
تحدثنا فيما سبق عن ثلاث كوارث في مدينة الجديدة (حفر الطرقات) و(الأزبال) و (كالكير المياه) وقصتنا اليوم أدهى وأمر مع الطفل محمد من دوّار (الطاجين) الذي أعجب بالفرق الرياضية في المغرب وما سمعه أن قطر أنفقت 220 مليار دولار على لعب الكرة فجرّب حظه مع أولاد الدوار بين أكوام الأزبال.
هذه المرة لم يحالفه الحظ مثل فريق الوداد فسقط فتحطم ذراعه. كان محظوظا أكثر من فتاة المحمدية التي كانت من المشجعين فتدافع القوم فوقها مثل قردة البابون فهرسوها ورسا مصيرها في مشرحة الموتى.
الدوار البائس هو واحد من عديد الدواوير في مدينة الجديدة وتبعد بأمتار عن قصور ألف ليلة وليلة: دوار (الطاجين) حيث يسكن صديقي السباك (الغول) و(الغنادرية) و(الغربة) ودوّار (السراغنة) حيث يسكن صديقي الزفات بوشعيب الحراري (يصوب الجودرون على السقوف).
روى لي صديقي (البنا) متنهدا أن أم الطفل الذي (تحطم ذراعه) من دوار الطاجين هرعت إلى مشفى الجديدة، حيث يوجد أضخم مستشفى في أفريقيا؟ هكذا سمعت لما أعلن عن تشييده؟ وفرح الناس وهللوا ولكن ما حدث مع الأم الفقيرة المسكينة من دوار (الطاجين) أن قال لها الفريق الطبي المعالج أن القضية فوق مستوى إمكانياتنا، وعليك التوجه إلى مشفى أعلى درجة في الدار البيضاء مشفى ابن رشد؟؟
النفخ الإعلامي تعودت عليه: بين أعلى برج في أفريقيا، وأضخم مشفى في أفريقيا و و و ولكنها كلمات تذكرني بالشاعر الذي وصف انتفاخ الهر (المش بلغة المغاربة) يحكي انتفاخا صولة الأسد؟
ذهلت من الخبر لأنني أتذكر من خبرتي الطبية الممتدة عشرات السنوات أن رد كسر الذراع خاصة عند الأطفال سهل ميسور بحركة بسيطة ووضع الذراع في الجبس لمدة ثلاثة أسابيع فيبرأ الكسر ويندمل خاصة عند صغار السن.
أنا شخصيا سقطت في كندا وانكسر عندي عظم الكعبرة (باللاتينية يسمونه الأطباء Radius Fracture) ووضعوا يدي في الجبس أسابيع قليلة فاندمل وأكتب مقالتي هذه بذراعي المكسور بعد شفاء.
لم يكن أمام والدة الطفل في مواجهة جهابذة الطب وهم يقولون لها إنها فوق مستوانا واذهبي إلى مشفى ابن رشد إنقاذا لطفلها إلا أن تتوجه إلى مشفى ابن رشد في مدينة الدار البيضاء؟ عذاب ومشقة ونفقات والطفل يصرخ ألما فليس مثل ألم الكسر ألما؟
السؤال لماذا اعتذر الفريق الطبي العبقري عن قبول الحال في أعظم مشفى في أفريقيا في الجديدة؟ هل ثمة مافيا تتحكم في العلاج بحيث يأتي من الزبانية المحيطين بالفريق الطبي من يوحي للمريض بالتوجه إلى المصحات الخاصة حيث يعالج أعضاء الفريق الطبي المختفي خلف كلمات (فوق مستوانا) ليدفعوا بالمريض المنكوب إلى أنياب الضباع الجاهزة في المشافي الخاصة حيث يمتصون دم الفقير مثل العلق فيدفع المال حسب أرقامهم؟
قصة المسكينة وابنها من دوار الطاجين تذكرني بالدكتور (محمد الشامي) الاستاذ الجامعي في دمشق المخطوفة حين ضحكوا علينا بفتح الباب للتخصص في جامعة دمشق بفرض فرضوه على الاساتذة بقوة الطبنجة والفردي (مسدسات المخابرات) وسموها الدراسات العليا وكانت في حقيقتها سفلى؟
يومها كان الاستاذ يأتي ولا يأتي، يعلّم ولا يعلّم وهي قصة مأساوية عانيت أنا منها؛ حتى هربت من مملكة القرود في سوريا المنكوبة فتعلمت الطب في ألمانيا؟ حضر الاستاذ الشامي مرة واحدة ثم نفخ فيّ فقال انت علّم الأطباء ودرّبهم؟ تذكرت قول الانجيل: أعمى يقود أعمى الاثنان يقعان في الحفرة.
نتابع قصة الأم الحزينة من دوار الطاجين. ضحك أطباء مشفى ابن رشد عليها وعلى أطباء الجديدة وردوها على أعقابها قائلين أفي أعظم مشفى في افريقيا لا تعالجين؟ وتأتين إلينا؟ إن هذا هو البلاء المبين؟ وكان بإمكانهم إصلاح الكسر ورأب الصدع والتغطية على زملائهم والإحسان إلى الطفل والأم المسكينة القادمة من دواوير البؤس؟
رجعت المسكينة بابنها خاوية الوفاض إلى مدينة الجديدة ودوار الطاجين بدون طاجين؟ ماذا تفعل؟ قال لها من حولها من أشباه الأميين أن (مجبّرا عربيا = جباّر) يحسن رد الكسور؟ حملت طفلها المكسور بآلامه وآلامها إلى الطبيب بدون طب؛ فزعم أنه بعد أبو قراط وجالينوس لم يأت سواه من يفهم في معالجة الكسور. كانت النتيجة كارثة كاملة حيث ضغط (الجبّار العربي) المكان فانحبس الدم في اليد وازرقت.
كان الطفل في كسر فبدأت اليد تحتقن وتموت من نقص التروية الدموية في اليد؟ ومعها الطفل يزعق من الألم المزدوج الكسر وبداية موت اليد؟ لا يعرف نوما ولا يذوق طعاما. نفس القصة حصلت مع جدتي والمجبر يلعب في ساقها فتركها قعيدة الكرسي بقية حياتها.
روى لي صديقي البنا القصة غضبان أسفا حزينا ملتاعا أن يحدث مثل هذا في مدينة الجديدة حيث أعظم مشفى في أفريقيا؟ سألته ثم مه؟ قال كانت قريبة امرأة أعرفها فأشفقت على الطفل فرجعنا إلى الطريق الذي أراده الفريق الطبي في أعظم مشفى في أفريقيا أي الشفارة من الأطباء الذين يحصدون أموال المساكين ويبنون قصور ألف ليلة وليلة بجنب دواوير الطاجين والغربة والغنادرية والسراغنة حيث البلومبر الغول والزفات (الجودرون) بوشعيب الحراري.
قال صديقي (البنا): صرخ الطبيب ويل المعالج كاد الطفل أن يفقد يده؟ قال له البنا والعمل؟ قال جراحة؟ قال كيف؟ قال نزع كل شيء وتحت التخدير العام نعيد ضم العظام إلى بعضها البعض بمعادن من صفائح من حديد منضد وبراغي (مسامر) قال والكلفة ؟ قال أول دفعة سبعة آلاف درهم؟
المسكينة الأم من دوار الطاجين تشتغل في التنظيف اليوم كله بمائة درهم أي تحتاج إلى عمل وكدح سبعين يوما لتغطي الدفعة الأولى من علاج ابنها محب الكورة مقلدا سفه الأعراب في قطر أو فتاة المحمدية من فريق التشجيع التي قضت نحبها بدون حمد؛ فهذه هي بركات الكورة وإنجازات أعظم مشفى في أفريقيا؟