آراءثقافة

الوجودية الإسلامية.. وتعقلن مصطفى ملكيان (2)

نواصل فى مقالنا هذا طرح المشروع الفكري للدكتور مصطفى ملكيان، وذلك لأننا نرى أنه وغيره من مفكريين إيرانيين، لم ينل إنتاجهم الفكرى الكثير من الضوء مثل ما حدث للمفكر الكبير علي شريعتي، كما أن الكثير من الإنتاج الثقافي الإيراني يعتبر شبه مجهول للقارىء العربي، ربما يعود ذلك لقله الترجمة من الفارسية، فنحن محرمون من الكثير من نتاجات الفكر الإيرانى سواء فى مجال التنوير أو العرفان، فمن منا قرأ للمفكر البارز جلال آل أحمد نزعة التغريب والإستغراب والدكتور محمد مجتهد الشبستري خاصة قراءاته حول التأويل فى الفكر.

لنعود لملكيان الذى يقول: “إذا كنا مؤمنين بأن القرآن كتاب له مايقوله لكل البشر فى كل زمان ومكان كان لزاما علينا أن نقرأه قراءة تلهمنا العقلانية والمعنوية ذلك أن أعمق النظرات لوضع الإنسان المعاصر تكشف عن أن أخطر وأهم حاجات الإنسان المعاصر هى الجمع بين العقلانية والمعنوية أى الجمع بين “العقل والدين”. [1] ص171

العقلانية من وجهة نظر ملكيان هى ثراث قيم لاينبغي أن نفرط فيه بأى حال من الأحوال لذلك لابد من إيجاد قراءات للنزعة الروحية غير المتعارضة مع العقلانية، وإذا كنا ندعوا للعودة للتراث فذلك ليس كما يعتقد البعض تفكيرا تراثيا ما نريده هو التراسل والتواصل مع التراث ولكن بخلفية نقدية، فمازال سؤال الكينونة ملحا فى كل ذات، لذلك أصبحت الروحانية أكثرمن ضرورية فى عصر نهاية التاريخ الغربي.

بل إن كل مصطلحات عصر الأنوار حاليا بحاجة لمراجعة شاملة، فقد أصبح بطلان المصداقية الدينية كشرط للعقلانية والمعقولية أمر يتنافى مع العقل فتيليش فيلسوف العقل لم يخرج التجربة الدينية أبدا من دائرة العقل حيث يرى أن الوحي هو العقل متوغلا فى النسيج العقلانى وكلمة الرب متوغلة فى كافة الكلمات.

من خلفية العقلانية الوجوبية لأى تناول للروحانية يرى ملكيان أن قراءة القرآن وحفظه لابد من أن تكون مقدمة لفهمه ودراسته والبحث فى قضاياه موضحا أن الغاية القصوى من دراسة القرآن تتلخص فى آمرين النظام الماورائى الذى يقوم عليه القرآن والنظام الأخلاقي الموجود خلف ظواهر الآيات القرآنية. [2] ص177

مخاطر الدراسات القرآنية المعاصرة

يوجد خطران يحيطان بالدراسات القرآنية فى عالمنا المعاصر عدم الشعور بحاجات ومتطلبات الإنسان المعاصرلها، وبالتالى تصبح هذه الدراسات فاقدة للصلة والعلاقة بالحاضر كما يرى ملكيان، بالإضافة إلى الخوف من أن تؤدى هذه الدراسات فى النهاية لنتائج لا تتفق ومعتقدات أسلافنا.

فإذا كان القرآن يطالب مخاطبية فردا فردا بالتعقل والتدبرفى الآيات القرآنية، فيوجد العديد من القضايا ذات الطابع الوجودي، والتى تشغل ذهنه، ولابد من استنباط رؤية قرآنية لها، منها قضايا الشك الملحة حاليا، والإيمان، الحقيقة، الخير، الجمال، الموت، اليأس، الألم، الفوارق بين البشر وأسرارها، كل ذلك إشكاليات يضعها العقل البشري أمام مائدة الوحي طالبا إجابات تدخل للروحه السكينة، فهل سوف تتمخض سطور الوحي باعثه له بإجابات شافية مقنعة تبعث فى روحه السكينة.

متطلبات البحث القرآني

لإيجاد إجابات على أسئلة العقل الوجودية يعود بنا ملكيان إلى باول تيليش وكيفية تناوله ومعالجته اللاهوتية الوجودية حيث كان يرى أن العلاقة بين الدين والثقافة فى كل عصرمن العصور مترابطة كالترابط بين السؤال والجواب فى عملية التحاور، فالمسائل والمشكلات ذات الأرضية الثقافية المحددة هى أسئلة تحتاج إجابات دينية عنها، ولكن لأن السؤال غيرمطروح لذلك لم تجب الأديان فى العصور الماضية عن أسئلة الإنسان المعاصر، لذلك على الإنسان فى كل عصر وثقافة أن يعيد مراجعة الدين، طالبا إجابة من هذا “الصامت الناطق” من ذلك تكون وظيفة رجال الدين وسائطية بين ثقافة ذلك العصر، والموروث الديني وبالتالي لابد من الإلمام بكل قضايا ومشكلات عصرهم، وأخذها إلى الدين، واستخراج الإجابات من داخل النص المقدس لها.

إستفهامات وإشكاليات حول النص

ملكيان يطرح تساؤل عن الإستفهامات والإشكاليات المثارة حول النص فى الحاضر، منها أن القرآن لا يتمتع بالإنسجام الداخلي، أى يتحدث عن الموضوع الواحد مواضيع متناقضة.

القرآن يتنافى والعلوم التى يحرزها الإنسان بالطرق العادية، أي بالحس، والتجربة، والتعقل ،والإستدلال والنقل التاريخي “تعارض العلم والدين” ففي القرآن تعاليم تتصل ببعض المواضيع والمسائل فى علم الهيئة، والنجوم، الفيزئاء، علم النفس، الإجتماع، لا تتسق مع النظريات، والإكتشافات العلمية اليوم.

يعرض القرآن منظومة قيمية تتعارض مع المنظومة القيمية مع الإنسان المعاصر مثل موضوع إباحة الحرب العنف، الحدود، القصاص، حقوق المرأة، الحرية، يضاف إلى ذلك مايثار إلى تأثير اليهودية والمسيحية على القرآن.. وذلك ما نفاه علماء المسلمين مؤكدين أن النبى محمد عليه الصلاة والسلام، لم يقرأ الكتاب المقدس، ولم يقرأه أحد عليه، فلم توجد تراجم إلى العربية فى زمانه، ويشير ملكيان إلى أنه لو كان فيه تراجم لكانت العبارات التى تتناول الكتاب المقدس أكثر وضوحا واكتمالا ما هى عليه [3] ص181

مباحث فهم القرآن

يرى ملكيان أن مصطلح علوم القرآن غيرواضح وبالتالي يوجد اختلاف حول ما يدرج ضمن علوم القرآن، لكن هناك العديد من الإشكاليات الأخرى الأكثر أهمية ، منها التسلسل الزمنى للآيات والسور القيمة التاريخية للنص كأبحاث التواتر ألآحاد المشهور، الشاذ، الموضوع المدرج، مباحث جمع القرآن، أسباب النزول، الناسخ والمنسوخ، المحكم ، والمتشابه، الأمثال القرآنية، البحث حول التفسير والتأويل.

كما يوجد مبحث أغفل تماما من علوم القرآن، وهو الوضع التاريخي، والنفسي، والإجتماعي، والثقافي، للعرب فى شبه الجزيرة زمن نزول الآيات، ويشير ملكيان إلى أن من يتناول القرآن من دون معرفة بأحوال العرب الجاهلية، فهو يجتزىء القرآن من نسيجه، لذلك يرى بضرورة دراسة كتاب “المفصل فى تاريخ العرب” لجواد على حيث يتناول جوانب شتى من حياة العرب الجاهلية، ذلك سوف يساعدنا فى فهم القرآن.

بالإضافة إلى ذلك لابد من ملىء فراغ علم معانى الألفاظ، والمفاهيم المفتاحية فى القرآن أى الكشف عن بنية المعنى ومكوناته، فى كل واحدة من ألفاظ ومفاهيم القرآن المفتاحية، بواسطة الآيات المتضمنة لذلك المفهوم أو اللفظ ويرى أننا بذلك نكتشف كيف اكتسبت المعاني القرآنية معانى إصطلاحية فى علوم مثل علم الكلام ،الأخلاق ،الفقه، الفلسفة،العرفان، وهل هى بعيدة أم قريبة من معانيها الإصطلاحية، بذلك يكون قد تكون لدينا رؤية كونية للقرآن ستؤدي إلى ظهور علم الكلام الإسلامي للنور. [4] ص183

ماهى عوامل حدوث التجربة الدينية

من عوامل حصول التجربة الدينية حفظ الوعي دائما يكون مرتبط بالله، حفظ الوعي بواجبهم تجاه الله استخدام أوراد وأدعية، والتمتع بوعي خالص المحافظة على الذهن هادئا خاليا من أى محتوى.

موانع التجربة الدينية

عند ملكيان العلموية تقتل فى الإنسان جميع التمهيدات المعرفية والعاطفية والإرادية، اللازمة للسعي والمثابرة صوب التجربة الدينية، وكذلك الشك من موانع التجربة الدينية.

أهمية التجربة الدينية عن ملكيان

يرى ملكيان أن التجربة الدينية هى جوهر الدين لأنها تسمى ما يسمى بالروح المعنوية يقول “إذا أردنا تلخيص كل الآثار الإيجابية التى تتركها التجربة الدينية كما يعتقد علماء نفس الدين على شخصية وسلوك صاحبها فى عبارة واحدة قلنا التجربة الدينية تخلق نوعا من الرضا الباطني العميق جدا لدى صاحب التجربة”. ص 76

ملكيان يرى أن التجربة الدينية جوهر الدين وأساسه، ودونها يعيش الإنسان حياه مفرغة من المعنى يسميها عبد الجبار الرفاعى “الظمأ الأنطولوجى”.

التجربة الدينية عند ملكيان تجربة شهودية، عرفانية، حضورية، ذوقية، كما أن التجربة الدينية من وجهة نظره لا تخص القديسين والأولياء الصالحين بل تشمل الناس العاديين وهى موضوع واحد هو المطلق، المتعالى، اللامتناهى، بالمصطلحات الفلسفية أما بالتعبير الإسلامي “الله” سبحانه وتعالى، فالعالم كله ماهو إلا تجلى من تجلياته.

بالنظر إلى مشروع ملكيان نرى أن المعنوية التى يدعوا لها هى العودة إلى الإسلام الأولى الروحي الأخلاقي المكي الذى يلتقي مع كافة الديانات سواء السماوية أو غيرها أى الإسلام الداعي للتسامح والإنسانية.

ولكن تظل معنوية ملكيان فى إطار الإتجاه وليس مذهب له أطر محددة ومعالم فالإتجاه ميل نحو الشىء. لا شك أنه يفر بذلك من تبنى أو التحيز لطرف دون الأخر هو يريد غتجاه يحمل فى طياته كل أطياف التدين المسحيين، اليهود، السنة، الشيعة، البوذيين، الهندوس، الملحدين أوغير ذلك.

فكل مايريده ملكيان هو البعد المعنوي والروحي للدين هو فقط ما يريد أن يخرج به من محفل كل الأديان، لأن المعنوية هى القاسم المشترك بينها جميعا، ويتم استبعاد القضايا الفقهية والقضايا الخبرية، فلا نميزبين مسيحية المسيحي ،ولا يهودية اليهودي، ولا إسلامية المسلم ،ولا بوذية البوذي.

مصادر

1- كتاب العقلانية والمعنوية – مقاربات فى فلسفة الدين – ت الدكتور عبد الجبار الرفاعى وحيدر نجف ص171
2- المصدر السابق
3- كتاب التدين العقلانى – مصطفى ملكيان – ص181
4- كتاب التدين العقلانى ص183
5- نفس المصدر السابق ص76
6- كتاب التجربة الدينية عند ملكيان – مجلة دراسات مجلد 4 عدد 2023 دكتورة سعاد بويزار

https://anbaaexpress.ma/cfwqt

جيهان خليفة

كاتبة وباحثة وصحافية مصرية.

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى