لم تعد المنافسة الشرسة بين الولايات المتحدة والصين سراً، أو أمراً للتكهن، بل صارت علانية واتخذت في بعض الأحيان اتجاهاً يدعو إلى التصعيد الصريح، بدلاً من إدارة المنافسة دبلوماسياً.
ويقول الباحث والمعلق السياسي الأمريكي غوردون جي تشانغ، في تقرير نشره معهد جيتسون الأمريكي، إن وزيرة التجارة الأمريكية جينا ريموندو قالت خلال رحلتها إلى بكين في غشت الماضي: “أود أن أكون واضحة أننا لا نسعى إلى الانفصال عن الاقتصاد الصيني، أو كبحه”.. ويتساءل تشانغ، مؤلف كتاب “الانهيار القادم للصين”، مستنكراً، لماذا لا سيدتي الوزيرة؟ ويضيف “يجب على الولايات المتحدة أن تعيق الاقتصاد الصيني”.
وأوضح “في الواقع، يجب أن نفعل أكثر من ذلك، إذ يتعين أن تحاول واشنطن إنهاء حكم الحزب الشيوعي الصيني.. حان الوقت لإعلان حرب شعبية ضد الحزب الشيوعي الصيني.. نحن في معركة نحن أو هم”.
وأشار إلى أنه من المؤكد أن الحزب الشيوعي يفكر بهذه الطريقة.. ففي ماي 2019، أعلنت صحيفة الشعب اليومية، التي تصف نفسها بأنها “الناطقة بلسان الحزب الشيوعي الصيني”، وبالتالي الأكثر موثوقية في الصين، “حرباً شعبية” ضد الولايات المتحدة.
وتحمل هذه العبارة معنى كبيراً.. وبحسب موقع “بي إل آيه ديلي”، وهو موقع إخباري رسمي للجيش الصيني، في أبريل الماضي، فإن “الحرب الشعبية هي حرب شاملة، وتتطلب إستراتيجيتها وتكتيكاتها التعبئة الشاملة لموارد القوة السياسية والاقتصادية والثقافية والدبلوماسية والعسكرية وغيرها، والاستخدام المتكامل لأشكال متعددة من النضال وأساليب القتال”.
ويتساءل تشانغ: “ما هي بالضبط الأشكال المتعددة للنضال وأساليب القتال؟”، ويقول إنه على الرغم من أن النظام الصيني ينفي القيام بذلك، فإنه يشن “حرباً غير محدودة” ضد أمريكا.
ويقول إن “الحرب غير المحدودة تعني الحرب الشاملة.. فعلى سبيل المثال، ينبغي النظر إلى نشر النظام المتعمد لكوفيد-19 ودعم عصابات مخدر الفنتانيل الصينية، في هذا الإطار.. ويجب أن نتذكر أنه في الساحة العامة الخاضعة لرقابة مشددة في الصين، تعد إبادة الأمريكيين موضوعاً مسموحاً به، كما تخبرنا التعليقات المتفجرة للأكاديمية البارزة لي يي”.
ويتساءل تشانغ: لماذا يجب أن يشعر الأمريكيون بالقلق؟ ويقول إن الحزب الشيوعي، في حال معاداة شديدة لأمريكا، ويؤسس مبرراً لضربها.. وكما قال جيمس ليلي، السفير الأمريكي العظيم في بكين: “يرسل الصينيون اللكمات دائماً.. إنهم الآن يرسلون اللكمات”.
ويوجه الصينيون اللكمات عندما تواجه بلادهم مشاكل اقتصادية حادة، وغيرها.. ولأسباب أيديولوجية فإن رئيس الصين لا يريد تبني تلك التدابير التي من شأنها أن تؤدي إلى استقرار الوضع.. وبدلاً من ذلك، يتبع إستراتيجيات من الواضح أنها تزيد الأمور سوءاً.
ويضيف أنه ليس من قبيل المصادفة أن يصبح سلوك الصين الخارجي أكثر عدوانية مع تدهور اقتصاد البلاد وهبوط الأسواق.. فعلى سبيل المثال، تخاطر بكين، باعتراضها السفن الفلبينية التي تعيد تزويد موقع استيطاني في سكند توماس شول ببحر الصين الجنوبي، باندلاع حرب.. وأوضح أنه بينما يوجه نظام شي اللكمات، يبدو الرئيس جو بايدن غافلاً، حيث ردد أثناء وجوده في فيتنام يوم الأحد الماضي في 10 سبتمبر الجاري، قول ريموندو: “لا أريد احتواء الصين”.
وذهب بايدن خطوة أخرى إلى الأمام، وتمنى لنظيره الصيني التوفيق، وقال: “أريد أن تنجح الصين اقتصادياً”.. ويرى تشانغ أن تعليقات بايدن محيرة في أحسن الأحوال في ضوء تصرفات الصين الخبيثة ضد أمريكا، وإدراكه أن البلاد، كما أعلن في غشت الماضي في حملة لجمع التبرعات للحزب الديمقراطي في ولاية يوتا، هي “قنبلة موقوتة”.
وأشار إلى أن “هذا ليس جيداً، لأنه عندما يواجه الأشخاص السيئون مشاكل، فإنهم يفعلون أشياء سيئة”.
ومع ذلك، لا تتبنى إدارة بايدن تدابير كافية للدفاع عن الولايات المتحدة في مواجهة مثل هذا الخطر الواضح.. وعلى سبيل المثال، قال مستشار الأمن القومي جيك سوليفان في 5 سبتمبر الجاري إن “الولايات المتحدة يجب أن تستمر في مجموعة من القيود التكنولوجية التي تركز بشكل ضيق على مخاوف الأمن القومي”.
ويتبنى الرئيس شي جينبينغ سياسة “الاندماج العسكري المدني”، ما يعني أن أي شيء تمتلكه منظمة مدنية يمكن أن يتم توصيله إلى الجيش الصيني.. وفي نظام الحزب الشيوعي ذي التسلسل القيادي الهرمي، يجب على كل فرد وكيان في الصين إطاعة جميع أوامر الحزب.
ويرى تشانغ في هذا تحذيراً لأمريكا، إذ يحتوي الهاتف الذكي “ميت 60 برو” الذي تم إصداره للتو من جانب شركة “هواوي تكنولوجيز”، على رقائق من شركة المؤسسة الدولية لتصنيع أشباه الموصلات، أكبر شركة لتصنيع الرقائق في الصين.. وباعت الشركة هذه الرقائق إلى هواوي في انتهاك للعقوبات الأمريكية، بما في ذلك قاعدة المنتجات الأجنبية المباشرة لوزارة التجارة، وتم تطبيق العقوبات الأمريكية لأن الرقائق في الهاتف الجديد صنعت بتقنية أمريكية.. وسمحت وزارة التجارة الأمريكية بنقل التكنولوجيا الأمريكية إلى الشركة، بشرط عدم وجود عمليات نقل إلى هواوي.
ويقوم نظام شي بتعبئة جميع المدنيين في البلاد من أجل الحرب.. ولا يفوت الزعيم الصيني فرصة للحديث عن ذلك، ومن الواضح أن النظام الصيني يعتزم شن حرب “حركية” على أمريكا، وهو النوع الذي اعتاد الأمريكيون رؤيته في الأفلام.. ومن الواضح أنه لا ينبغي للأطراف الأمريكية، وخاصة الشركات، أن تمكن النظام الصيني من قتل الأمريكيين، أي أنه لا يجب لها الانخراط في أي معاملة من شأنها تعزيز أي جزء من الصين، يجب أن نفكر في كل الصين كجيش.
ويخلص تشانغ إلى أنه يجب على الأمريكيين أن ينظروا إلى عدوهم وفق صورته التي هو عليها، وليس بالطريقة التي يريدونها.. لذلك، تحتاج الوزيرة ريموندو إلى القول إن الولايات المتحدة ستتخذ جميع التدابير للدفاع عن نفسها من الصين، ويجب أن يبدأ بايدن في إخبار العالم بأن الصين هي عدو أمريكا.
drp