آراءسياسة

حكومة الكاظمي السودانية بعد 180 يوم

يحاول الرئيس السوداني، تنعيم بَشَرَة أداءه الحكومي، قبل مجيء يونيو، بـإعادة تفصيل الحقائب الوزارية في كابينته، وفق مقاساتِ أشخاصٍ جُدُد، بمقصِّ الإقالة. أيضاً، أعلن رغبته، بتغيير قِماشة الطبقة البيروقراطيَّة؛ التي تقود مؤسسات الدولة العراقيَّة. الأدبيات القانونيَّة السائِدة، تُسمي المنتمين لهذه الطبقة بـ “أصحاب الدرجات الخاصَّة”.

المُفارقة، إنَّ أدبيات الميديا العراقيَّة، بدورها، و التي نستطيعُ وصف معظمها، بأنها فمٌ للنظام، ولِسانٌ للأحزاب، اعتبرت التغيير الوزاري، طحيناً شبع طحناً؛ فاللوائح الحزبيَّة؛ التي قُدِّمت لرئيس الحكومة، محمد شياع السوداني، لتشكيل الكابينة الوزارية، كانت و منذُ البداية، مليئة بأسماء عدَّة مُرشَّحين و لكُلِّ وزارة. بالتالي، سوف يأخذ رئيس الحكومة، الحقائب الوزارية، من زيد ليعطيها إلى عمرو.

اللِّسان الحزبي للميديا المحليَّة، وَجَدَ، أن يافطة أصحاب الدرجات الخاصَّة، تحديداً منصب: وكيل وزير، مدير عام، و محافظ، هو الرغيفُ الساخن؛ الذي يجبُ تقطيعه، رغم أن الفئات البيروقراطية المنتمية إلى هذا التصنيف، واسعة.

و نسألُ هنا: ما وراء يونيو وما سبب إشعال أفران التغيير للوزراء و أصحاب الدرجات الخاصة!؟

الرئيس السوداني، يحاولُ إزالة طبقة، من الجِلْد الإيراني، عن حقائبِ كابينته الوزارية، و هدم نسبة من “المكاتب الاقتصادية الخاصَّة” للأحزاب؛ التي هي مستمرة، و منذُ عقدين من الزمن، بلعبِ دور المبازل، للخدمات و المشاريع العامَّة، و قناة لإيصال أموال الدولة، بشكلٍ صافٍ، إلى جيوب المسؤولين الفاسدين. طبعاً، ليس من المهم بالمرَّة، القيامُ بذلك.

الأهم، هو قُدرة تصريحات رئيس الحكومة، على أخذِ “سيلفي” دولي له، قبل وصول قاطرة الزيارة الأمريكيَّة، في يونيو القادم.

المائة و الثمانون يوماً، تقريباً، و التي مرَّت على رئاسة السوداني للحكومة، تقييمُها مهمٌ حصراً، للهوس الحزبي. على وجه الدَّقة، للعُصب الميليشياوية الإيرانيَّة، الصغيرة، و تلك التي خلقها الصراع السياسي، مثل ميليشيا عصائب أهل الحق، من قبل رئيس الحكومة الأسبق، نوري المالكي، لتقليم أظافر ميليشيا جيش المهدي، التابع للتيار الصدري.

الصغيرة و مخلوقات الصراع السياسي، على وجه العموم، امتلكت ريشاً برلمانيَّاً جيَّداً، بعد انسحاب التيار الصدري، من الدورة البرلمانيَّة الأخيرة، لكنها مازالت ذات زغبٍ حزبي، على اعتبار إنَّها واجهات لأحزابٍ أكبر، أو تنتمي مباشرةً لبلدها العقائدي؛ بلد ولاية الفقيه.

كائنات الريش و الزغب هذه، تُريد أن تعرِف مصيرها، قبل أن تدق ساعة الانتخابات القادمة. هكذا فإنَّ مهمة الرئيس السوداني، هي تحفيزُها على اختيار، إحدى البيوت السياسيّة العتيقة. ولهذا ربّما، لم يكن تصريح عمار الحكيم، أمين عام تيار الحكمة “الشيعي”، جُزافاً، عندما ذهب إلى قُرب انتهاء “المرحلة الانتقالية” للنظام السياسي؛ الذي ولِد بعد 2003م. علماً إنَّ لغة الحكيم الشاب، في تصريحاته السياسيَّة، دائماً ما كانت نظيفة و بخيلة، لكي نحصُل منها على تأويلٍ واضح. عادةً ما تحاول أن تترك آثار معركة، و غنائم مؤرِّخين. الباقي، الغير قابل للتلميع السياسي؛ سيكون جُلُّه ضحايا ورحَّالة.

رئيس الحكومة، مهتم حقيقةً، بمعرفة مديات نجاح عملية الجِراحة التجميلية للنظام، و التي قام بها سريعاً، بعد ترأُسِه للحكومة، حيثُ استطاع ضمان الحضور الكامل، لجميع مكوِّنات ” الإطار التنسيقي “، في صالةِ عمليات، إزالة شِعار جدولة “انسحاب أو الانسحاب الكامل” للقوات الأمريكيَّة من العراق. كذلك هو يُلقي بالاً، لعرضِ نتائج التبييض السياسي لوجه حكومته، و التي بدأها فؤاد حسين، نائِبُه و وزير الخارجيَّة أيضاً، خلال زيارته إلى واشنطن، في فبراير 2023م.

الوزير حسين، قدَّم الرئيس السوداني، أمام مراكز البحوث الأمريكيَّة ( معهد اتلانتيك ) في 15 فبراير 2023، كخلفٍ لرئيس الوزراء السابق، مصطفى الكاظمي. لم يكتفِ حسين بذلك؛ بل زاد بالإشارة، إلى أن موسى “ورقة الإصلاح البيضاء” للكاظمي، يُدامُ شحذُ شفراتِها بعنايةٍ من قبل السوداني. إذاً نحنُ أمام حكومة الكاظمي الثانية، أو حكومة الكاظمي السودانية/ أو “الإطاريَّة”.

واشنطن، لم تدَّخِر وسعاً، و على لِسان باربارا أ. ليف، مسؤولة الشرق الأدنى، في وزارة الخارجيَّة الأمريكيَّة، بإرسال إشارات إيجابية لبغداد، عندما دعَّمت موقفها من حكومة السوداني، بخُرسانة مُسلَّحة من الكلِمات، طابقت ما ورد في البيان العراقي الأمريكي المشترك، بخصوص اتفاقية الإطار الاستراتيجي بين البلدين، و الذي بحسب الطرفين، أشار إلى ضرورة وضع أزرار حقيقية لبدلة الاتفاقية: اقتصادية، اجتماعية، و غيرها، بدلاً من الزر الأمني اليتيم. ليف، اختارت مفردات خبَّاطة: “نحنُ مع العراق 360 درجة”.

السؤال المفيد و الأخير: ما الذي يمكننا توقعه حقيقةً من حكومة الكاظمي الإطاريَّة؟

القيمةُ الأمريكيَّة لحكومة العراق الآن – ما قدَّمته من عروض – إنَّها تلعبُ دوراً مفهوماً. الشقُّ الأول من هذا الدور، إيراني. هي تعرِضُ على واشنطن، صفقة سويسريَّة مُعدَّلة. الأصليَّة، و بحسب تريتا بارزي، مؤسس المجلس الوطني الإيراني الأمريكي، في كتابه (حلف المصالح المشتركة/ التعاملات السرية بين إسرائيل و إيران و الولايات المتحدة)، نقلها القائم بالأعمال الأمريكيَّة، السفير السويسري في إيران، بعد الاحتلال الأمريكي للعراق، سنة 2003م. خُلاصتُها: مساعدة الولايات المتحدة، على تأسيس دولة مدنية و ديموقراطية في العراق، خالية من تجاعيد الإسلام السياسي.

التعديل الذي جرى على الأصليَّة، في 2022-2023، إنَّ طهران، تريدُ عودة واشنطن، إلى ليالي فيينا النووية، بدون مرور الصفقة، في الأنابيب المشتركة، بين “إسرائيل” والمؤسسات الحزبيَّة الأمريكيَّة. تودُّها أن تكون، من الأصول الجيوستراتيجية الصافيَّة للعاصمتين.

الشقُّ الثاني، سيناريو النظام السياسي في بغداد. هو مختلف و متواضع، جدّاً، قياساً بما يريدهُ الآريون الافتراضيون و اليانكي. لا يريد سوى توثيق القياسات الأمريكيَّة و الإيرانيَّة، المطلوبة منه، قبل أن يترك مرحلة النظام الانتقالي، و يُعيد تأسيس الدولة العراقيَّة، على صورة الأحزاب العتيقة، و التي نجحت في ترك مساحة هامشيَّة، لطبعة أحزاب “مستقلة”، صغيرة و عصبويَّة، تكون بديلاً عن المكوِّن الميليشياوي.

إعادة توزيع “الدرجات الخاصَّة”، بالطبع، له علاقة وثيقة، بقيمة الأحزاب المُعتَّقة، مثل حزب الدعوة الإسلاميَّة، في التأسيس الجديد، بعد الانتهاء من حفلة الشرعيَّة الديموقراطية، في الانتخابات المقبلة، و تشظية البيت “السُّني”، إذ إنَّ الصراع مع الرئيس النيابي، محمد الحلبوسي، ليس لإضعاف هذا البيت فقط، و إنَّما لتوفير النفوذ، لأحزاب الإسلام السياسي “الشيعي”، في مناطق العراق الغربيَّة. تلك التي لن تمتلِك نفوذاً هناك؛ ستكون عُرضة لانخفاض درجة ائتمانِها السياسيَّة.

يكادُ ينطبق ذلك على البيت العراقي الكردي، و الذي يحاول “الإطار التنسيقي”، زيادة حصَّة حزب الاتحاد الوطني الكردستاني فيه، على حِساب الديموقراطي الكردستاني.

نستطيع القول أن واشنطن و طهران، تمتلِكان فُرصة ربحٍ صافي، لمشاريعهِما مع بغداد، و نِظامها السياسي؛ الذي يُعاني من خيالاتٍ استشراقيَّة، لا تتفق مُطلقاً مع حقائقه التاريخيَّة، حيثُ لن يعدو دوره، سوى القول: رحِمَكُم الله على ما سبق و أن عطست به عواصِمُ القرار.

https://anbaaexpress.ma/nug7w

مسار عبد المحسن راضي

كاتب صحافي وباحث عراقي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى