آراءثقافة

سلطانة الحب.. إعتماد الرميكية

ليس مثل بصمات المرأة أثرا في حياة رجل، وليس من حب عاصف مثل حب امرأة لرجل، وليس من مباركة للطبيعة على نبل هذه العلاقة مثل الذرية الصالحة، فمن بين لحظات الحب يحدث التلقيح في أمتع لحظة، وأكثرها نبلا وقدسية فيتكون الخلق بين كل الخلائق. وينطبق هذا على الحشرات والثدييات وانتهاء بالإنسان.

ومن بين هذا اللغز البيولوجي يتدفق نبع سلسبيل للحب ليس له حدود، وأعظم النساء من شاركت زوجها لحظات الحب والمتعة، ثم لحظات البؤس والشدة. وحين زرت أغمات قريبا من مراكش رأيت قبر اعتماد الرميكية سلطانة الحب، بجنب قبر زوجها ملك أشبيلية المعتمد بن عباد. فمن هي هذه المرأة الرائعة؟

حين يمر الزوار يقرؤون أبياتا من الشعر في صمت احتراما وإجلالا لعظمة الرجل (القائد والشاعر)، ويستحضرون ما عاش فيه من عز وما عاناه من محن، وينسى الكثير منهم ( اعتماد ) ملهمته في أيام عزه، ورفيقة دربه في الشدائد والمحن.

ولم يخطر ببال رميك بن حجاج الأندلسي ـ أحد تجار اشبيلية ـ وهو يتولى تعليم جاريته اعتماد التي برعت في الأدب وأضحت تنظم الشعر،أنها ستصبح ملكة اشبيلية الأثيرة؛ فقد استطاعت أن تنال إعجاب المعتمد بذكائها وجمالها، ففضّلها على زوجاته ومحظياتة.؟ ففي يوم كان المعتمد يتنزه مع وزيره ابن عمار، على ضفاف نهر، فأخذ بمنظر الماء المتموج فقال في لحظة أنس؛ حاكت الريح من الماء زرد ؟ وطلب من ابن عمار ـ وهو شاعر ـ أن يجيزه، فتوقف ابن عمار قليلا، وكان على شاطئ النهر جواري (من بينهن اعتماد) يملأن الماء في جرار فقالت إحداهن: أي درع لقتال لو جمد !!أعجب المعتمد بذكاء اعتماد وجمالها، فاشتراها من سيدها وأعتقها ثم تزوجها، وأغدق عليها من جواهر ونفائس ونعيم.

وكانت اعتماد لسمو مكانتها وتمكن نفوذها يطلق عليها ( السيدة الكبرى)، وكانت تسرف في دلالها على المعتمد، من ذلك أنها طلبت منه أن يريها الثلج، فزرع لها أشجار اللوز على جبل قرطبة حتى إذا نور زهره بدت الأشجار وكأنها محملة بالثلج الأبيض. ومن أخبارها أيضا القصة المعروفة في قوله (ولا يوم الطين(، وذلك أنها رأت الناس يمشون في الطين فاشتهت المشي في الطين، فأمر المعتمد، فسحقت أشياء من الطين، وذرت في ساحة القصر حتى عمته، ثم نصبت القرابيل وصب فيها ماء الورد على أخلاط الطيب، وعجنت بالأيدي حتى كانت كالطين فخاضتها مع جواريها.

وتنقل كتب الأدب أنه “ليس الدلال والإسراف في المطالب خصلتين ملازمتين لاعتماد الشاعرة والأديبة، فكثيرا ما أتت المعتمد وهي تمشي على استحياء يسمو بسمو جمل الاعتذار المستحضرة لندى الرجل؛ فقد غاضب المعتمد الشاعرة في بعض الأيام، فأقسمت أنها لم تر منه خيرا قط! فقال: ولا يوم الطين؟ فاستحيت واعتذرت، ولعل المعتمد أشار في أبياته الرائية إلى هذه القصيدة حيث قال:
يطأن في الطين والأقدام حافيــة كأنها لم تطأ مسكا وكافورا.

ويترجم سمو اعتماد وشموخها وفاؤها للمعتمد وتحملها للشدائد التي مر منها، فمن نعيم الأندلس سيق ملك اشبيلية إلى ضيق ذات اليد وذل الحاجة بسجن أغمات، فلم يكن له من مؤنس سوى أولاده وأمهم التي ظلت تؤنس وحدته وتلهم قريحته بسؤالها حينا ومواساتها أحيان أخرى.

فقد قالت له وهما بأغمات يا سيدي لم قدمنا هنا؟
فقال: قالت لنا هنا هنــــــا مولاي أين جاهنا؟
قلت لها إلى هـــــــــنا صيرنا إلا هنـــــــا
إن قراءة التاريخ ملهمة أليس كذلك؟ مع هذا يجب أن لا نسقط أفكارنا وإنجازات التاريخ على واقعهم فهكذا عاشوا وماتوا..

https://anbaaexpress.ma/vj1ip

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى