آراءأفريقيا

فصل عن.. واقعة المتمَّة في السودان

قراءة عامَّة General reading

كان محمود ود أحمد – وهو من قيادات المهدية – في كرري بينما عبد الله ود سعد وهو أمير الجعليين في أم درمان ، لحق محمود ود أحمد بجيشه الذي بالمتمَّة لصد الحملة والسند الانجليزي الذي سيأتي عن طريق النيل محاذاة ديار الجعليين ، وسبق أن كتب التعايشي لأهل المتمَّة كتاباً يخبرهم فيه بوجوب إخلاء المدينة حتى لا يلاقوا أذى من المعركة المتوقعة مع الانجليز بينما كان عبد الله ود سعد محبوساً في أم درمان بأمر الخليفة التعايشي الأمر الذي لم يقبله أمير الجعليين، وما هو إلَّا قليل حتى سمح له الأمير شيخ الدين عثمان ابن التعايشي بالذهاب لأهله، فلحق بهم وحدَّثهم عن عيبة خروجهم من ديارهم ليستبيحها جيش التعايشي إذ ما زالت غبينة عيبة خروج أو فرار المك نمر من شندي بعد واقعة محرقة إسماعيل بن محمد علي باشا 1822 م في نفسه وأهله باقية لم تبرح مكانها لن تطيب نفسه بتكرارها حتى هلاك آخر رجل منهم ، فقبل الجعليون بعد مشورتهم بعدم الخروج من ديارهم مما سبب لهم مقابلة جيش المهدي بقيادة محمود ود أحمد بدلاً من مقابلة جيش الإنجليز  في 1 / 7 / 1897.

ذكر الأستاذ / نعوم شقير من الفصل السادس صفحة 596 في خبر استرجاع بربر 7 – 1898 م وواقعة المتمة : 1 / 7 / 1897 م ، ما يلي :
[ قتل عبد الله ود سعد ومعه 2.000 ألف نفس بينما كانت خسارة محمود ود أحمد 88 رجلاً و330 جريحاً ، فقتل الجعليين وأخرب المتمَّة وسار بجيشه نحو بربر في 20 / 2 / 1898 م ، ثم خرج من العالياب في 18 / 3 / 1898 م فوصل أتبرة في مكان يدعى ” النخيلة ” وخرج عليه السردار بجيش قوامه 13.000 رجل واخذ شندي في 26 / 3 / 1898 م وفك كثير من الأسرى الجعليين ثم كانت واقعة أتبرة في يوم الجمعة 8 / 4 / 1898 م وأُسِرَ فيها محمود ود أحمد في يد الأورطة العاشرة بقيادة أميرلاي ناسون بك سكرتير ملكي السودان مما اتبر تمهيداً لفتح السودان من جديد ] انتهى .

الجعليون والمهدويون Al-Ja’il and Al-Mahdion

حدثني العم المرحوم / إدريس محمد خير؛ ( 1917 – 2007) رحمه الله رحمة واسعة؛ أخ الوالد إبراهيم العتَّاق ” أبناء خالات “، عن خلاصة نهاية المهدية وليس لي بمصداقية هذه الرواية الشفاهية منه إلَّا النقل والتصديق بما يقول ولو من باب حديث المجالس لا أكثر ولا أقل لكن أدونها للتاريخ ما عساه أن يفيد في بابه إن شاء الله .

قال : حين حضرت الإمام محمد أحمد المهدي؛ الوفاة وصَّى خليفته التعايشي ود تورشين بأهلنا الجعليين فقال : ( إن درتها تخرب بخربوها ليك وإن درتها تعمر بعمروها ليك) .

بصيغة ثانية : ( بوصيك على أهلك الجعليين خير؛ إذا أردت صلاحها – أي الخلافة والسلطة وما أشبه – فهم خير من يعينوك عليها وإن أردت زوالها فهم أوَّل من يزيلونها عنك ).

ثم قال ليثبت صحة بعد نظر المهدي الثاقبة لقبيلة الجعليين :

” اجتمع الجعليون بعد ظهور دعوة المهدي في السودان لينظروا أمرها هل يبايعونه وينصرونه أم يخالفونه ويعادونه ؟ فاجتمعت كلمتهم على أن يبعثوا أحد رجالاتهم وكبرائهم وهو عبد الله ود إبراهيم ليستطلع الأمر؛ ويذهب إلى الإمام المهدي وكان حينذاك في قدير قادماً إلى حلة الشيخ طلحة بالجزيرة أو نحواً من ذاك ؛ فإذا رأى صدق مهديته بايعه وبايع باسم قبيلته وإن كان غير ذلك فعليه بقتله وتخليص الناس منه.

قال : ذهب عبد الله ود إبراهيم لمقابلة المهدي؛ راكباً جمله حاملاً عتاده وعدته ومعه مسدس لحسم قضيته؛ فدخل عليه ووجده في صلاة العصر إماماً للمصلين الأحباب الأنصار فانتظره حتى انتهى من صلاته؛ فحمل عليه بالمسدس ذي الست طلقات وأفرغها في جواره وأعلى رأسه ؛ فهاج المصلون وماجوا يريدون القبض عليه والانتقام منه لفعلته ، لكنه أشار إليهم أن لا يفعلوا فانصاعوا لأمره وجلسوا في أماكنهم سمعاً وطاعة ، حينها ناداه المهدي وقرَّبه إليه في مجلسه وسلَّم عليه كأنه يعرفه وسأله :
– أهلك الجيت منهم عساهم طيبين؟.
– الخريف؛ إن شاء الله الأرض رويانه؟! .
– الزراعة شن خبرها ؟! .
– والبهايم إن شاء الله شبعانه ؟! .

ويجيب عليه كأحسن ما يكون الجواب؛ فلما أخبره الخبر وقص عليه القصص وتأكد من مهديته ؛ بايعه وبايع باسم الجعليين كلهم حسب ما اتفقوا عليه هناك في ديار جعل؛ وقفل راجعاً لدياره بعد البيعة واخبرهم من أمره معه ما رأى وحدث .

قال : توفي المهدي وهو راضٍ عن الجعليين بلا أدنى شك ؛ ولما حدثت حادثة آدم محمد البرقاوي في شرق السودان بمنطقة القلَّابات ( 29 ربيع أوَّل 1305 ه – 15 / 12 / 1887 م ) الذي ادعى انه المهدي المنتظر ( في كتاب تاريخ السودان وجغرافيته هذا المصدر صفحة 473 الجزء الثاني قال نعوم شقير بأنَّ ه عيسى بن مريم وليس المهدي المنتظر؛ بعكس رواية عمنا إدريس محمد خير ؛ وذكر خبر عبد الله ود إبراهيم متفرقاً في بعض الحديث وذات النهاية متطابقة باختلاف الرواية مما يعني حقيقة الشخصيات إذ التعايشي أرسل حمدان أبي عنجه ويونس الدكيم للقضاء على مدعي العيسوية ولم يرسل عبد الله ود إبراهيم ؛ والصواب عندي ما قال به شقير إن شاء الله وليس ما ذكره عمَّنا إدريس محمد خير ، والله أعلم أي ذلك كان ) ناحية كرن في الحدود الحبشية.

في عهد الخليفة التعايشي، أرسل الخليفة عبد الله ود إبراهيم ليستطلع الأمر فإذا رأى أنه محقاً في دعوته ومهديته يبايع باسمه وباسم الأنصار جميعهم وإن كان غير ذلك فليقتله ويخلص الناس منه؛ على أن يحضر معه رأس الزاكي طمل وحمدان أبي عنجه ( لاحظ الخلط بين الأسماء هنا إذ قال العم : إدريس محمد خير ” الزاكي طمل ” والثابت أنَّه يونس الدكيم ) لأنهم لم يطيعوه مع رأس المدعي العيسوية.

قال : ذهب عبد الله ود إبراهيم حيث مكان آدم محمد البرقاوي ؛ ووجده ووجد عنده بعض الناس وأمامه طست مملوء بالماء يرفعه لأعلى ثم يعود به للأسفل وهو يقول : ” شخَّارم بخَّارم ” يوهم الحاضرين يريد تحويل الماء إلى لبن رائب ؛ وما أن أناخ راحلته حتى أخذه بسوط العنج المصنوع من جلد البقر والمدهون بالقطران ذي الرائحة الكريهة ؛ في رأسه وفي جسده كيفما اتفق وهو يولول ويصرخ بأعلى صوته ويتململ من ألم الضرب بالسوط : ” ويي وي وييييييي وييي وي ويييييييي ” فقال له عبد الله ود إبراهيم : تكورك يا مِرَيَّة / أي: تصرخ يا امرأة؛ تصغير امرأة / علي بالطلاق اديت المهدي ستة طلقات رصاص ما زحَّ من مكانه؛ انت تولول من سوط العنج ؟ يعني : أصبت المهدي بست طلقات رصاص فلم يبرح مكانه بينما أنت تصرخ وتستغيث من ضرب السياط أيتها المرأة ؛ فقتله وتخلص منه ولم يظفر بحمدان أبي عنجه ولا الزاكي طمل؛ وسمع الخليفة بما فعله الجعلي وسر بذلك جداً ” .

ثم ذكر قتلة عبد الله ود سعد ناظر عموم دار جعل في واقعة المتمة والتي استباحها الأمير محمود ود أحمد ثلاثة أيام وأقام فيها ثمانية أشهر؛ وبمساعدة الجعليين الحملة البريطانية للقضاء على الخليفة التعايشي وعصبته انتهى حكمه على السودان وصدقت نبوءة المهدي في الجعليين ( إن درتها تخرب بخربوها ليك وإن درتها تعمر بعمروها ليك) حين كذَّب بها الخليفة؛ ولا نامت أعين الجبناء وما التوفيق إلا من عند الله العزيز الحكيم .

https://anbaaexpress.ma/ua3ij

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى