تقاريرثقافة

الجمعية الجغرافية المصرية.. مائة عام من التاريخ “آيل للسقوط”

يقول جمال حمدان “لاثقافة بدون جغرافيا.. لاسياسة بدون جغرافيا.. لاتاريخ بدون جغرافيا.. لاعمران بدون جغرافيا.. لا اقتصاد بدون جغرافيا”.

فإذا كانت الجغرافيا هى ظل الأرض على الزمان هى قارئة شخصية الأقاليم والمدن، راسمة حدودها وملامحها، وواضعة الحلول لمشكلاتها، وهي الناطقة بما يحتويه بواطن الأرض من كنوز، فمع كل هذه الفعاليات الجغرافية تولدت الحاجة لإنشاء الجمعيات الجغرافية التى ساهمت كثيرا فى الكشوف الجغرافية فى القرن التاسع عشر، فمن باريس كانت الفكرة حيث أنشئت أول جمعية جغرافية فى التاريخ عام 1821 وكانت الأولى من نوعها، ومن داخل مقرها تم اتخاذ قرار بإنشاء “قناة بنما”.

ثم بعد ذلك توالى إنشاء الجمعيات الجغرافية فى العالم منها الجمعية الجغرافية الملكية بلندن، وألمانيا، والمكسيك، وفرانكفورت وغيرهم.

أما فى عالمنا العربي ففى عام 1875 أصدر الخديوي إسماعيل خديوي مصر مرسوما بإنشاء الجمعية الخديوية المصرية الذى تغيراسمها بعد ذلك لتصبح الجمعية الجغرافية المصرية، لتكون بذلك تاسع أقدم جمعية جغرافية خارج أوروبا وأمريكا الشمالية من حيث التاريخ.

ففى مبنى آثري عتيق تقع الجمعية الجغرافية خلف الأسوار الحديدية لمجلسى الشعب والشيوخ مما حجبها عن أعين الزوار من الجمهور بالإضافة إلى الإجراءات الأمنية المشددة لأي زائر للجمعية نظرا لحساسية الموقع فأصبح يطلق عليها وبحق “المتحف المنسي” مبنى الجمعية يضم متحفها الإثنوجرافي الذى يرسم بقاعاته المختلفة بانوراما تسجل التاريخ والتراث الشعبى للشعب المصرى وبلاد أعالى النيل.

قاعة القاهرة

فهناك فى قاعة القاهرة قاعة “العادات والتقاليد” نجد أدوات الزينة، والحلى للمرأة المصرية، كما نجد أواني الطهي، أدوات السحر، والحي البلدي وتتوسط هذه القاعة أهم المقتنيات ممثلة فى المحمل النبوي الشريف وهو من عصر الملك فؤاد الأول وكانت مصر ترسله للحجاز مع أستار الكعبة الشريفة مصنوع من الحرير الثقيل.

كما يوجد بها التختروان قطعة فنية نادرة من النوع المستعمل فى القرنين السابع عشر والثامن عشر، مصنوع من الخشب النادر المطعم بالعاج والصدف، فى أشكال هندسية وإسلامية غاية فى الروعة، فيه كانت تزف العروس حسب التقاليد الشرقية، حمام العروسة، الأزياء الشرقية قبل 1952 صورالأمشجي، بائع حب العزيز الشادوف، ذلك بالإضافة الى مقتنيات دول حوض النيل من تماسيح وسن الفيل وغيرها.

قاعة الحرف والصناعات

أما في قاعة الحرف والصناعات فتشمل مجموعة من إنتاج الحرف والصناعات المصرية الأصيلة مثل الخط العربي صناعة النحاس، والصناعات الحديدية الزجاج ،والمكوجي ، وعصارة القصب، وأدوات البناء.

قاعة أفريقيا

أما فى قاعة أفريقيا فتضم كافة المقتنيات التى أهداها إلى الجمعية “مختار باشا” رئيس هيئة أركان الجيش المصري وعدد من الرحالة الذين شاركوا فى أنشطة الجمعية، وتشتمل مجموعة كبيرة من الحراب، السيوف الخناجر ،الدروع أدوات الموسيقى.

قاعة قناة السويس

فى عام 1930 أهدت شركة قناة السويس محتويات هذه القاعة إلى الجمعية تحتوى على عدد كبير من الوثائق والصور، والخرائط والمجسمات، التى تلخص تاريخ القناة منذ بدء حفرها فى عام 185، وتضم تمثال للمهندس “ديليسيبس” مصمم القناة، وصورة زيتية بالحجم الطبيعى للخديو إسماعيل فى فترة افتتاح القناة كما يوجد بها مجسم حفل افتتاح القناة ،ويشمل مقدمة السفينة الإمبراطورية “النسر” وعليها “أوجيني” إمبراطورة فرنسا وبجانبها المهندس “ديليسبس” يشرح لها مراحل حفر القناة.

أما فى المكتبة الأوتوجرافية يوجد آلاف الخرائط، والأطالس النادرة، التى لا مثيل لها فى العالم وتضمها الجمعية، ومع ذلك وبالرغم من الأهمية العلمية والتاريخية للجمعية فمازال ما سجلته الجمعية فى إصداراتها، من نتائج لكشف القارة الإفريقية، يمثل مصدر لكل الباحثين عن الحقائق الجغرافية والتاريخية بالقارة الإفريقية ومصر.

كما سجلت مجلة الجمعية بحوثا وتقارير مطولة حررها رحالة مصريون ومسلمون إلى آسيا، بصفة خاصة بلاد الحجاز فى مكة، والمدينةالمنورة، فالجمعية موئلا للجغرافيين وغيرهم من المصريين والعرب، وكافة أنحاء العالم، الجميع يقصدونها للإستفادة من مكتبتها.

