آراءثقافة

حين تنقلب الدولة على رأسها ويقودها أسافل القوم

قصة الإمبراطور ميشيل الثالث وأمه ثيودورا وعمه بارداس وصديقه باسيليوس سائس الخيل

في القصة التي بين يدينا شيء خطير حين تقع مقدرات الدولة في يدي أخبث القوم وأسفلهم خلقا. هي قصة من لؤلؤة الشرق بيزنطة عن عصر قفز فيه إلى الحكم أقذر الناس، ويبقى السؤال كيف يحصل مايحصل ؟ كيف تمشي أمة على رأسها إلى الخلف بدون أحساس بالدوار؟ كيف يتسلل أسافل القوم إلى أعلاها مثل سرطانات الكولونات التي تعشش في الرئة والدماغ؟ كيف تصبح مقدرات الأمة في يد أناس لايرقبون فيها إلا ولاذمة؟ إنها قصة مكررة في كل الأمم، ولذا يجب أن نكررها ونحفظها ونعلمها أولادنا وأحفادنا من بعدنا فلا يقع لهم ماوقع لبيزنطة يوما.

ففي القرن التاسع الميلادي اعتلى عرش (بيزنطة) القيصر (ميشيل الثالث) بعد أن أطيح بحكم أمه (ثيودودرا) من خلال مؤامرة حاكها عم الملك المدعو (بارداس).

وكان الأخير مثقفاً ذكياً يحسن التصرف في أمور المملكة ورئيس الجيش نفيت (ثيودورا) إلى دير تقضي بقية عمرها فيه وقتل (ثيوكتيستوس) الرجل الذي أحبت.

وهكذا خلا الجو للملك الجديد. ولكن ميشيل الثالث كان قد تعلق قلبه بصديق له جمعت به الصدف على غير موعد فقبل سنتين من اعتلائه العرش كان في زيارة لاسطبل الخيل في القصر الملكي فأعجبه حصان رشيق غير مروض فلما اقترب منه هاج هيجاناً عظيما واندفع في وجه ولي العهد وكاد أن يطأه بحافره لولا شاب مفتول العضلات قوي القلب تصدى له فأنقذ حياته وهدأ جموح الدابة.

شكره ولي العهد وأمر من فوره بترقيته من خادم عادي في الاسطبل إلى رئيس عام في حظائر خيل القصر الملكي. ولشدة إعجابه بهذا الفتى الوسيم سأله من أين أنت؟ قال جئت من مكدونيا عبدا لمولاي.

أطلقه الأمير وشرع في تثقيفه فأمر بإرساله إلى مدرسة القصر الملكي لتهذيبه. وسرعان ما أثبت صاحبنا (باسيليوس) جدارة في تلقي العلوم والتمع في القصر بروحه المرحة وسرعة البديهة وحسن الجواب.

زاد تعلق الأمير به حتى أصبحا لا يفترقان في الليل والنهار فأصبح نديمه في شرابه وخليله في ترحاله وموضع أسراره حتى كان ذلك اليوم الذي اعتلى ميشيل العرش وتسمى بميشيل الثالث وبدأ يبحث عن مستشار خاص له في تدبير أمور المملكة وكانت بيزنطة لؤلؤة الشرق تلك الأيام.

كانت الآراء كلها تشير إلى الرجل الحصيف المحنك المسن بارداس عم القيصر. والذي حدث أن الوصوليين والمتملقين والانتهازيين وكل عديم الخلق بدأ يتهافت على الشاب مثل الفراش على النار كلهم يحلم بالزلفى من العرش وكسب الامتيازات. فكر ميشيل من يصلح لهذا الأمر فغلبته العاطفة فلم يقرب عمه بل رغب في صديقه باسيليوس الذي كان يتقن تسريج الخيل أكثر من إدارة شؤون المملكة أو معرفة خفايا السياسة.

وهكذا وفي ليلة واحدة أصبح سائس الخيل واحداً من أشد المقربين من السلطان وأكثرهم حظوة وامتيازاً وسطوة. وكانت هناك مشكلة مع باسيليوس فلم يكن يعرف الشبع من المال فأغدق عليه الملك المال بالقناطير المقنطرة من خزائن الدولة حتى جاء اليوم الذي قال له أيها الملك أدام الله عزك هذا عمك بارداس يحيك المؤامرة للإطاحة بك فمن أتقنها مرة لم تعجزه ثانية قال له ويلك أوضح لي كيف ذلك؟ فبدأ باسيليوس يروي له من أخبار الكذب مترعة ما غير قلب الملك على عمه.

وفي النهاية قال له وماذا أفعل؟ قال وهل جزاء الخيانة إلا القتل؟ قال له ومن سينفذ ذلك؟ قال الأمر إليك يا مولاي نحن طوع أمرك ورهن إشارتك. إن أمرتنا قتلنا والأمر إليك فانظر ماذا تأمر؟ قال حسناً اقتلوه.

ذهب باسيليوس في يوم الزحمة من سباق الخيل فطعنه بخنجر على حين غفلة فقتله. وبعد قليل طلب باسيليوس من الملك ميشيل ترقيته إلى رئيس القوات المسلحة الملكية بعد أن أدى الأمانة وأنقذ العرش. أحسن إليه الملك ورفعه ثم زوجه أجمل بنات القصر (أويدوكسيا انجرينا) وزاد من عطائه إلى ثلاثة أضعاف ثم دارت الأيام دورتها حتى جاء ذلك اليوم الذي وقع الملك في ضائقة مالية بسبب البذخ وطلب من صديقه القديم الخادم المكدوني وسائس الخيل أن يرد له شيئا من المال الذي أعطاه.

نظر إليه باسيليوس بتخابث ورفض إعطاءه المال وكان أثناء هذا قد أصبح رئيس الجيش وبنى علاقات مع القوات المسلحة ورجال القصر والمجلس الاستشاري وها قد أصبح أغنى وأقوى من نفس القيصر.

بدأ ميشيل يصحو على حقيقة مرة أن من صنعه بيديه أصبح قابضاً على مصيره ولكن هذا الشعور واجه ساعة الحقيقية بعد أسبوعين عندما اقتحم رجال الحرس الامبراطوري القصر الملكي وأحاطوا بالملك المذعور.

سأل صديقه باسيليوس التفسير وكان مشرفاً على العملية أجابه ببرود وهل أتيت لأشرب القهوة عندك؟ ثم التفت إلى الجنود وقال لهم قوموا بواجبكم يا شباب فطعنوه بالحراب ثم احتزوا رأسه فوضعوه على رأس رمح ثم طافوا به شوارع بيزنطة وهم يهتفون تم التخلص من القيصر العابث.

ينقل عن فولتير أنه كان يقول ليحفظني الرب من أصدقائي وأما الأعداء فأنا أتولى أمرهم.

https://anbaaexpress.ma/myj4z

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى