آراءثقافة

نظرية الانفجار العظيم وفكرة الخلق الإلهي

استطاع العلم الحديث أن يصل إلى فهم بداية العالم، وكان ذلك من عدة مصادر لعل آينشتاين كان قد اهتدى لها، ولكنه خاف تحت ضغط المسلمات العقلية عن ثبات العالم فأوصلته المعادلات الرياضية إلى أن الكون يتوسع، وهي نفس الرياضيات التي قام بها عالم رياضيات روسي هو (الكسندر فريدمان) فكتب عن انتفاخ العالم وتمدده، ولكن اليقين جاء من عالم أمريكي هو (أدوين هابل) ومن خلال رؤية تلسكوبية حيث اهتدى الرجل إلى حقيقتين مزلزلتين للفكر السائد: الأولى أن عالم المجرات ليس مجرتنا الوحيدة فيه؛ بل هنالك مالايقل عن تسعة مجرات أخرى، وهو رقم متواضع جدا عما فتح العلم الطريق إليه، والثاني كان عن ابتعاد المجرات عن بعضها، وذلك من خلال تقنية بسيطة تعتمد لون الضوء.

مايعرف بظاهرة الزحزحة الحمراء، فالأحمر يعني أن الضوء يهرب منا، والقادم يقدم إلينا برأس ازرق. مارآه (إدوين هبل) من مرصد بالومار أن المجرات تتباعد وتطلق لونا أحمرا فقط.

حاليا نعرف مقدار التباعد بالضبط، والأهم هي فكرة انقلابية عن معنى التوسع؛ فإذا كان الكون يتوسع فهو البارحة أصغر، وهو قبل سنين ينكمش إلى أصغر فأصغر، ولكن إذا مشينا بنفس هذا التسلسل فهو سيقودنا تلقائيا إلى كون منمكش جدا، ومن هذا المنطلق ولدت نظرية الانفجار العظيم Big Vag  Theory التي تقول أن الكون بدأ من نقطة رياضية متفردة، يطلقون عليها الحقبة المتفردة Singular حيث لازمان ولامكان ولاطاقة ولا مادة ولاقوانين، وهي أشبه بقصص السحر والسندباد البحري ولكن هذه النظرية تدعمها الكثير من الشواهد أن عمر الكون يمتد سحيقا حتى 13,7 مليار سنة.

وهي نظرية تصب في مفهوم الخلق الإلهي. ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه وهو على كل شيء وكيل. لاتدركه الأبصار وهو يدرك الإبصار وهو اللطيف الخبير (الأنعام 102 ـ 103)

أمنا الحنون ومجرتنا التي ننتسب إليها، وتضمنا بين جناحيها، تجعلنا نقف ونتساءل ما هذا الكون الذي نعيش فيه؟ من أين جاء وإلى أين ينتهي؟ ما طبيعته ما مصيره؟ كيف انفجرت الحياة على سطحه في هذا التنوع البديع؟ جئنا إلى الحياة بغير رغبة منا وتصميم مسبقين، وسوف نودعها كارهين ولربما خائفين بغير تخطيط مبرمج.

ما هو هذا العدم الذي خرجنا منه إلى الحياة؟ ما هي هذه اللانهاية المحاطة بالأسرار. والتي نندفع باتجاهها بكل قوة فنغيب في أحشائها ضيوفاً على الأبدية بدون عودة و لا خبر. هل لهذا الكون من بداية؟ هل له نهاية؟ وماذا كان قبل البداية؟ وكيف كانت البداية؟ كلها أسئلة اشتغلت بها الفلسفة قديماً ومازالت. إلا أن العلم الحديث وخاصة الكوسمولوجيا أفادتنا بمعلومات جديدة ومثيرة في هذا الصدد.

وقف اينشتاين في إحدى الليالي المثيرة مرتعباً لا يكاد يصدق ما ترى عيناه خلال الغابة الكثيفة من المعادلات الرياضية التي تشق الطريق فيها، عبر رموز ودلالات لا تنتهي.

فما هذا الشيء المثير والمزلزل ذلك الذي قادت إليه سفن المعادلات؟ وما هو نوع الشواطئ التي رست عليها؟ وأي نوع من الجزر ألقت مراسيها تجاهها؟

لقد رست بعض المعادلات هذه المرة على معلومة مفادها أن الكون في حالة (ديناميكية) وليس (استاتيكية) أي أن هذا الوجود الذي ننتمي إليه هو في حالة تطور وتمدد وانتفاخ، وليس في حالة ركود وتماسك وثبات.

كانت معلومة انقلابية وجديدة على الفكر الإنساني، وتولدت عبر المعاناة مع الدغل الكثيف المخيف من تعانق الغابات الاستوائية الفكرية حيث حرارة الفكر ووهج المعادلات الرياضية.

هذه الحقيقة الانقلابية كانت تخالف كل الفكر الإنساني السابق، في ثبات الكون، وتماسك أركانه، ودوران أفلاكه، عبر نظام دقيق ومدارات واضحة، لقد رسا الفكر هذه المرة على شاطئ (جزيرة الكنز) إلا أن آينشتاين ارتكب أعظم خطأ علمي في حياته، كما اعترف هو نفسه بعد ذلك.

شعر آينشتاين أن العالم الذي يقف عليه يتزلزل، والأرض التي تحمله تميد من تحت قدميه، فأسرع يحاول إدخال التماسك على هذا العالم المنهار، ويدخل ما يمكن لهذا الخرق في سفينة التصور العقلي القديم لإنقاذ العالم القديم من الغرق.

يقول آينشتاين أنه بدأ برفع معادلاته التي مشت لوحدها، بمنطقها الخاص، وولدت نتيجة (تمدد العالم) فأدخل كوابح خاصة، اخترعها لإيقاف هذا المسلسل، وهكذا أدخل ما يسمى (الثابت الكوسمولوجي) وبذلك ادخل الفرامل التي منعت تزحلق العالم في هذا الجليد الكوني الذي لا يعرف إلى أين سيأخذ العالم باتجاهه.

في نفس الوقت كان رجل أمريكي، قد لجأ إلى الجبال ينظر في النجوم هو (إدوين هابل)، يرتعب من حقيقة شبيهة بتلك التي انفجرت بين حلقات المعادلات الرياضية، تلك التي كان آينشتاين يتعامل معها.

وكانت الحقيقة الجديدة هذه المرة، تنفجر بين الأكوام التي لا تنتهي من النجوم التي يتأملها العالم الفلكي الأمريكي (هبل) بصبر وخشوع عبر آلاف الأعمال التي لا تنتهي، وآلاف الساعات من العمل، في الليالي الطويلة الممضة والممتعة بآن واحد، وهو يتأمل هذا السكون الأبدي، وهذا الإمتداد السرمدي.

كان المنظر الذي خشع له قلب (إدوين هابل) واقشعر منه جلده وهو لا يكاد يصدق أيضاً، وعبر الوسائط العامية التي اجتمعت مع التراكم العلمي السابق في تطوير رؤية حركة الأشياء، عبر طيف الضوء الذي ينبعث منها، وهو ما عرف بظاهرة الزحزحة الحمراء.

وفي نفس الوقت وفي صقيع روسيا المتجمد عكف رياضي صبور، من نوع مختلف، هو الكسندر فريدمان يقطف ثمرات النظرية النسبية، التي وصلت إليها البشرية عبر التألق العبقري من خلال أعمال (فريتزجيرالد) ولورنتز وبوانكاريه، والتي كان لها علاقة باكتشاف سرعة الضوء على يد فيزو، وإلغاء فكرة الأثير بواسطة تجربة ميكلسون ومورلي وختاماً بالفتح العقلي الذي انفتح أمام عبقرية اينشتاين.

قام الكسندر فريدمان بهمة لا تعرف الكلل بصقل المعادلات الرياضية في النسبية العامة وفي زاوية دافئة هارباً من برد روسيا الذي لا ينتهي، وثلوجها التي لا تنقطع، جلس بعقل بارد منظم، يولد معارف جديدة من هذه المعادلات، ووصل في النهاية إلى نقطة هي أشبه بالثقب الأسود الفكري، هي النقطة الغربية العجيبة والمتفردة حيث يقف العقل أمامها حائراً متأملاً خاشعاً لا يكاد يصدق أو يتصور؟! كانت المعادلات في حديها تصل إلى نقطتين، كل حافة منها هي أعجب من أختها، فالبداية في النقطة المتفردة والنهاية في تمدد الكون، وبين البداية والنهاية نسب وثيقة، وصلة محكمة، وتماسك مدهش.

والآن ما هي النقطة أو الحقبة المتفردة التي وصلت إليها معادلات آينشتاين وتطويرات فريدمان ولاحقاً كشوفات هابل إنها كما اختصرها كتاب العلم في منظوره الجديد على الشكل التالي:”فعالمنا إذاً قد تولد في أعقاب تمدد هائل في المادة، ويثير حجم التمدد ومعدل سرعته الحاليين إلى أن الكون بدأ منذ ما يتراوح بين 12 و20 مليار سنة وفي جزء من السكستليون من الثانية (واحد مقسوم على عشرة قوة 36)، وفي البداية كانت كل المادة الموجودة في الكون معبأة في مساحة أصغر كثيراً من الحيز الذي يشغله بروتون واحد، وكانت الكثافة في تلك المرحلة تهول الخيال، تصور أن الكواكب والنجوم والمجرات بكاملها، وكل المادة والطاقة في الكون كانت جميعها محتواة في حيز لا يكاد حجمه يعادل شيئاً، وفي لحظة الصفر من بداية الزمن كانت الكثافة غير متناهية دون حدوث أي تمدد في المكان على الإطلاق، وكانت تلك اللحظة لحظة بداية المكان والزمان والمادة وينبغي إلا نتصور أن الانفجار أحدث تمدداً في المادة في مكان قائم بالفعل، فالانفجار العظيم هو نفسه تمدد المكان، وهذا يمكن أن نتعقله ولكن لا يمكن أن يتصوره الخيال”.

 هذا المطب الذي وقع فيه آينشتاين حصل نظيره على العالم الألماني (أوتوهان) الذي كان أول من كسر المسلمة اليونانية الثانية في العالم الأصغر بعد أن كسرها آينشتاين في العالم الأكبر، وحاول جبر صدعها، ولم شعثها، فأصيب بالرعب أيضاً، أمام مخالفة ضغط المسلمات لألفي سنة من الفكر الإنساني، وهو يستقرئ نتائج قذف نترون على ذرة يورانيوم وهو أن الذرة يمكن أن تتجزأ، بعد أن كانت (الأتوم) التي تعني في اليونانية الجزء الذي لا يتجزأ!!

وهكذا أصبح العالم بالأكبر والعالم الأصغر على يدي آينشتاين وأدوين هابل وألكسندر فريدمان من جهة، وعلى يد أوتوهان وأنريكو فيرمي من جهة ثانية، عالماً آخر، وشواطئ للمعرفة جديدة، وخلقاً مستحدثاً، ونشأة لم تعرفها البشرية قبل ذلك. أصبح العالم الصغير يفتح أبواباً جديدة، ويصغر أكثر فأكثر كما أصبح العالم الكبير يتمدد ويتوسع أكثر فأكثر، وكأن اللانهاية تنتظر عند الحافتين، وتغلف الحدين، وتمسك بقطبي الوجود.

https://anbaaexpress.ma/yp5xu

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى