نقد وتفنيد بنود الصحيفة
1/ إنهم أمة واحدة من دون الناس
قلت: هذا يناقض تماماً مبدأ الآية الكريمة: {ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين} سورة هود، والبداهة تقول بعدم مخالفة النبي صلى الله عليه وسلم للأمر الرباني قولاً وعملاً؛ فكيف فات عليهم هذا الأمر؟.
2 / المهاجرون من قريش على ربعتهم يتعاقلون بينهم وهم يفدون عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
قلت: لم يكن المهاجرون من قريش حضوراً في هذه المكاتبة بل كانوا في الحبشة منذ السنة الخامسة للمبعث النبوي الشريف الموافق لسنة 616م، فهل قضى النبي صلى الله عليه وسلم عليهم “يفدون عانيها ” دون الرجوع إليهم ؟ لا يمكن حدوث ذلك مطلقاً لأنَّه ينافي النص القرآني القائل: {وشاورهم في الأمر} سورة آل عمران، وهو لم يشاورهم ولم يرجع إليهم فكيف به الزامهم ومخالفته لله تعالى، حاشاه حاشاه أن يفعل ذلك.
3 / وبنو عوف على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدى عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
قلت: وهم من قبائل يهود من تيماء أرادوا الإقامة في يثرب باشتراط يهود يثرب عليهم .
4/ وبنو الحارث (من الخزرج) على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدى عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
قلت: قيل هم من الخزرج، وقيل أنهم من اليمن وقيل غير محدد لهم قبيلة بعينها، وقيل لها أكثر من تعريف للاسم.
5/ وبنو ساعدة على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدى عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
قلت: وهم من قبائل يثرب.
6/ وبنو جشم على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدى عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
قلت: وهم من هوازن، راجع الكامل في التاريخ لابن الأثير، وهوازن بعيدة عن يثرب.
7 / وبنو النجار على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدى عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
قلت: قيل هم من الخزرج / لاحظ تكرار البطون من الخزرجيين في حين الأسلم لهم جميعهم أن يكونوا تحت مظلة اسم واحد “الخزرج” وهو ما لم يفعله الناحل والناسب / وقيل هم من قريش المكية / كيف تتفق بنو النجار القرشية التي حاربت النبي وأخرجته من دياره في يثرب مع يهودها بينما كان الأقرب للمنطق حسن الجوار والمصالحة في مكة وترك الدعوة تمضي في سلام؛ هذا غريب جداً ومنكر / وقيل هم عدد كبير من القبائل تحمل ذات الاسم، وقيل هم أخوال النبي وقيل هم أخوال جده عبد المطلب، وفي السيرة لابن كثير الدمشقي قال: (هم أخوال عبد الله بن عبد المطلب والد النبي صلى الله عليه وسلم) حين بات معهم في ديارهم قبيل وفاته بقليل إلى آخر الخبر، فتأمل هذا الاضطراب.
8/ وبنو عمرو بن عوف على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدى عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
قلت: قيل هو صحابي، وقيل هم قبيلة من الأوس بيثرب فأين الصواب هنا ؟.
9 / وبنو النبيت على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدى عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
قلت: هم بنو عمرو بن مالك من الأوس، وفيه نظر، أنظر سيرة ابن هشام.
10 / وبنو الأوس على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدى عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
قلت: أولاً، قيل هم من الأزد، ولك أن تراجع الاضطراب في تحديد حجم القبيلة الواحدة في مسمى واحد، لماذا لم تجمع كل قبيلة ما دونها من البطون والافخاذ في جسم واحد لتكفينا شر كثرة الشرح والكلام ؟ الله أعلم.
ثانياً، البنود من (3 – 10) لا عبرة بها لأنَّها تدخل حاق التوصية والحث والتحذير والتنبيه وما إلى ذلك من الصيغ فهي ليست شروطاً بالمعنى المعروف لمكاتبة العهود كما في بنود صلح الحديبية مثلاً.
11 / وأن المؤمنين لا يتركون مفرحاً بينهم أن يعطوه بالمعروف في فداء أو عقل.
قلت: مفهوم أو مصطلح أو تداول كلمة “المؤمنون / الإيمان” حديثة العهد بأهل يثرب لأنَّها حسب ما هو متعارف عليه أنَّ التكليف بصيغة الإيمان كان في السنة الثانية من الإخراج النبوي الشريف، يعني مخالفة الكلمة الدلالية للاصطلاح العام إذ صيغت المعاهدة في السنة الأولى بينما التكليف وتداول الكلمة كان في السنة الثانية فلا يقبل عقلاً وجودها هنا.
