المضيفة لمخيمات الصحراويين بمنطقة تندوف، في علاقة بتجنيد الأطفال الصحراويين في خدمات ذات طابع قتالي، سواء تعلق الأمر بالتزاماتها التعاقدية بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان أو بموجب مصادقتها على اتفاقيات جنيف وبروتوكولاتها.
وقد أكد الأستاذ عبد الوهاب الكاين، رئيس منظمة أفريكا ووتش، أنه بالرغم من تضمين اتفاقية حقوق الطفل لكل الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للطفل، لكنها أغفلت ظاهرة تجنيد الأطفال، ما عدا نص المادة 38 من اتفاقية حقوق الطفل، والتي قضت بوجوب اتخاذ كل التدابير التي تمنع اشتراك الأطفال دون 15 عاما.
وفي هذا الصدد، أوضح المتحدث أن السلطات الجزائرية لم تقدم قط جوابا مقنعا بخصوص حماية الأطفال الصحراويين بمخيمات تندوف، في إطار تفاعلها مع هيئات المعاهدات، وبحث لجنة الأمم المتحدة لحقوق الطفل لمدى التزامات الجزائر بموجب البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل بشأن اشتراك الأطفال في المنازعات المسلحة، حيث لاحظت اللجنة ان الهيئة الوطنية الجزائرية لحماية وترقية الطفولة لم تدلي بأية بيانات بشأن تنفيذ البروتوكول الاختياري في علاقة بالأطفال الصحراويين الذين يحتمل أنه تم تجنيدهم أو استخدموا في أعمال عدائية، وحثت لجنة حقوق الطفل السلطات الجزائرية على تعديل تشريعاتها بشكل يضمن تحديد سن الحد الأدنى للتجنيد في 18 سنة، على ترابها الوطني وكذا في تنظيم البوليساريو المسلح، الذي تتغاضى عن أنشطته على ترابها، والتأكيد على إنشاء الية فعالية للرصد تكفل في الممارسة عدم تجنيد الأطفال الصحراويين.
وأضاف السيد عبد الوهاب الكاين، أن تفويض دولة الجزائر لولايتها القانونية والقضائية لتنظيم عسكري غير دولتي، يعقد من إمكانية تعزيز حماية الأطفال من عمليات التجنيد القسري المنتشرة في المخيمات، بالمخالفة لالتزامات الجزائر بموجب اتفاقية حقوق الطفل وبروتوكولها الاختياري بشأن إشراك الأطفال في النزاعات المسلحة وكذا وفق اتفاقيات جنيف وبروتوكولاتها الملحقة.
واستعرضت السيدة المامية حمي، فعالة مدنية بالداخلة، مشاريع ابتعاث الأطفال الصحراويين في وفود طلابية صحراوية للدراسة بالخارج، لا سيما بكوبا سنوات الثمانينات، وتعريضهم لعمليات ممنهجة لتغريبهم ووضعهم قسرا في مجتمعات بمثابة مشاتل لتفريخ جنود أطفال وعمال، لا يصلحون إلا الخدمة العسكرية الشاقة والعمل المضني وعمليات الشحن الايديولوجي المطول.
وفي تفاعل مع سؤال لميسر الندوة حول الاثار المترتبة على الأطفال الصحراويين جراء تجنيدهم واستغلالهم في الأشغال المرتبطة بالعمليات العدائية، ذكرت المتدخلة أن هؤلاء الأطفال الجنود يتعرضون لصدمات قوية، تعثر مسار تطورهم الدراسي والسيكولوجي وتحد من نموهم داخل النسيج الاجتماعي بشكل طبيعي، كما تزيد من عدوانيتهم وميلهم الى العنف بسبب تعرشهم للضغط النفسي في سن مبكرة.
وأضافت السيد المامية حمي، أن تجنيد الأطفال الصحراويين، تقع مسؤوليته الكاملة على الحكومة الجزائرية، لعدم الالتزام بمسؤوليتها الحمائية اتجاه الصحراويين بالمخيمات لا سيما الأطفال، وكذا باستمرار تزويدها لتنظيم البوليساريو بالأسلحة، والذي ينتهي في أيدي الأطفال الصغار كنتيجة لإصرار البوليساريو على تزويد صفوفها بأعداد إضافية من الجنود نظرا لحالات الفرار والتخلي عن الجندية التي طالت مجموعات البوليساريو العسكرية منذ عقدين من الزمن لانعدام الأفق في المخيمات، والرغبة في البحث عن مستقبل أفضل في بلاد المهجر.
وأطلقت المتحدثة نداءات الى كافة فعاليات المجتمع المدني للضغط من أجل إيقاف عمليات تجنيد اليافعين والقصر بالمخيمات وضرورة رسم خطوط وبرامج تساعد على إعادة المجندين سابقا الى مقاعد الدراسة، والى بيئتهم الطبيعية لاستكمال نموهم، بدل امتشاق فوهات المدافع.
تجنيد الأطفال، أصبح ظاهرة مقلقة عالميا وقاريا، حيث انه استنادا لإحصائيات رسمية تؤكد بوجود 120 ألف طفل مجند في لإفريقيا، وهو رقم مخيف إذا ما قورن بعدد النزاعات المسلحة الناشئة بالقارة الافريقية. وفي هذا الصدد، أوضح الناشط الإسباني، السيد بيدرو ألتاميرانو، المنابع والأسباب التي تغذي الصراعات المسلحة والحروب في افريقيا، والتي تقود الى استخدام الأطفال كجنود في الأعمال العدائية بين المتحاربين، أو في الأنشطة المرتبطة بتلك العمليات والمعارك، وأكد أنه نمط متكرر باستمرار وناتج عن فشل الدول في فرض سيادة القانون والعدالة وبسط الحقوق والحريات والشفافية في التدبير وضمان المساواة، وكذا انتشار الشعور بانعدام الامن والفقر وغياب رؤية مستقبلية لتحسين وضع الناس.
وصرح أن وضع حد للإرهاب ومنع تجنيد الأطفال يستوجب تملك مقاربات لإنهاء الفقر الناجم عن الاستعمار الكارثي والأسوأ على مقدرات الشعوب ومصائرهم، مضافا إلى ذلك اتخاذ منظمات المجتمع المدني الى اتخاذ إجراءات مباشرة تتوكأ على مبادئ ومعايير الدبلوماسية المدنية ذات الأهمية المتزايدة.
وأضاف أن كل تلك المقاربات لإنهاء تجنيد الأطفال في مخيمات تندوف، لن يتم بشكل نهائي ما لم يتم تجفيف منابع تمويل تنظيم البوليساريو من قبل الأحزاب السياسية جماعات الضغط الإسبانية، المنبثقة عن حركة أيتا الإنفصالية ومن قبل سومار، التي تمكنت من جعل أحد أعضاء تنظيم البوليساريو ممثلا لها في البرلمان الاسباني.
وفي ختام الندوة، أضاف السيد عبد الوهاب الكاين، أن هذا النقاش يهدف إلى تزويد المدافعين عن حقوق الانسان والنشطاء وجميع الأطراف المهتمة بنظرة شاملة عن الإطار القانوني المطبق فيما يتعلق بالقانون الدولي الإنساني بشأن مسألة تجنيد الأطفال واستخدامهم في النزاعات المسلحة، مع تقديم لمحة عن السياق الصحراوي.
وسيساهم في تعزيز المعرفة بالإطار القانوني الدولي، من أجل الحد من تجنيد واستخدام الجنود الأطفال في الأعمال العدائية في مخيمات تندوف.