
بقلم: إسماعيل الراجي
تكثر المفاهيم في حقل علوم الادارة والتسيير والقانون، والعلوم الاجتماعية الدالة عن نظريات ومقاربات التنمية والسياسات العمومية، والترابية، الكلاسيكية منها والحديثة في الحقل الأكاديمي، وتتعدد مناهجها التي تعتمد في التشخيص وتحليل السياسات في المجال، وفي كشف واقع التنمية، والتدبير المعتمدة من أجل تحقيق التنمية في المجال.
ووفق الجهاز المفاهيمي في التنظيم الترابي المغربي، يعرفه المشرع المغربي- طبقا لدستور 2011، أن الجماعات الترابية تتكون من “الجهات” و”العمالات والاقاليم” و”الجماعات”، وتعتبر الجماعات الترابية حسب القانون أشخاص اعتبارية خاضعة للقانون العام، تسير شؤونها بشكل ديمقراطي. ومنه فالجماعات الترابية حسب التحديد الدستوري هي جماعات ترابية تشكل أحد مستويات التنظيم الترابي.
وبما أن موضوع هذا المقال يتعلق بجماعة ترابية؛ حيث الجماعة، تعد أصغر جسم ترابي في جسم التنظيم الاداري بالمغرب.
نحيل لتعريف المشرع المغربي في القانون التنظيمي 113-14 المتعلق بالجماعات، حيث يعرفها على أنها تشكل” أحد مستويات التنظيم الترابي للمملكة، وهي جماعة ترابية خاضعة للقانون العام، تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال الإداري والمالي”(المادة 2)، ويتحدث القانون التنظيمي عن كيفية” التدبير” التي يؤكد على أنها ترتكز على مبدأ التدبير الحر الذي يخول لكل جماعة “سلطة التداول بكيفية ديمقراطية”(المادة3).
وحسب المشرع المغربي، ينص على تدبير الجماعة، وفق مبدأ الديمقراطية التشاركية، وحق المواطنين-كلا الجنسين والمجتمع المدني في المشاركة في بلورة سياسات ترابية(المادة 119-120)، كما يؤكد على نهج الحكامة المتعلقة بحسن تطبيق مبدأ التدبير الحر، ومن بين ما يؤكده الدستور والقوانين التنظيمية، العمل على المساواة بين المواطنين في ولوج المرافق العمومية التابعة للجماعة؛ الاستمرارية في أداء الخدمات من قبل الجماعة وضمان جودتها؛ تكريس قيم الديمقراطية والشفافية والمحاسبة والمسؤولية ؛ ترسيخ سيادة القانون؛ التشارك والفعالية والنزاهة(المادة 269) وغيرها من المواد التي تنص عن الديمقراطية والمقاربة التشاركية والحكامة في التدبير.
تمارس الجماعات الترابية وفق القوانين (الدستور، القوانين التنظيمية)، اختصاصات عدة، من بينها الاختصاصات الذاتية التي تجعل من خدمة الساكنة أولوية الأولويات والامر يتعلق بخدمات القرب التي تعد تيمة التنمية في المجال، تنمية تأتي من أساس التنمية المحلية التي تحقق تنمية جهوية فالوطنية. فهل يمكن تحقيق تنمية ترابية على الصعيد المحلي؛ بدون مراعاة الحكامة في التدبير ومراعاة الفوارق في توزيع الخدمات، ومراعاة أولويات ومطالب الساكنة وفق متغيرات مقدرات الجماعة المالية وامكانياتها؟ هي جملة من الأسئلة التي تبقى مداخل من مداخل كشف واقع التنمية وسير التدبير ببعض الجماعات الترابية ومن بينها جماعة توغيلت بإقليم سيدي قاسم !
يكشف التشخيص الترابي لبعض الجماعات عن “مأساة” التنمية الترابية أو قل التنمية المفقودة في بعض الجماعات التي ما تزال معلقة في وضعيات جد مخجلة ومقلقة. ولعل أحد أوجه المعبرة عن هذا المضمار، غياب بعض الخدمات الأساسية المترتبة عن عامليين، عامل محدودية الميزانية، وعامل غياب الحكامة في التسيير والتدبير المتعاقب عليه من قبل المجالس الجماعية، هذا العامل الأخير هو من يرجع له تقدم الجماعة أو تخلفها عن قطار التنمية الترابية على الصعيد المحلي والجهوي ومنه الوطني.
