تتوجه أنظار القوى العالمية وفي مقدمتها أمريكا والصين وروسيا نحو القارة السمراء التي تمثل أهمية إستراتيجية عالمية.
ويحدث ذلك بعد إنتهاء الحرب الباردة والتي شهدت صراع ابان “الاتحاد السوفييتي” الذي دعم حركات التحرر في إفريقيا حتي في نهاية التسعينيات من القرن الماضي بالاضافة الى الصراع الايدلوجي بين الرأسمالية والماركسية، وكذلك الحال بالنسبة للصين التي لعبت دور في إفريقيا ودعمت حركات التحرر وجاء الانسحاب الامريكي من افغانستان وماتلها من توجه لمحاربة الارهاب الذي انتشر في عدة مناطق من العالم ومنها افريقيا..
وأخيرا الوضع في أوروبا بعد الحرب الأوكرانية الروسية، التي تهدد أوروبا وايضا مصير الإتحاد الأوروبي في حال إستمرار الحرب الاوكرانية الروسية!
لذلك يزداد التسابق والصراع على القارة السمراء بل يعود من جديد ويمكن وصفه بالحرب الباردة الجديدة وبقوة وإستراتيجيات جديدة تستدعي من أطراف الصراع إيجاد رؤى لتحقيق مصالحها بما يتوافق مع التغييرات والمعطيات في القارة الافريقية والتطورات التكنولوجية والتقنية التي يشهدها العالم!
فقد رجعت الولايات المتحدة الأمريكية من دول شرقي آسيا الى افريقيا التي سبقتها اليها الصين منذ التسعينيات القرن الماضي من خلال إستثمارات بمزايا وإغراءات،لم تقدمها أمريكا أو الدول الغربية.
المحور الصيني الروسي ضد أمريكا والغرب
لا بديل عن التحالف الصيني الروسي في ظل الاستقطاب والصراع بين التحالف الغربي وروسيا والصين مما يحتم عليهما توسيع نفوذهما في العالم فكان انشاء مجموعة بريكس، التي تعول على أهمية القارة الافريقية والامكانيات التي تمتلكها إقتصاديا وبشريا وجيوسياسيا، وإن من شأن انضمام الدول الافريقية هو دعم لهذا التكتل.
والذي يضم الهند والبرازيل وجنوب إفريقيا وإلتحقت العديد من الدول في مختلف القارات ولازال يشهد رغبة في انضمام المزيد من دول العالم.
ونعتقد بأن ظهور قوى إقتصادية وعسكرية طموحه كالهند والبرازيل وتركيا وايران،سوف يعطي التنافس أبعاد متعددة وتحالفات جديدة، ويجعل امريكا وروسيا والصين تحاول إستمالتها في هذه المواجهة الصعبة.
وقد أطلقت إدارة الرئيس “جون بايدن” إستراتيجية جديدة لاعادة الاهتمام بالقارة الافريقية، بعدما شهدت العلاقات الامريكية نوع من الركود في عهد إدارة الرئيس السابق “دونالد ترامب” وتداعيات جائحة “الكورونا”.
مما جعل الصين وروسيا تستفيد منها، في تعزيز التعاون مع إفريقيا، التوجه الأمريكي يحمل مقاربة بين دعم مايسمي بالديمقراطية والتنمية بعد فشل سياسة محاربة الإرهاب كما يراه بعض المحللون والمراقبون.
ونعتقد بأن الدول الأفريقية ترى بأن السياسات الأمريكية لم تحقق شيء لا اقتصاديا ولا سياسيا منذ إستقلالها وحتى بعد انتهاء الحرب الباردة بل توجهات أمريكا لادارة صراعات عسكرية واقتصادية في الشرق الاوسط واسيا.
إفريقيا ورؤيتها لمصالحها
تدرك الدول الأفريقية أهميتها ومكانتها في العالم من حيث التعداد البشري والامكانيات والموارد الطبيعية والموقع الإستراتيجي.
وقد خاضت تجارب إبان مرحلة الاستعمار الأوربي الغربي، وتدعي إفريقيا بأنها المورد الاساسي للا قتصاد العالمي وبأن ثرواتها تستغل لتذهب للولايات المتحدة واوروبا وشعوبها تتفرج وتعاني المجاعات والفقر والمرض.
ولم تشهد إستقرارا سياسيا إبان الاستعمار بل ما بعد مايسمي الاستقلال، ولم تتحقق الديمقراطية التي يروج لها بل فهمت الشعوب الأفريقية بأن السياسات الغربية هي الداعم الرئيسي للدكتاتوريات في بلدانهم!
لذلك تعمل الدول الأفريقية على ايجاد إستراتيجية تحمل طموحاتهم ومصالحها في ظل التكتلات الدولية،وجاء تأسيس الاتحاد الافريقي في 9-9-1999 كأهم إنجاز تاريخي من أجل بناء كيانها المستقل من بناء مؤسساته وهياكله.
على الرغم من الصعوبات والعراقيل التي تعانيها الدول سياسيا واقتصاديا داخليا وخارجيا..
وقد إستطاع الإتحاد الإفريقي أن يحتل مكانة إقليمية ودولية وساهم في حل أزمات سياسية داخل القارة وخارجها دون أي تدخل اجنبي، وعمل على نشر الديمقراطية والمحافظة عليها ورفض الانقلابات وماينتج عنها من أزمات و صراعات داخلية.
إذا كان لقيام الإتحاد الإفريقي دور مهما في توحيد توجهات الدول واستقلال قرارها، من أجل البحث عن مصالحها وتبلورت أفكار لدول الافريقية للتعامل مع الدول الكبرى وخاصة انها تحمل تجارب تاريخية معها في ظل المتغييرات التي يشهدها العالم، والنظرة الدولية لأهمية القارةوظهور دولة قوية اقتصادية وعسكرية كجنوب افريقيا – كينيا – المغرب – مصر – اثيوبيا – الجزائر – أنغولا -زامبيا الخ!. ومساهمتها في عدة تجمعات ومنظمات دولية وإمتلاكها لمكانة دولية.
وهذا يجعل أمريكا أو الصين أو روسيا تفكر في التعامل مع إفريقيا وخاصة أمريكا وفرنسا وبريطانيا التي تواجه اختبار صعب من أجل تغيير سياساتهم السابقة تجاه القارة الواعدة في حلاتها الجديدة وأيضا في مواجهة خيارات الصين وروسيا والهند والبرازيل.
وقد شهدت فرنسا تراجع في مستعمراتها السابقة سياسيا واقتصاديا بسبب فشلها الذريع في التعامل بنظرة التعالي والإستغلال لموارد الدول بسبب تشجيعها على الدكتاتوريات التي لا تهتم بتنمية الشعوب !
وهذا ماحدث في مالي – بوركينا فاسو – إفريقيا الوسطي ولربما تلتحق دول أخرى ويحدث ذلك في إطار الصراع مع روسيا الاتحادية والصين..
ويري الصحفي “نبيل شوفان” بأن القارة الإفريقية هي مستقبل العالم بكل ما للكلمة من معنى وبكل ماتحتويه من طاقات بشرية هائلة وشابة يمكنها المشاركة في بناء وإزدهار الحضارة الانسانية.
وكذلك بما تحتويه من مناخ جيد وأراضي زراعية خصبة صالحة للزراعة وثروات طبيعية، وتمتلك موقع يتوسط العالمين الشرقي والغربي وتمتلك العديد من الممرات المائية والمضائق مما أعطاها أهمية “جيوبوليتيكية كبيرة”
ويعتقد بأن العالم يشهد عدة تحولات في الصراع حول إفريقيا، وربما ستبقى إفريقيا خلال 50 سنة، ساحة مفتوحة على الاستقطاب الدولي مع دخول الصين بقوة في مشاريع تنموية، أجمع الباحثون على فعاليتها مشاريعها التي وجدت قبول، ولأنها لا تمتلك ماضي إستعماري في القارة.
ويضيف “شوفان” بأن روسيا لاتمتلك ما تساعد به القارة سوى المليشيات التي لن تستطيع تحقيق مالم يحققه الجيش الفرنسي في مالي على سبيل الذكر فضلا على أن روسيا دولة بعيدة جدا عن إفريقيا ولا مصالح استراتيجية دائمة لها في إفريقيا بل مصالح تتعلق بحلم “بوتين” لاستعادة أمجاد الإتحاد السوفييتي!.
فيما يرى بعض المحلليين بأن روسيا حققت نجاحات مهمة سياسيا واقتصاديا في بعض الدول الافريقية، والدليل التراجع الفرنسي في دول إفريقية وسياسيا من خلال القمة الإفريقية الروسية في سوتشي 2019 و القمة الثانية في سان بطرسبورغ، يوليو 2023 في ظل الأزمة الاوكرانية وكذلك حجم الحضور الرسمي والمنظمات المجتمعية.
والأهم النتائج التي خرجت بها القمة هو توريد الحبوب للدول الفقيرة مجانا والمساعدات الإنسانية وأفشلت محاولات الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي ثني الرؤساء الأفارقة عن المشاركة مما يؤكد موقف الدول الإفريقية المؤيد للروسيا.
