آراءسياسة

غيلان العصر

في داخل كل فرد منا وحش نائم ينتظر الإيقاظ. وكل منا يمكن أن يتحول إلى الفرعون بيبي الثاني فيما لو منح القوة بدون كوابح. وهذا القانون إنساني لا يفترق فيه توني بلير عن نرويجا ولا ميتران عن صدام.

ومن يظن أن طيبة الأخلاق يمكن أن يوثق بها فقد ضل ضلالاً مبينا. طالما كان الحاكم تحت يده قوة هائلة بدون ردع ومساءلة. وكمية من الغاز قابلة للانتشار في أي حيز ولو كان كل غلاف الكرة الأرضية طالما لا يوجد حاجز يمنع من الانتشار فهذا قوانين وجودية تمسك بالكون مالها من مرد.

ويقول اللورد أكتون أن قليل من السلطة يعني قليلاً من الفساد وأن السلطة المطلقة تعني الفساد المطلق. ويذهب (برتراند راسل) في كتابه (السلطان Power) أنه لا مانع لدى الإنسان أن يصبح إلهاً. فهي متعة بدون حدود. حينما يلعب بصرر النقود والمسبحة ومصائر الناس. وحتى نعرف من هو الله الفعلي في حياة الناس فليجرب المواطن حظه بالتعرض بالسوء لذكر الحاكم في مكان عام أو رب العزة والجلالة. ولير أيهما أسرع في تحريك الأيادي واللسان إليه بالسب والأذى. إنها أفكار مزعجة ولكنها حقائق لا يريد أحد أن يتكلم بها.

وفي كتاب (العبودية المختارة) للفيلسوف الفرنسي (إتيين دي لا بواسييه) الذي كتبه عام 1562 م قام بتفكيك مذهل لآلية الطغيان أن شبكة الطغيان الرهيب تبدأ من عدة رؤوس لا تتجاوز الستة في العادة من الطاغية والعصابة حوله. الذين يتصلون بدورهم بستمائة وهكذا نزولا في السلسلة مثل الشبكة العصبية في الجسم تتحرك بومضة من وحي الزعيم. وفي القرآن من سورة النمل ثمة حديث عن (تسعة رهط يفسدون في الأر ض ولايصلحون) أقسموا بالله على قتل رسول الله.

ويرى القرآن أن تركيب الإنسان بني على الطغيان طالما امتلك ورأى نفسه أنه “استغنى”. والنفس البشرية مبنية على الازدواجية من الفجور والتقوى. ولكن إصلاحها وفسادها هو لنا (تأمل الآية ونفس وماسواها عن الله + قد أفلح من زكاها؟ عنا نحن) وجمهور النحل يتفاهم بالرقص، ولكن إذا حاولت نحلة مثقفة أن تقول لزميلاتها شيئا عن الحرية بالرقص فهي قد تستمتع بالرقصة ولكن لن تفهم شيئا عن الحرية لأن النحل كما يقول النيهوم “محصن غريزيا ضد فكرة الحرية”.

وكل من شيل الألماني وتاتشر البريطانية تركوا الحكم وفي المآقي الدموع. ولكن البراميلي سفاح دمشق دعي لمؤتمر جدة في 19 مايو من عام 2023م بعد أن قتل مليونا وهجر 15 مليونا؟ ولو ظفر كلينتون بعرش العراق لزعم أن جده الرابع عشر كان من قبيلة كلدة والحارث.

ولعل أعظم شيء فعلته أمريكا أنها تتخلص من أي حاكم بعد بضع سنين ولو جمع بين حكمة قورش وبطولة الاسكندر وقوة هرقل فتقول له قبل أن يدفأ تحته اذهب إلى بيت أمك وأبيك.

أما نحن في العالم العربي فقد اعتنقنا عقيدة الثالوث المقدس في السياسة بثلاث صور عالية. واتخذنا البابا نموذجاً بحكم إلى الأبد ولو أصبح ظهره مقوسا 95 درجة وعلته رعشة باركنسون. وفي الفيزياء نعلم أن من يمسك السيارة هي الفرامل. ومن يمنح الصحة النفسية هو النقد الذاتي والتوبة. ومن ينشر العدالة في المجتمع وجود المعارضة السياسية. وفي قوانين الميكانيك كل فعل كوني له رد فعلي يكافئه بالقوة ويعاكسه بالاتجاه.

والرجل المؤمن من آل فرعون رأى أن الحكمة هي في معارضة فرعون وليس السكوت عنه فقال أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله. فهذه قوانين سيكولوجية اجتماعية.

وفي عدد در شبيجل الألمانية 3 \2003م قام (جيرولد بوست Jerrold post) بدراسة غيلان العصر من الديكتاتوريين. ومن الدراسات المرعبة التي قدمها بطلب من الحكومة الأمريكية لمعرفة نفسية هذا النفر من شواذ الجنس البشري كانت حول (موبوتو سيسي سيكو Mobutu Sese Seko) حاكم زائير، ونرويجا طاغية باناما، وبالطبع صدام حسين خليفة نبوخذ نصر. ووصل إلى ثلاث: أنه ليس مريض نفسيا، ويحسب حساباته بشكل بارد، وأنه فنان في البقاء على قيد الحياة، وانه عديم الرحمة والضمير، ولا يمكن توقع ردود فعله حينما يحاصر.

ونخطئ كثيرا إذا ظننا أن طاغية العراق وليبيا ومصر كانوا نماذج متفردة في المنطقة. والقرآن علمنا حكمة كبيرة أن لا نفرق بين أحد منهم. كما نخطئ ثانية إذا توجهنا بإصبع الاتهام إلى الطواغيت ونسينا الثقافة التي تفرخهم.

كما نخطئ ثالثا إذا ظننا أن حل المشكلة في قتلهم. لأن المستنقع الذي يولد البعوض لا يجف بقتل بعوضة.

الشعوب إذن هي التي تصنع الطواغيت كما تصنع خلية النحل ملكتها من أصغر العاملات. كل ما تحتاجه حتى تصبح ملكة هو تغذيتها برحيق خاص.

وفي عالم البشر يمكن لأي مغامر من أمة مريضة أن يقفز على ظهر حصان عسكري إلى مركز الصدارة والتأله.

وينبني على هذا تغيير زاوية الرؤية بالكامل أن لا نتوجه للزعامات المصنوعة بالكراهية لأنها من صنع أيدينا، ونحن بالهجوم عليها نهجم على ذواتنا من حيث لا نشعر فنحن من صنعناها. وإذا أرادت الشعوب رؤية وجهها في مرآة تاريخية فليس عليها سوى أن تحدق في سحنة حكامها وقياداتها السياسية هي أفضل قميص تتسربل به خيط عند أبرع خياط.

وحينما تنضج كما ينضج الطفل فيصبح يافعاً لن يبق أمامه سوى أن يبدل حلته. سنة الله في خلقه وهلك هنالك المبطلون.

https://anbaaexpress.ma/g31ba

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى