في 4 أكتوبر من عام 1957م أصيبت أمريكا بصدمة السبوتنيك (Sputnik) حين تفوق السوفيات في علوم الفضاء؛ فأرسلوا أول قمر صناعي بقطر 58 سم، ووزن 83,6 كغ، يسابق القمر بسرعة 28,8 ألف كم / ساعة، يطوف المدار الأرضي على شكل قطع ناقص كل 96,2 دقيقة؛ فعرجوا إلى السماء وأمريكا تتفرج.
كان الرئيس الأمريكي يومها (دوايت آيزنهاور Dwight D. Eisenhower) الرئيس 34 الأمريكي قائد حملة النورماندي في أوربا (عملية الرب الأعلى Overlord) لسحق النازية، فاستدعى نخبة القوم للتصرف؟ كان الجواب ولادة مشروع سري هو داربا (DARPA) وهي كلمة رمزية من مقدمة خمس كلمات تعني (وكالة مشاريع الأبحاث الدفاعية المتقدمة).
الجواب الأمريكي الأول كان كيف وصل الروس إلى عروج السماء؟ وماهي التقنية والمعلومات التي بين أيديهم؟ فقالوا إنه نظام التعليم فقاموا بثورة في التعليم. وهو البند الأول في النهضة. من مثلث مكون من ثلاث أضلاع: التعليم ـ الأفراد ـ المؤسسات.
كان الجواب الثاني بناء مؤسسة الفضاء المعروفة باسم ناسا، ويومها قال كينيدي لن يحل علينا يوم الاستقلال الأمريكي وإلا وفرد أمريكي على ظهر القمر وهو الذي كان.
لم تكن ناسا الوحيدة التي ولدت من وكالة داربا فاجتماع العقول والمال والطموح ليس له حدود، وهو مانعرفه عن أمريكا حين انطلقت بمشروع القنبلة الذرية في ألامو جوردو وأواك ريج في بناء مختبرين أوليين بين عامي 1942 ـ 1945م بطريقتين مختلفتين تخصيب اليورانيوم 235 واختراع قنبلة البلوتونيوم 239.
تم إصلاح نظام التعيم وبنيت مؤسسة ناسا لاختراق قبة السماء؛ فأن يسبح الروس فوق رؤوسهم؛ يحمل تهديد أن تمطر السماء عليهم بشواظ من نار ونحاس فلا تنتصر.
قال القوم نحن مقدمون على حرب عالمية ثالثة لاريب فيها؛ فكيف سيتواصل الدماغ الحكومي في ساعة الصفر؟ قاموا ببناء نظام اتصال لاسكي يبث المعلومات ويوصل الخبراء والمسئولين بعضهم ببعض. هذا النظام هو الآربانيت (Arpanet).
ثم مط الزمن مع الحرب الباردة، إلى حين تفكك النظام السوفييتي الشمولي؛ فلم يعد ثمة مبرر للسرية؛ فتحول النظام إلى العلنية واستخدمها القوم، كما أتذكر من صديقي الدكتور (شابسغ) حين أطلعني على ماعرف بشارع المعلومات، وهو اليوم نظام الانترنت الذي أكتب على ثبجه الأخضر مقالتي هذه؛ فأرسلها بطرفة عين من كندا إلى بقية العالم. وهي فلسفة عميقة كما نرى في جدلية الشر والخير.
هناك أمر أخطر ولد من أفرع هذه الوكالة السرية، التي جند لها خيرة العقول ووافر الأموال؛ قالوا مستودعات القنابل الذرية في الاتحاد السوفييتي يجب الإجهاز عليها إذا قامت القيامة النووية!.
يحضرني في هذا المقابة التي أجرتها مجلة در شبيجل الألمانية مع الخبير النووي (لي بتلر) قال كان هناك 12500 هدف في الاتحاد السوفييتي للمسح من الخارطة!
أما قواعد (السيلو) أي الأنابيب الأرضية بخراسانات من الاسمنت المسلح بسماكة 100 متر فهي في قاعدة فاندنبيرج في أمريكا ويتربص بها الروس بدورهم.
صعد الأمريكيون على ظهر الغمام وطوروا نظام استكشاف ذكي يشمشم مواقع القنابل الذرية الروسية (مكان الاختبارات الرئيسي كان في صحراء سيمابالاتنسك) لقصفها بالقنابل الهيدروجينية (المشروع السري 57)، ويقول خبيرهم جولدبلات إن هدف داربا هو تشكيل المستقبل على شرط عدم خرق قوانين الفيزياء إلا مرة واحدة في كل برنامج، وبالطبع فالقوانين توضع لخرق القوانين.
وحين تم دفن الحرب الباردة بخشوع في باريس، انتفع الناس من النظام السماوي فأصبح المعروف بجهاز ماجلان (GPS) لهداية الحيارى من السائقين، كما حصل معي في مونتريال، وأنا أحاول الخروج من طريق شيريبروك إلى الطريق السريع 40. قلت لزوجتي جزاهم الله خيرا عن هذه الهدية للحيارى من السائقين.
مرة أخرى نرى الجدل الإنساني بين الشر والخير، وبين حماقة العسكر ورحمة العلم.
مؤسسة داربا لاتعرف النوم فهي حاليا قد خصصت مبلغ 3 مليار دولار لمشروع جديد لفهم الدماغ فهو أعظم سر في الوجود، وهل يمكن قراءة أفكار الإنسان من كهربائية الدماغ؟ وهذا بحث ممتع جدا منذ أن حقق الألماني (هانز بيرجر) في تصميم أول جهاز تخطيط دماغ كهربي (EEG) بتكبير موجات الدماغ مليون مرة ورصدها وكتابتها على الورق وتفسيرها.
الروس البارعون في التجسس (بوطين الحالي كان رئيس الاستازي الرهيب STASIفي ألمانيا الديموقراطية سابقا قبل الانهيار الأعظم عام 1987م حيث التجسس على كل مواطن الماني من خلال توظيف عشرين ألف غرفة تنصت؟).
فقد أجابوا التفوق الأمريكي بالدخول على ختم السفارة الأمريكية الأعظم في تصديق الوثائق الخطيرة (اعتمد منذ عام 1782م) وحشر جهاز مخفي يتم تحرضيه بموجات راديوية من مصدر بعيد فيرسل ماشاء من الوثائق الهامة مثنى وثلاث ورباع إلى ستالين الضاحك وهو يفتل شاربه العريض ويدخن غليونه الذي لايفارقه. واستمر التسرب سبع سنين عجافا (1945 ـ 1952) ينقل مايفكر به الأمريكيون في أزمة برلين 1948م والحرب الكورية 1950 حتى اهتدى لها مهندس بريطاني بالصدفة فخبط خبراء أمريكا ناصيتهم وقالوا يوم نحس مستمر.