شكلت العلاقات الأفريقية الروسية إبان حقبة الإتحاد السوفييتي تاريخ عريق وحافل، من خلال دعم حركات التحرر في الستينات والسبعينات في ظل الحرب الباردة، والذي رسخ قيم النضال لمواجهة الإمبريالية والإستعمار في الكثير من الدول الأفريقية.
وقد تأثرت تلك العلاقات على جميع الأصعدة بسبب إنهيار الإتحاد السوفييتي وحل محله روسيا الإتحادية، إلا أن السياسة الروسية أعادت توجه إهتمامها بهذه القارة الواعدة.
الرؤية الروسية لإفريقيا
أولت روسيا إهتماما متزايد بالقارة الأفريقية في ظل التنافس الدولي الأمريكي- الصيني – الفرنسي، وتمثل ذلك في مساندة المواقف الأفريقية في المحافل الدولية، واقتصاديا من خلال إستثمارات وتقديم الدعم في مجالات التعليم والتدريب، وكذلك في مجال التعاون العسكري.
تحاول روسيا الإتحادية ايجاد تحالفات وشراكات مع الدول الأفريقية، وهو يتطلب رؤية شاملة من خلال أولويات في التعامل، بعكس تعاملات الدول الغربية التي كانت تستعمر الدول الأفريقية.
وتنتهج سياسية إحتكارية، بمايعرف بإزدواج المعايير والنظرة الدونية، وإستغلال خيرات الدول بالقوة وأهمها الانقلابات التي تؤدي لعدم الإستقرار، مما أعطى صورة تقليدية ترفضها الشعوب الأفريقية، وقد بدأت فرنسا في خسارة مستعمراتها السابق في مالي وإفريقيا الوسطي وبوركينا فاسو.
وقد إعتمدت السياسة الروسية على عدم التدخل في شؤون الدول الداخلية، والتي تستغلها الدول الغربية للتدخل.
آفاق التعاون الروسي الأفريقي
تستند السياسة الروسية على التعاون الإقتصادي من خلال التبادل على أساس المصالح المشتركة.
في هذا السياق ألغت روسيا عام 2009 حوالي 80 % من ديونها لدي أفريقيا والتي تقدر ب25 مليار.
عقدت القمة الروسية الأفريقية في يومي 23-24 اكتوبر 2019 في مدينة سوتشي لأول مرة في تاريخ العلاقات الروسية الإفريقية بحضور “54” ممثل ومنهم “45” رؤساء دول، وعدد من المنظمات الإقليمية ورجال أعمال وشركات أجنبية.
وقد خرجت القمة الأولى بإعلان ختامي، أكد على الشراكة الروسية الافريقية و على مواصلة التعاون في المجالات السياسية، والذي يمثل منطلق للمجالات الإقتصادية والثقافية والأمنية والعلمية.
والانعقاد كل ثلاث سنوات والتعاون مع الإتحاد الأفريقي، بلغ حجم التبادل التجاري عام 2018 بـ20 مليار دولار.
وقد أقامت روسيا الإتحادية شراكات مع تسع دول أفريقيا:
مصر – الجزائر – المغرب – جنوب أفريقيا – زامبيا – غينيا – موزمبيق – دول جنوب الصحراء..، وتركزت هذه الشراكة على عديد من المجالات من بينها الطاقة النووية والنفط والغاز والتسليح والفوسفات واليورانيوم .
المتغييرات والصراع الدولي
جاءت الحرب الروسية الأوكرانية كمتغير جديد في إطار الصراع الدولي بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الإتحادية والصين، حيث فرضت الدول الغربية عقوبات على روسيا في مختلف المجالات، وهذا ماجعل روسيا الإتحادية تسعى لمواجهة هذه العقوبات من خلال البحث عن بدائل، حيث إشتد التنافس على القارة الأفريقية، روسيا الإتحادية تعمل على التخلص من “الدولار” والتعامل بعملتها “الروبل”.
وتقديم تسهيلات في المعاملات التجارية للدول الأفريقية، وعدم التشدد في الشؤون السياسية كما ذكرنا آنفا، في المقابل وجدت الكثير من الدول الأفريقية في التعاون مع روسيا الإتحادية، تناغم مع توجهاتها والبحث عن قطب جديد في ظل الصراع الدولي.
القمة الروسية الأفريقية الثانية
تستضيف مدينة سان بطرسبورغ النسخة الثانية للقمة الروسية الأفريقية في 27-28 يوليو 2023، وينعقد هذا الحدث الأكبر والذي يشارك فيه العديد من الدول “في ظل تأزم الوضع الدولي وإشتداد الصراع في أوكرانيا، وتنافس دولي على النفوذ وبروز تكتلات سياسية وإقتصادية ويتوقع أن تغير خارطة العالم.
وتطلع روسيا الإتحادية لهذه القمة من أجل تفعيل الشراكة مع القارة الأفريقية، من خلال تعزيز دورها السياسي في المحافل الدولية حيث يؤكد هذا الحضور الافريقي، بمثابة تأييد للموقف الروسي في الدفاع عن سيادته في مواجهة المحاولات الغربية، لمحاصرتها وتهديد مصالحها من خلال أوكرانيا.
في هذه الحرب الخاسرة، كما نقل أحد المواقع الصحفية عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين: بأنه سوف يضع حقائق جديدة عن صفقة الحبوب، التي قال بأن 32.8 مليون طن أى 70 % من الحبوب تذهب للدول ذات الدخل المرتفع والمتوسط بما في ذلك دول الإتحاد الأوروبي، في أن نصيب بعض الدول الفقيرة كالصومال وإثيوبيا والسودان واليمن وافغانستان كان أقل من 3% أى أقل من مليون طن!.
وقد أراد من ذلك تباين حقيقة التعامل الغربي مع الدول الفقيرة، وأنه لا جدوى من استمرار صفقة الحبوب التي لا تحقق أهدافها الإنسانية وتصل للدول الفقيرة.
أيضا تسعى روسيا الإتحادية إلى دعم التعاون في مجال الزراعة الغذاء من خلال تقديم أحدث التكنولوجيا من أجل تحقيق الأمن الغذائي الذي يمثل أهمية قصوي لإفريقيا، في ظل أزمة الغذاء العالمية وعدة مجالات.
وسوف يشهد المنتدى مشاركة واسعة من مختلف المنظمات ومراكز الأبحاث الدولية، لمناقشة التطورات التكنولوجيا والتحول الرقمي والطاقة والتجارة والتعاون في التعليم بين الجامعات الروسية والجامعات الأفريقية، وتقديم المنح الدراسية للطلاب الأفارقة!.
النتائج المتوقعة من القمة
نعتقد بأن التعاون الروسي الأفريقية سوف يزيد من التنافس الروسي مع الدول الغربية، في ظل التوتر الذي تشهد بعض مناطق القارة التي تشكل ثاني أكبر قارة في العالم، وتمثل أغناها من حيث الثروات والموارد الطبيعية والبشرية.
وتعول روسيا الإتحادية وإفريقيا على ضرورة بروز تكتل جديد لخلق توازن دولي، وقد تحاول روسيا حث الدول الأفريقية للانضمام إلى مجموعة “بريكس”وتعزيز التعاون مع الإتحاد الإفريقي.
وتراهن روسيا الإتحادية على تحقيق أهداف الحملة العسكرية في أوكرانيا لتعزيز دورها على الساحة الدولية، والمراهنة على هذا التعاون مع القارة السمراء !!.
مقال في غاية الروعة والاكتمال اصاب الهدف وسلط الضوء على أبرز العناوين … شكرا لك دكتور ادريس المحترم