12/ وأن لا يخالف مؤمن مولى مؤمن دونه.
قلت الموالاة بشيوعها كانت موجودة عند العرب، وكانت في عهد التابعين أكثر شيوعاً وبالتحديد بعد انتقال النبي صلى الله عليه وسلم للرفيق الأعلى لأنَّه كان هو الولي عليهم طالما هو بين ظهرانيهم ثم ما هي المخالفة المقصودة بالضبط من الموالي حتى يشترط فيها وعليها ؟ قال تعالى: {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم} سورة الأحزاب، دون الخوض في التفاصيل لأنَّ القاعدة النورانية الأساس هي ولاية النبي على الناس طالما هو بين ظهرانيهم وطالما قال الكتاب، بمعنى سقوط هذا البند بالكلية إذ لا حاجة لهم به.
13 / وأن المؤمنين المتقين أيديهم على كل من بغى منهم أو ابتغى دسيعة ظلم أو إثماً أو عدواناً أو فساداً بين المؤمنين، وأن أيديهم عليه جميعاً ولو كان ولد أحدهم.
قلت: هذا البند يعد مخالفة صريحة لطبيعة الأشياء لحين الايحاء بالقتال غير مقبول لأنَّ في الرأي العام المجموع عليه لدى أهل الفقه والتفسير القتال فرض في السنة الثانية من الإخراج النبوي الشريف فهو استباقي في موضعه الصحيح من الحكمة التعقل أن يكون ههنا.
14/ ولا يقتل مؤمن مؤمناً في كافر ولا ينصر كافراً على مؤمن.
قلت: وهذا البند ينافي تحقيق العدالة الاجتماعية وارساء دعائم دولة القانون الإنسانية التي أرساها النبي الكريم وتعد مخالفة صريحة وواضحة للغاية: {ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق} سورة الإسراء، وتشير أيضاً للطبقية وإن المؤمن هو خير من الكافر في الإنسانية بمعيار الدين حين قرر القرآن المساواة بين القبيل البشري قاطبة دون تفريق أو تفضيل جماعة على أخرى بمعيار الدين والإسلام بالذات بل بمعيار القيم الاخلاقية الإنسانية قال تعالى: {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله اتقاكم إن الله عليم خبير} سورة الحجرات، فكيف يصادق النبي بمخالفة جلية تناقض مبدأ ما جاء به وكلف ؟ الأمر يحتاج إلى ضبط ومراجعة وتصحيح من جديد لاختلاف مستقى المعرفة بين من وضعوا الوثيقة وبين من اعتقدوا فيها.
15 / وأن ذمة الله واحدة يجير عليهم أدناهم، وأن المؤمنين بعضهم موالي بعض دون الناس.
قلت: كلمة “من دون الناس” تناقض أول الجملة “وأن ذمة الله واحدة” لسبب إنَّ الذمة الواحدة لا تتجزأ لمبدأ توحيد وشمولية الرسالة الإلهية للناس كافة، وإن قلت بالآية: {المؤمنون أولى ببعض في كتاب الله} سورة الأنفال، أقول: صدقت، ولكن ليس ههنا موضعها لأنَّ الآية خاطبت الولاء القتالي ومضمون شراكة المحتوى الرسالي الإسلامي الإنساني في إطار معين وهنا في الوثيقة الخطاب بصورة عامة مما يعني إيغال العنصرية في النفس البشرية ضد بعضها البعض مما ينافي قوله تعالى: {وما أنت عليهم بجبار فذكر بالقرآن من يخاف وعيد} سورة ق.
16 / وأنه من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة غير مظلومين ولا متناصر عليهم.
قلت: هذا البند لا يخلو من استعطاف أو خطاب تجاري للدخول في الإسلام بغرض التأمين الاجتماعي في حين الله يقول: {قل كل يعمل على شاكلته فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلاً} سورة الإسراء، ويصطلح عليه حديثاً بــــــ “الأمن والأمان والاستقرار مقابل التبعية” / النفط مقابل الدواء / وهذا ضمناً يشير إلى إضمار العداوة لليهود حين هم الآن يكاتبوهم فانظر لهذا التناقض، وفي ذات الوقت ينسف مبدأ حقوق المواطنة والتوزيع العادل للثروة والسلطة كما قالت به الآية الكريمة: {هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور} سورة الملك، ويناقض تماماً مبدأ مفهوم الوثيقة في حد ذاتها فهي لغم قابل للانفجار في أي وقت أو قل وثيقة اذعان لمن يملك القوة على من لا يملكها، وينافي بطبيعة الحال سِمْت النبي الكريم وأخلاقه ويهدم فكرة السلام والإسلام والتعايش السلمي في أصقاع هذا الكوكب بلا شك.
17 / وأن سلم المؤمنين واحدة لا يسالم مؤمن دون مؤمن في قتال في سبيل الله إلا على سواء وعدل بينهم.
قلت أولاً، لا يخفى من كلمة “إلا على سواء وعدل بينهم” أنَّها تنبي بتوقع حدوث فتنة بين المسلمين فيما بينهم أو إضمارها، والبند احترازي وإن كان هو أقرب للحدوث منه للاحتراز.
ثانياً، كلمة “قتال في سبيل الله” لا تستقيم مع حيثيات وظروف وطبيعة الاتفاق لأنَّه لم يمكث بينهم إلا أشهراً معدودة فكيف له أن يعزم عقدة القتال وهو يريد المصالحة والعدالة وحقوق الإنسان والمواطنة المجتمعية في ذات الوقت ؟ هذه أخطاء لا يقع فيها الصغار فكيف بالنبي وهو من هو عليه السلام.
18 / وأن كل غازية غزت معنا يعقب بعضهم بعضاً.
قلت: أولاً، يريد مفهوم الخلافة بالنسبة للمقاتلين بمعنى التناوب في القتال، وهذا تكتيك حربي جيد وسليم ويتوافق مع الآية: {وما كان المؤمنون لينفروا كافة، فلو لا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون} سورة التوبة، لكن ألست ترى تكريس الوثيقة في تسعين بالمائة منها للقتال وما يجري مجراه ؟ هذه الاتفاقية أقرب لما يعرف بضمانات الحرب وما بعد الحرب، وبعيدة جداً عن تكريس الصلح والتسامح الذي يدعوا له طاعة لأمر الله تعالى له حيث قال: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين} سورة النحل، فلماذا هذا التكريس العدائي في أول الدعوة لأهل يثرب في حين – إذا جاز التعبير – الأحق بالعداوة هم أهل قريش لأنَّهم هم الذين ناصبوه العداوة والبغضاء والتعذيب والتنكيل وليس أهل يثرب.
ثانياً، تحشد الوثيقة سكان يثرب وتستفزهم وتستنفرهم للقتال لمن عاداه وبالتحديد اليهود مما يعني المصلحة الشخصية العليا للنبي الكريم بدافع الثأر والانتقام الذاتي لمن عاداه وأخرجه والمسلمين من القرشيين وهذا بعيد للغاية عنه عليه السلام بطبيعة الحال.
19 / وأن المؤمنين يبئ بعضهم عن بعض بما نال دماؤهم في سبيل الله.
قلت: يريد الدفاع المدني الطائفي “بما نال دماؤهم في سبيل الله” كيف له ذلك وهو لما يحدث بعد ؟ وإشارة خفية لمبدأ الثأر والانتقام مما يعني التفكير الاستراتيجي بعيد المدى لحمايته ودعوته ومن معه بالحزبية أو الطائفية الضيقة المنافية لقوله تعالى: {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك، وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين} سورة المائدة، فكيف يوقع بنداً للحماية هو مفروغ منه بواقع الحال بالدفاع والحماية الربانية له ؟ هذا غير مقبول بالمرة.
20/ وأن المؤمنين المتقين على أحسن هدى وأقومه.
قلت: هذه صفة وليست شرطاً ولا يصح وضعها في ميثاق بين طرفين.
21 / وأنه لا يجير مشرك مالاً لقريش ولا نفساً ولا يحول دونه على مؤمن.
قلت: أولاً، الإجارة بمعنى الحماية والذود والدفاع.
ثانياً، لفظة “مشرك مالاً لقريش” ليس في وضعها الطبيعي لأنَّ لفظة “المشرك” لم تتفق لأهل يثرب بل هي قرينة لازمة لأهل مكة والقرشيين ولا نغض الطرف عن بعض المشركين في يثرب لكن سياق وصياغ البند يفيد قريشاً ولا يفيد يثرب فلماذا يتم وضعه هنا؟
ثالثاً، “ولا يحول دونه لمؤمن” تفيد التعدي على حقوق الغير وحق التمتع بحقوق الآخرين بمعنى الاستباحة والتحليل بمجرد الإجارة وهذا ضد نص الآية الكريمة: {وإن أحدٌ من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون} سورة التوبة، دون الخوض في تفاصيل الآية بتسبيب النزول أو مكانه فهذا ليس موضعه الحكيم ههنا.
رابعاً، البند لا يتفق مع روح نص الآية التي هي أساس تربية النبي صلى الله عليه وسلم فبالتالي يسقط البند وكل الوثيقة بلا شك.
22/ وأنه من اعتبط مؤمناً قتلاً عن بينة فإنه قود به إلا أن يرضى ولى المقتول (بالعقل)، وأن المؤمنين عليه كافة لا يحل لهم إلا قيام عليه.
قلت: يريد المساومة أو القصاص في المقابل وهذا جيد لكن كلمة “لا يحل لهم إلا القيام به” تفيد فيما تفيد خروج قضيتي العفو أو الدية من جوهر المطالبة بالقصاص علماً بأنَّ هذا القصاص لا تقوم به الجماعة ولكن يقوم به ولي المقتول وفي حالة عدم وجوده لأي سبب كان يقوم مقامه الحاكم وهنا نرى تداخل الاختصاصات بين ولي المقتول وبين تغييب دور ووجود الحاكم وهو النبي عليه السلام، بمعنى القيام عليه يبعد حق ولي الدم عن العفو أو الدية ويجعلها في يد الجماعة، ومع هذا ففيه نظر علماً بأنَّ الدية أو العفو أو القصاص من أمور “فقه الجهاد” وليس خاصاً ولا متعلقاً بالذين يقتلون خارج نطاق الحروب وليس ههنا موضعه من الشروط كما ترى، راجع كلمتنا حول الموضوع بكتابنا “الفكرة الإنسانية العالمية”.
23 / وأنه لا يحل لمؤمن أقرَّ بما في هذه الصحيفة وآمن بالله واليوم الآخر أن ينصر محدثاً أو يؤويه، وأنه من نصره أو آواه فإن عليه لعنة الله وغضبه يوم القيامة ولا يؤخذ منه صرف ولا عدل.
قلت: في كتابة المعاهدات والعرب قديماً تعرف ذلك جيداً، لا توضع كلمات محل خلاف أو اختلاف لأنَّ الاتفاق أصلاً مبنى على ما اختلف عليه قبل التوقيع فإذا تم التوقيع عليه انتهى الخلاف، فقضية “من آمن بالله واليوم الآخر” عبارة غير مضبوطة لطبيعة الأشياء فأهل يثرب منهم من لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر مما يفيد نقض الميثاق قبل أن يجف مداده.
ثانياً، عبارة “فإنَّ عليه لعنة الله” إذا قالها نبي فقطعاً هي مهلكة لهم بلا جِدال وهم يعرفون تلك الصفة جيداً في الأنبياء وبالذات محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، فكيف لهما قبول هذا البند بعلاته الجوهرية، فمن الطبيعي إذا أراد النبي هلاك قومه حال خالفوه أن يدعوا عليهم وما هي إلا لحظات حتى ينتهي أمرهم بلا شك وبكل سهولة وتأكيد، فما ظنكم أنتم ؟.
24 / وأنكم مهما اختلفتم فيه من شيء فإنَّ مرده إلى الله وإلى محمد.
قلت: هذه مقتبسة من الآية: {وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله} سورة الشورى، ومعروف أنَّ النبي عليه الصلاة والسلام لا يقضي إلا بأمر الله لا بأمره هو شخصياً إذ تحمل صفة “شخصياً” الهوى والغرض والمرض وهو محال على سيدي محمد صلى الله عليه وسلم أن يقع أو يكون، وهذا البند ضعيف للغاية.
25 / وأن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين.
قلت: وهذا بعيد جداً عن طبيعة اليهود في دفع المال وهو معروف ولا يحتاج إلى دليل ومن طبيعتهم أن يقاتلوا بالوكالة إذا اقتضت الضرورة ومصلحتهم في ذلك، وأنا لا أعرف لليهود معركة مباشرة مع غيرهم من الناس كقوات مسلحة أو خلافه مع دولة أو كيان عسكري دولي مثلاً، قال تعالى: {لا يقاتلونكم جميعاً إلا في قرى محصنة أو من وراء جُدُرٍ بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتَّى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون} سورة الحشر.
26/ وأن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين لليهود دينهم وللمسلمين دينهم مواليهم وأنفسهم إلا من ظلم أو أثم فإنه لا يوتغ إلا نفسه وأهل بيته.
قلت: وهذا بديهي، الدفاع والموالاة حالما كان قتال أو حرب، وهذا البند يخضع للترتيبات الأمنية والاتفاقات الدفاعية وما إلى ذلك وهو بند للمزايدة لا أكثر ولا أقل.
27 / وأن ليهود بني النجار مثل ما ليهود بني عوف.
28/ وأن ليهود بن الحارث مثل ما ليهود بني عوف.
29 / وأن ليهود بني ساعدة مثل ما ليهود بني عوف.
30 / وأن ليهود بني جشم مثل ما ليهود بني عوف.
31/ وأن ليهود بني الأوس مثل ليهود بني عوف.
32 / وأن ليهود بني ثعلبة مثل ما ليهود بني عوف إلا من ظلم وأثم فإنه لا يوتغ إلا نفسه وأهل بيته.
33 / وأن جفته بطن من ثعلبة كأنفسهم.
34 / وأن لبنى الشطبية مثل ما ليهود بني عوف وأن البر دون الإثم.
35 / وأن موالى ثعلبة كأنفسهم.
36 / وأن بطانة يهود كأنفسهم.
37/ وأنه لا يخرج منهم أحد إلا بإذن محمد.
38 / وأنه لا ينحجز على ثأر جرح، وأنه من فتك فبنفسه وأهل بيته إلا من ظلم وأن الله على أبر هذا.
39/ وأن على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم، وأن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة، وأن بينهم النصح والنصيحة والبر دون الإثم.
40/ وأنه لا يأثم أمره بحليفه وأن النصر للمظلوم.
41 / وأن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين.
42 / وأن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة.
قلت أولاً، هذا البند ينسف ويهدم هذه المكاتبة جملة وتفصيلاً لأنَّ النبي عليه الصلاة والسلام لا يحرم من ذات نفسه إلا بأمر الله تعالى له وهو ما موجود بين دفتي المصحف بلا زيادة ولا نقصان وهذه أكبر فرية على النبي ومن نسبها إليه وأعتقد فيها وعمل بها؛ فلزم التنبيه على ذلك لأهميته القصوى بلا شك.
ثانياً، من البند 27-41 لا تعتبر بنود اتفاق ولا معاهدة ولا مكاتبة بل تعتبر وصايا وارشادات وتعاليم وتربية وتنبيه، ولا عبرة بها هنا في ميثاق شرفي منحول أصلاً، ولا حاجة لنا أن نزيد الشرح والنقد والتعليق.
43/ وأن الجار كالنفس غير مضار ولا آثم.
44 / وأن لا تجار حرمة إلا بإذن أهلها.
45 / وأنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده فإن مرده إلى الله وإلى محمد رسول الله، وأن الله على أتقى ما في هذه الصحيفة وأبره.
46 / وأن لا تجار قريش ولا من نصرها.
47 / وأن بينهم النصر على من دهم يثرب.
48 / وإذا دعوا إلى صلح يصالحونه ويلبسونه فإنهم يصالحونه ويلبسونه، وأنهم إذا دعوا إلى مثل ذلك فإنه لهم على المؤمنين إلا من حارب في الدين.
49 / على كل أناس حصتهم من جانبهم الذي قبلهم.
50/ وأن يهود الأوس مواليهم وأنفسهم لأهل هذه الصحيفة مع البر المحض من أهل هذه الصحيفة، وأن البر دون الإثم لا يكسب كاسب إلا على نفسه وأن الله على أصدق ما في هذه الصحيفة وأبره.
51 / وأنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم أو آثم، وأنه من خرج آمن ومن قعد آمن بالمدينة إلا من ظلم أو آثم، وأن الله جار لمن بر واتقى.
قلت: ما قيل في البند27-41 يقال فيما بعدهم من البنود ولا تحتاج إلى إضافة أو تعليق.
ما ارانا نقول إلا معارا * أو معادا من قولنا مكرورا
خلاصة: هذه جملة ما تشير إليه “وثيقة المدينة” المُفْتَراه على النبي صلى الله عليه وسلَّم وعلى من شهدها بالغيب ولم يوقع عليها من الطرفين أحد ولا الشهود وصارت حجة ملزمة على العقل الجمعي الواعي المحمدي في كل العصور التي تلتها بأنَّها هي أساس الدستور الإسلامي الأول الذي لا غيره فرحين بذلك التوهم والنتيجة الواهية وحكمونا بها سنين عدداً وما زال هذا دأبهم ولن يهتدوا إذاً أبداً “والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون” سورة يوسف.