
بقلم: عفاف خلف.. روائية فلسطينية
الساعة وحشة الزمن، وحشيته الآثمة حد العدوان، الزمن المنزلق بانسياب الرمال، بانسيابٍ منحنياتٍ ومعرّجاتٍ وربما صعوداً تتبعه هاويات، وأنتَ، وشاهد حجرٍ من رخامٍ ترقد فيه أيامك، تاريخين وما بين القوسين أنت ممددٌ بانتظام جثةٍ تقع خطاً بين رقمين، سأحفر عميقاً في ذاكرة التاريخ، تلميذاً يحملُ صفحة وجهه، لوح جده، أتهيأُ تعبئةً، بانفلات الحروف التي تتراكض عبر وديان التاريخ كماعزٍ جبلي، يرعى دمنا، عشبنا، وحشيتنا، يحسو كل حواسنا، ويصقلها تراكيباً، مرايا الروح إذ نترجمها، بضبطِ معلّم النقوش خط انزلاقي، ووقوعي إسر الحرف واللون، وستخبرني الصورة أنها استحالت ضاداً من حرفٍ منضود، رمزاً عصي التأويل إن لم تسانده الحروف.
– اللغة نتاجٌ مجتمعي / اجتماعي لا ناتجٌ فردي، وكلما ازداد المجتمع تعقيداً اشتد لجام الحروف.
وترتفع عصا النقّاش لتجلد اليد التي تهتز باللون ا نسكاب.
قال لي المعّلم آوان الجلدة الأولى:
– تلك الجثة الممتدة، هي ذاك الفراغ الذي خلفّه ا نقباضها، بين كافٍ ونون يمتد ظلك على الأرض قائماً، وينبسط آوان موت.
**
– أتخافين الموت!
أنا التي آنست خضرة عينيه، فانبثقت بيارات البرتقال وحيفا ورائحة البلاد.
– اتخشين الموت!
أتحسس قلبي، بشواهده، كم صديقٍ امتد فراغاً من أبيض ووخز، يشابه ألماً قاتلاً وليس بقاتل.
– اتخشين الموت!
أُسند رأسك على ركبتي، أطّل على الوجه، الخد النابت ظلاً، الفم المنفرج، الشفتان الشاحبتين الجافتين، الرزقاوين وجرح الجبين الخضيب اللحظات، ضياعاً، أستعيدك، ولا أستعيد الموت فيك.
– أتخشين الموت!
صخب الطفولة، حذاؤك اللماّع، وملابس منتقاة، ومفرق شعرٍ يحاكي تأدباً وطاعةً مرتقبة، أرستقراطية الزرقة التي تشي بانضباط الانتماء، ونزقي، ورصاصة، واحدة فقط، لأرى ذاك الامتداد بين تاريخين، ذاك الجسد المسّجى باتقان الرسم يحدّه رقمين.
– في السجن كنا نحمل أرقاماً، لا ينادون عليك إسماً بل رقماً في سجل..
– …
– ينزعون عنك إنسانيتك، يسلخون عنك الاسم، ويضعونك في ثلاجة الأرقام.
رفرفة يديك جناحين لم يهابا التحليق يوماً، تمسحان عن وجهي غبارك، تقبضان على حدود الفم، تؤطران الخطيئة فيما ينفرج الدم باقحوان.
– الرقم جريمة
– الجريمة أن نصيره
– أتخشين الموت!!
سأقلب شاهدك، تحمل موتك فوق رأسك، فيما تدوس تحت الأقدام عمرك، كالسيف هو الموت، يقطعُ من لحمك / عمرك طبقات دون أن يسيل الدم، برقةٍ وحشيةٍ يكونك.
أنتَ أو
بعضك
تحت التراب ..