ويرى الصحفي فهيم الصوراني، القارة الافريقية أمام التراجع الغربي العام في العالم وظهور مشاكل غير مسبوقة في أوروبا تتعلق بالطاقة. فالعقلية الإستعمارية بدأت تستنفذ خيرات الشعوب الإفريقية وأبقتها بدون ثرواتها التي كانت تتمتع بها.
وعلى ضوء التغييرات الحاصلة في العالم، أعتقد بأن سيكون هناك دخول غير مسبوق صيني – روسي للقارة الإفريقية وهذا بدأ منذ زمن طويل وأعتقد بأن ماحصل في ليبيا كان لمنع الراحل القذافي الذي كان يشكل بوابة للدخول الصيني بشكل أساسي للقارة الإفريقية..
أظن بأن مرحلة كبيرة ولكن سوف تأخذ وقت طويل باعتبار أن هذه الدول الإفريقية مازالت فيها الدولة العميقة قائمة، ولا أظن خروج الدول الإستعمارية كفرنسا وبريطانيا وأمريكا سوف يكون سهل لأنها متشابكة بقوة مع الحكومات في تلك الدول، وبالمقابل ليس لروسيا والصين هذه الإمكانيات في التغلغل الإجتماعي أو الإقتصادي أو الثقافي والسياسي في إفريقيا، وبالتالي العملية تحتاج لوقت ولن تكون النتائج سريعة.
أما الباحث “عبدالخالق الفلاح”، يرى بأن الكثير من الدول تسعى إلى توسيع حضورها الإقتصادي في الأسواق الأفريقية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الامريكية التي لا حدود لأطماعها ولا تمنعها المسافات، وحدودها تنتهي بحدود مصالحها.
أما فرنسا فاستعمارها مستمر ولا تزال تتعامل مع مايعرف بمستعمراتها السابقة حتى أن لديها وزارة تسمي “وزراة المستعمرات القديمة” وتتعامل مع إفريقيا إلى حدود اليوم على أنها مجالها الحيوي ومستعدة في أي لحظة للتدخل بالقوة العسكرية لإسقاط الأنظمة وتنصيب أخرى موالية لها.
و قد اتفقت الآراء حول أهمية القارة الافريقية وإمكانياتها التي تجعل منها مطمح للدول الكبرى.
وقد أشار الصحفي “محمد جمعة” من إذاعة سبوتنيك حول أهمية القارة الافريقية للدول الكبرى، “بأن إفريقيا تمتلك ثلث ثروات العالم المعدنية، مما يجعلها ساحة للتنافس الدولي، فروسيا لها علاقة قديمة ومتينة، فقد قدمت الكثير من الدعم لحركات التحرر خلال القرن الماضي”.
وحول الصعوبات التي تواجهها أمريكا وفرنسا في إفريقيا؟
يرى الصحفي في وكالة سبوتنيك محمد جمعة “إفريقيا مستفيدة من صراع النفوذ بين الدول الكبرى، والصراع حول إفريقيا قائم منذ فترة بعيدة وسيد الموقف في إفريقيا الآن هي الصين، التي عرفت كيف تملئ الفراغات ولاسيما من خلال تقديم المشاريع الاستثمارية الضخمة في مختلف المجالات في الوقت الذي تخفض فيه أوروبا تمويلها للقارة الافريقية”.
تجمع الآراء والأبحاث الى أن القوى الكبرى وبطبيعة الأحداث التي شهدها العالم من صراعات وحروب ساخنة وباردة، لن يصل لتوافق عادل يضمن مصالح كل طرف.
ولعل إختلاف الاستراتيجيات والمصالح الكبرى ليست هي التي هي المسيطرة والتي تعتمد على خلق الأزمات والصراعات من أجل تحقيق مصالحها.
كما أن الثقة بين الدول الكبرى أصبحت معدودة بعدما ضربت بالاتفاقيات والمعاهدات الدولية عرض الحائط وإختل التوازن، في أولى اختبار بعد انتهاء الحرب الباردة، سارعت الولايات المتحدة لتوسيع حلف الناتو على حساب روسيا والصين بل وضعتهما كعدوين لها والخطر الاول على مصالحها.
ولعل مايحدث في أوكرانيا مايؤكد ذلك هذا مايجعل روسيا والصين والقوة الناشئة تبحث عن مصالحها لمواجهة هذا الانفراد بالعالم.
وسوف تكون القارة السمراء ساحة للتنافس واقامة تحالفات وتوازنات جديدة !!