لقد أحدث الاهتمام بالتنظيم الإداري من قبل العلوم القانونية والاجتماعية والاقتصادية إلى تحديد مجموعة من المرتكزات التي تعد أنجع الطرق والآليات الاشتغال في تدبير الجماعات الترابية من أجل كسب رهاناتها التنموية في بعدها الوطني العام، والجهوي والمحلي عبر اعتبار التنمية المحلية، رافد من روافد التنمية الجهوية التي تصب في خدمة المشروع التنموي الوطني ككل، وبالتالي فأصل تحقيق التنمية يعد أساسه التنمية المحلية على صعيد الجماعات الترابية، التي هي اليوم وبحكم القانون، الفاعل الأول، والرافعة الأولى في تحقيق التنمية الترابية-المحلية، نظرا لما أعطاها المشرع من مسؤوليات واختصاصات ذاتية ومشتركة ومنقولة. وما خصصه لها من موارد مالية وامكانيات بشرية..إلخ.
يؤكد المشرع المغربي، اثناء تنزيل برامج التدخل التنموي، الاحتكام للديمقراطية، والمقاربة التشاركية، ومراعاة مقاربة النوع والمساواة، والعمل وفق أجندة الحد من التفاوتات والفوارق المجالية، وتوجه نحو الأولويات… وغيرها من الرؤى والمقاربات في تدبير الشأن التنموي الترابي للجماعات.
ومن هنا على المتدخل الترابي الأول في الجماعات، وهو المجلس الجماعي، ينبغي أن تكون له دراية بجل المفاهيم التدبير لا لذاتها، بل لكونها طرق ومسالك الفعل التنموي المبني على فلسفة مقاربات التنموية الحديثة. وعليه لا يمكن بأي حال من الأحول قيادة جماعة من قبل منتخبين يجهلون هذه الطرائق في التدبير المحصنة بالنصوص القانونية التي تلزم لزوم ما يلزم في تنزيلها.
وفي حالة ما كان الجهل المركب يمخر عباب المجلس بفعل أمية بعض المنتخبين الذين يحتلون مفاصل صنع القرار في المجالس، فهذا المجالس تكون “دمية” في أيادي أهواء أصحابها وأطماعهم وجشعهم، وفريسة لمن يتربصون ويجدون ضالتهم في توجيه المشاريع في واد ومطالب الساكنة في واد آخر.
وهنا في هذه الحالة يتطلب يقظة الجهاز الاداري والمراقب لسياسة التدبير في الجماعة، ومحاربة ومقاومة التلاعب بمصالح الساكنة وتنميتها، والحرص على عدم اهدار زمن العمل التنموي وغيرها من الأمور التي توجب ما يوجب قانونيا وأخلاقيا التصدي.
لكن، إن كان هذا الجهاز لا يقوم بدوره بشكل ما من الأشكال، ويسمح على سبيل المثال: بمرور وبصناعة تدخلات ومشاريع تخدم أجندات تنموية غير عادلة، أو محدودية الناجعة أو لحساب جهة على جهة داخل المكونات الترابية، فعلى المجتمع المدني أن يطالب بتنزيل سياسات التنموية التي منصوص عليها دستوريا، وفي القوانين التنظيمية.
وهنا عمق اشكالية التدبير في جماعة تَوغيلت منذ تأسيسها لليوم، لا نعرف من يصنع سياسة مشاريعها في دهاليز الجماعة، التي تبدو عبر “أثير” التدخل في الميدان أنها خاضعة للمحاصصة، والحسابات الانتخابية والزبونية، بل تجد هناك تدخلات لا تراعي أي منطق من منطق الأولويات في جماعة توغيلت.
وهنا، يمكن الإحالة والتساؤل عن مقاربة مالية التجهيز للسنة المالية لسنة 2022، هل فعلا كانت مقاربة تراعي المقاربة التشاركية وتراعي التنمية العادلة، وتراعي الحكامة في توزيع رصيد مالية الجماعة المحدودة سلفا وفق مبدأ توزيع العادل؟
يسمع عجائب وغرائب في صناعة سياسات التدخل وبلورة مشاريع “التنمية” على صعيد جماعة توغيلت منذ المجالس السابقة إلى المجلس الحالي، فهذا الأخير، حقق اليوم، عن جدارة واستحقاق إعادة عقارب الساعة للوراء في تخليق الحياة السياسية والحكامة داخل مجلس الجماعة، ويظن هذا المجلس بأغلبيته اليوم، أنه فوق المسألة التنموية كسابقيه من المجالس، وفوق مسألة المقاربة التشاركية في التدبير، وفوق مسألة احترام أولويات التدخل..،
وزاد من تسلط هذا المجلس تقهقر المعارضة في المجلس التي كانت تفضح مجريات الأمور، وزاد طين بلة، عدم انخراط المجتمع المدني في مناقشة سياسية التدبير، وهناك من داخل الجماعة من يسير مع الجهل المركب لبعض المنتخبين من هم في مفاصل صناعة القرار الخطوة بالخطوة، بل يقدم استشارات فنية وتقنية من أجل خدمة المنتخب لا خدمة مصالح أغلبية الساكنة في الجماعة التي تئن من أكبر دوار إلى أصغر دوار بالجماعة تحت التهميش المقصود وغير المقصود الذي يجد لعبته الفاعل السياسي هناك. ومن أجل در الرماد في العيون، يُحْبك كل شيء متعلق بتدخل في تراب الجماعة وفق صياغة أوراق مضبوطة بشكل تقني لا يأتيها الباطل من أي جهة، وكأنه هو ذاك من أولويات التنمية، ومن أولويات مطالب الساكنة ما تتضمنه تلك الأوراق، وبذلك تمر المشاريع التي تخدم قلة، وتستفيد منها القلة، ولا تراعي تراكم التدخل، ولا التوزيع العادل لمقدرات ميزانية التجهيز-المحتشمة أصلا في جماعة توغيلت. ومن الدلائل على هذا الأمر يمكن العودة لدراسة ميزانية التجهيز التي برمجت في السنة المالية لسنة 2022، والتي دكت دكا في” التراب”، ويمكن دراسة الميزانيات التجهيز والمستفيدين منها في المجلس السابق.
لقد عادت جماعة توغيلت في واضح النهار في هذا المجلس، لما يمكن اطلاق عليه عدم التدبير التشاركي والحكامة من بابها الواسع، بل هي في استمرارية غير منقطعة، وللأسف للمجالس المتعاقبة على هذه الجماعة الفقيرة، رصيد وافر في اللاحكامة، حيث تاريخيا قضت السلطات المراقبة، إحالة رئيس أحد المجالس السابقة 2014 إلى العزل، نظرا؛ لسوء التسيير للجماعة. وهل الجماعة اليوم بخير وعلى خير من سوء التدبير، واحترام أولويات التدخل في تراب الجماعة في عقدة هذا المجلس الحالي الذي تقول سنته الأولى _من خلال تسييره_ كل شيء عن ما تحت الطاولة وما فوقها؟! وبمعنى آخر، أليست جماعة توغيلت في عنق الزجاجة نظرا لعدة اعتبارات من بينها؛ حالة المعارضة للمجلس الحالي خلال السنة الماضية التي تشكلت عقب تكوين المجلس مباشرة ومقاطعة أغلبية المنتخبين14#6 لسنة كاملة ونصف تقريبا للمجلس، أليست هذه الحالة هي مؤشر على مشكلة في مجلس جماعة توغيلت منذ تشكله؟ وهل يعني نزع فتيله أغلبية المعارضة بأمور فيها رائحة الرشاوي السياسية حسب العديد من الآراء المحلية من شأنه أن يجعل الجماعة بمنأى عن تدبير السوء؟ ثم أليست دك ميزانية التجهيز لسنة 2022 في محور واحد وأغلبيتها في دوار واحد هو من الأمور الفاضحة لتوجيه مقدرات الجماعة نحو رؤى أحادية تنم عن التصرف في مالية الجماعة، وكأنها ارث للمنتخب الذي أخذ القرار؟ ثم من هي الجهات التي تستطيع أن تدافع على هذا السلوك الارعن في تنزيل ميزانية الجماعة في اتجاه واحد دون مراعاة ولا مبدأ من مبادئ الحكامة وبالاساس مبدأ الأولويات والتوزيع العادل من أجل الحد من التفاوتات في الخدمات بين دواوير الجماعة؟
هي إذا، توغيلت جماعة من الجماعات الترابية التي تستمر في الخضوع لكل من هب ودب ليملي جهله المركب على برامجها وعلى الساكنة، ويتلاعب بأولياتها، ويعمق من اشكالاتها التنموية، خضوعا يكشف كل شيء عن واقع الترابي وارتهانه وتقويضه من طرف بعض المنتخبين لا نعرف كيف قطر بهم السقف على الساكنة ومجلس الجماعة(سؤال استنكاري).
وهذا ما يجعل ويترك كل شيء متعلق بالحكامة بجماعة توغيلت في الوقت الراهن معطل إلى اشعار آخر، نظرا لتراجع المعارضة وارتياح المجلس لقرارته واختياراته السابقة، وهذا له ارتدادته على التنمية الترابية بجماعة توغيلت، والتنمية العادلة، وعلى رأسها مقاربات التنمية الحديثة، وتبقى كل المفاهيم المتعلقة بالحكامة حبرا على ورق في دواليب التدبير بجماعة توغيلت من قبل المجلس ومن يسير في قاربه، إذ لا يعترف المجلس ومن يسيرون في ركبه لا بالمعارضة اليوم، ويسفهها إلى حد اعتبارها مجرد كلام فارغ، أما فعاليات المجتمع المدني وعلى رأسها هيئة المساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع، فهي بالنسبة له إما أن تكون معه في كل شيء، وتخدم أجندته السياسوية أو هي بالنسبة له غير موجودة.
وما يزيد الطين بلة، هو المجتمع المدني وبعض الفاعلين المهتمون بقضايا الجماعة وشؤونها التنموية، عوض التركيز على سياسة التدبير والتنمية، يركزون على أشخاص أو هم بوق من أبواق أحد منتخبي المجلس.
قصارى القول، هل يمكن تحقيق تنمية ترابية-محلية تراعي مقاربة الحكامة والتنمية العادلة بنوعية الفاعلين الذين لا يفقهون في مقاربات التنمية ومفاهيمها شيء؟ ولا يجدون القراءة والكتابة؟ ولا يفرقون بين أن تكون منتخبا تمثل دوار ومنتخبا تمثل جماعة ترابية؟
بطبيعة الحال تحقيق التنمية في أمس الحاجة لوعي سياسي، واجتماعي واقتصادي واداري وقانوني وحقوقي..إلخ. ويغتر كل من يتصور أنه يمكن للفاعل السياسي الذي لا يجد القراءة والكتابة والتواصل أن يقوم بتنزيل المقتضيات الدستورية، والقانونية والعلمية والتنموية بدون ثقافة، ولا رصيد معرفي، ولا دراسي، ولا وازع ديمقراطي وحقوقي.
وهنا مكمّن أزمة تنزيل رؤية الحكامة والتنمية العادلة. فلا يمكن أن تتم تنزيل هذه الروى في إطار مجالس جماعية، منها من يهيمن عليها الجهل المركب ويكون هذا الجهل “عقلا” يسير شأنها التنموي، هذا العقل الذي تتحكم فيه بينة عميقة تتشكل من اعتبار المصلحة الشخصية أولوية الأولويات، يتحرك مثل نوعية هذا الفاعل بحسابات شخصية واعية، وسياسوية تعتمل في نواتها الغنيمة، والسمسرة في أوراش التدخل التنموي الجماعي وتوجيهه نحوى ما يحقق ذلك بمواربة متقنة، يجعل من استراتيجية سياسة الارتشاء، محدد من محددات التأثير وتحقيق الأهداف، وبلورت أنواع التدخل في اعداد مشاريع التنمية المعطوبة.
نتمنى أن نكون على خطأ، وتفاجئنا مثل هذه المجالس بتحقيق الحكامة والتنمية العادلة في حدود جماعتها الترابية.