يضاف إلى هذه الأهمية التاريخية للجمعية فبحلول 2025 سيكون مر مائة عام على أول كونغرس للإتحاد الجغرافي الدولي، عقد خارج أوروبا، وأمريكا الشمالية حيث تم عقده فى مصر وحضره الملك فؤاد عام 1925 ميلادية بهذه المناسبة سوف تستضيف الجمعية الجغرافية المصرية هذا المؤتمر فى فبراير 2025 القادم.

وبالرغم من ذلك الحدث ومع اقتراب موعد المؤتمر فالجمعية تعاني العديد من المشكلات فالشروخ والتصدعات والمياه الجوفية، عدم وجود كاميرات، نقص المراوح، كلها مشكلات تؤرق المسئوليين بالجمعية وتهدد الآلاف من المقتنيات الآثرية بالتلف والسرقة.

التصدعات والشروخ والمياة الجوفية تهدد كنوز الجمعية بالضياع

قال الدكتور محمد زكي السديمى عميد كلية الآداب جامعة طنطا سابقاورئيس الجمعية، الجمعية أنشئت بمرسوم أصدره الخديوي إسماعيل عام 1875 ومنذ ذلك الحين لم يتم عمل أي ترميمات فى المبنى، وللأسف زلزال 1990 ميلادية تسبب فى تصدعات كثيرة فى أماكن يصعب أن تتكرر فى مصر مثل القاعة الملكية التى كانت تحتوى على إثنى عشرة عامود من الزهر منقوش عليها العلم المصري القديم، مصنوع فى فرنسا ونقوش إسلامية بها تصدعات، وشروخ وتحتاج للترميم.

وتابع ذات المتحدث “كما كانت تضم تماثيل لأسرة محمد علي، فى البهو وللأسف خوفا عليها من السقوط، تم وضعها فى المخازن، كم تضم قاعة الخرائط، والمتاحف كلها أماكن بها تصدعات، وشروخ وتحتاج إلى ترميم عاجل”.

وأضاف “نعاني من المياه الجوفية، التى نخشى أن تؤثر على الكتب فالجمعية بها نفائس من الكتب القديمة والنادرة، التى ترجع إلى فترات الكشوف الجغرافية فى القارة الإفريقية، وفى أعالي النيل بصفة خاص، كما تشتمل هذه الكتب على عدد كبير من الكتب التى صدرت عن جغرافية العالم العربي، والأقطار الإسلامية، وتضم ذخائر من الخرائط، والمصورات القديمة ومن الخرائط القيمة التى نشرتها الجمعية.

تلك الخريطة التى رسمت فى عام 1877 ميلادية بناء على رغبة من الخديوي إسماعيل، وتشتمل على الكشوف الجغرافية الواسعة التى تمت فى عهده، وتبين الطرق التى سلكها المكتشفون، وطبعت هذه الخريطة بمقياس 1:6000000 ومن الخرائط النادرة أيضا التى تقتنيها الجمعية نسخ من هيئة أركان حرب الجيش المصرى، مثل خريطة دار فؤاد التى رسمها بوردى باشا، وخريطة كبيرة رسمها محمود باشا الفلكي، وخريطة جوردون باشا، التى رسمها للنيل، بالإضافة إلى أطلس الأمير “يوسف كمال”، تحت عنوان “Monumenta cartographica Africae et Egypti”.

واختتم المتحدث “ويضم خرائط نادرة لقارة أفريقيا وغيرها من بلاد العالم، وكذلك أطلس الأمير”عمر طوسون” وأطلس الحملة الفرنسية هذا بالإضافة إلى خريطة جغرافية لجون بول صاحب مشروع منخفض القطارة وصاحب أقدم كتاب درس مصر هذه الخريطة أعيد طباعتها عام 1930 وتظهر بها حدود مصر مع خط 22 ما يؤكد أن حلايب وشلاتين مصرية مائة بالمائة، بهذا المستند، يضاف إلى ذلك مئات الأطاليس المحلية والعربية والعالمية”.

كل هذه الكنوز مهددة بالضياع والتلف بسبب تصدع المبنى والمياة الجوفية.

الأوقاف المصرية تستحوذ على 18 مليون جنيه مستحقات للجمعية

وأضاف الدكتور: إسماعيل يوسف إسماعيل–أمين عام الجمعية–الجمعية نافذة مصر على العالم منها خرجت كل الخرائط لمحكمة العدل الدولية لحل مشكلة طابا، الجمعية تضم 14,500خريطة نسخ أصلية منها نسخة وصف مصر، ومقتنيات آثرية نادرة، ومع ذلك تفتقر لنظام أمن يحميها من السرقة حيث لايوجد كاميرات بالمبنى، ويوجد نقص فى المراوح.

وأضاف “الجمعية لديها موارد حيث وهبت أسرة محمد على 600 فدان وقف للجمعية، المفروض هذا الوقف يدر دخل سنوى للجمعية حوالى 4 ملايين جنيه، لم نستطيع الحصول عليها من الأوقاف، رغم حصولنا على حكم قضائي نهائي بمبلغ 18 مليون جنيه متأخرات على الأوقاف للجمعية، وناشدنا أكثر من مرة الأوقاف لإسترداد هذه المبالغ لا مجيب.

وإختتم “كما نناشد وزارة التعليم العالى وأكاديمية البحث العلمى ووزارة الثقافة أن تولى الجمعية مزيد من الإهتمام”.

https://anbaaexpress.ma/y0gqj

جيهان خليفة

كاتبة وباحثة وصحافية مصرية.

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى