آراءسياسة

أين الحل لكل هذا العبث؟

إنتهت حلول الأرض، والأمر متروك لرب السماء

عشر سنوات مرت على الربيع العربي، والأوضاع تزداد مرارة يومًا بعد يوم؛ فالحروب الأهلية اشتعلت داخل الوطن الواحد، وتعمق، وترسخ الانقسام، والكراهية والبغضاء استفحلت بين الناس، والنسيج الاجتماعي تمزق، والفقر، والبطالة وصلت لأعلى مستوياتها، وازدادت نسبة الطلاق، وانتشرت الجريمة، والمخدرات، وتجارة الأسلحة، وازداد عدد السجون، وتدمرت المؤسسات الحكومية، وعمَّ الفساد، وطغى، واستفحل؛ فأصبح منظومة متكاملة تبدأ بأصغر موظف؛ لتنتهي بأعلى هرم سياسي.

وظهر ما يُعرف بالإسلام السياسي، وظهرت عبارات التخوين، والتكفير، وظهرت الفتاوى تباعًا حسب مصلحة حاكم البلاد، وفُرضت الضرائب الباهظة، وغاب القانون، وتعطلت البرلمانات عن ممارسة عملها، وتوقفت الانتخابات عن الحدوث، أو قاطعتها الشعوب، وهاجر الشباب نحو المجهول إلى دول الغرب في رحلة موت محقق، فأكلتهم أسماك البحار، والمحيطات، وحيتانها، وتاجر بهم سماسرة البشر، فكانت رحلة الهجرة رحلة الانتحار، والموت؛ هروبًا من عبث طال كل مناحي الحياة، فلا بارقة أمل في خروج من نفق مظلم إلا بمزيدٍ من المخاطرة، وبمزيدٍ من التهور، والتمرد، والعبث.

نتج عن كل ما سبق، ومع دخول التكنولوجيا إلى كل بيت، وفي متناول كل فرد ما يُعرف بصناعة التفاهة، فانتشرت القنوات الفضائية التي تعتاش على أحلام، وأوهام الناس بعد أن أصبح النوم هو أفضل الطرق للهروب من واقع ميؤوس منه، وانتشرت الأفلام، والمسلسلات التي لا تُعالج فكرة، أو تزرع قيمة، وذاعت الأغاني الهابطة، والموسيقى الصاخبة، وظهرت وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة كـ(الفيس)، و(توتير)، و(الانستغرام)، و(التيك توك)، وغيرها؛ بحيث يُلاقي المحتوى الهابط رواجًا، وإقبالًا، وتشجيعًا بينما انعزل المثقفون، والأدباء، والشعراء، وتوقفت أقلامهم عن السيلان، والإبداع بعد أن تسلل اليأس إلى نفوسهم بأنه لا جدوى، ولا فائدة من الكتابة؛ فالخرافة، والأساطير سيطرت على المجتمعات، وكل دعوات التنوير، والتثقيف، والوعي قوبلت بالرفض، والهجوم، حتى وصل الأمر بالتهديد بالقتل؛ لمجرد الاختلاف في وجهات النظر.

وفي المسائل الفرعية من الدِّينِ، أو مخالفة الحاكم، أو الاعتراض على سلوكه، وأدائه، كما انتشرت الولاءات الحزبية، والطائفية، والمذهبية المقيتة، وأصبح التوظيف، والتقييم، وفرص العمل على مقدار ولائك للحاكم هذا، أو المسؤول ذاك؛ فقتلت الكفاءات، واندثرت، وازداد إقبال الشباب على المهدئات، والمخدرات، وزادت حالات الوفاة الفجائية لصغار السن، وهرب صغارُ السِّنِّ، وكبارُهُ إلى المواقع الإباحية؛ للتنفيس عن عجزهم، عن الزواج، أو الإنفاق على بيوتهم، وزوجاتهم؛ وتحولت البيوت إلى بؤر للصراع؛ نتيجة الفقر المدقع، وعجز أرباب الأسر عن توفير الحد الأدنى من ضروريات الحياة الآدمية.

أما الغرب فازدادت نسب المهاجرين إليهم، وباتوا عاجزين عن استيعاب أعداد المهاجرين غير الشرعيين؛ فازدادت إجراءات الحصول على الجنسية صعوبة، وأصبحت القوانين أشد صرامة، وظهرت العنصرية في القوانين، والتعامل، وأُعيد الكثير منهم إلى أوطانهم، ومن بقي عاش خائفًا مطاردًا، لا يستقر بمكان، واشتعلت الحرب الروسية الأوكرانية، والتي أجمع المفكرون، والعلماء على أنها بداية الحرب العالمية الثالثة، والتي استخدمت فيها أحدث الأسلحة تطورًا، وفتكًا بالإنسانية.

فاليوم أصحاب القرار في كل العالم هم أكثر الناس عبثًا بأرواح البشر، يعبثون بحضارات الأمم، وتاريخها، يعبثون بمقدرات الشعوب، يعبثون بمصير البشرية، يعبثون بكل شيء تطاله أيديهم؛ فلا بأس من قتل ملايين البشر؛ من أجل مصلحة، أو منفعة كبيرة، أو صغيرة، ولا بأس أن يُقاد ملايين آخرون إلى حرب لا ناقة لهم فيها، ولا جمل؛ لأنهم لا يملكون من أمرهم شيئًا، فهم يساقون إلى الموت كما يُساق قطيع الأغنام إلى الذبح، وظهرت الأزمات تباعًا؛ فظهور مرض كورونا أدى إلى أزمة صحية وصك الدولار بلا حسيب، أو رقيب أدى إلى أزمة اقتصادية، وتصدر المهرج ترامب المشهد السياسي أدى إلى أزمة سياسية.

وتصدر الملحدين المنصات الإعلامية أدى إلى أزمات أخلاقية. وغياب القدوات الصالحة والعلماء، والمفكرين، والفلاسفة أدى إلى أزمات ثقافية، ودينية، وعلمية، و…

وأما على صعيد القضية الفلسطينية فقد تم تغييبها بشكل متعمد عن الساحة الإعلامية، وزاد بطش الاحتلال بالفلسطينيين، وزادت انتهاكات الأماكن المقدسة، وارتفعت أعداد الشهداء بشكل ملحوظ، وأُقرت القوانين العنصرية في الكنيست (الإسرائيلي)، وتم تهويد الأرض، وتهجير السكان، وإقامة المستوطنات التي تقطع أوصال المدن الفلسطينية، وشُنت الحروب على قطاع غزة، وأُحرق البشر، والشجر، والحجر بأفتك الأسلحة (الفوسفورية)، والقنابل الارتجاجية، والتدميرية في سعي حثيث من الاحتلال؛ لأسوأ عمليات التطهير العرقي.

العالم اليوم يُعاني من ويلات، وأزمات عجز كل عباقرة العالم عن إيجاد حل لها، وأصاب النفوس اليأس، والإحباط، وانتشرت مقولة: “انتهت حلول الأرض، والأمر متروك لرب السماء”.

https://anbaaexpress.ma/vkmxo

رهف محمد حنيدق

كاتبة فلسطينية حاصلة على دكتوراه في المذاهب الفكرية المعاصرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى