بقلم: عفاف خلف.. روائية فلسطينية
ولدتُ لأروي، ذاك الفعل الذي يستدعي ولادات عدة، يستدعي ” حيوات ” عدة، ويستجلب مخزون الوعي وما تراكم وما يُعاش. عشتُ لأروي لأصير الشاهد / الناطق على ما صار / ما يصير / وما سيأتي.
أذكرُ كيف كان ذاك السؤال يقض مضجعي، وكيف لم أستجمع زمام شجاعتي طوال سنوات الدراسة الجامعية لأسأل أساتذةً قرأت لهم كيف صاروا ” كتّاباَ / رواةَ وشعراء “، من أي طينةٍ يُصنع الرواة، وما الكثيف المعاش الذي يشوي صلصالهم ليصيروا ” فخّار ” الحكاية، تنضح من حوافهم الحروف!
في المراهقة كنا نلعب لعبة كتابة اليوميات وكنا نفتعل الأحداث لتفتعلنا الحياة، ونقنع الحياة ” أننا ” صُناع الحياة. لم نكن نملك خيط القص الذي يخلق زخمه، ولا أجنحةً صّلبَ عزيمتها الطيران، كنا زغباً يتحسس معناه، وكنا المحور، ” كسلفي / كنرسيس ” لا تعكس مراياه سواه.
سيقول غارسيا، حين تستنفد ذاتك أبحث عن ” حكاية ” من هنا يبدأ خط القص، وسأغتني منه بكتابين عن الرواية والقص، وسيظل ماثلاً في ذهني ” كومة الشعارات ” التي دهكتها عجلات قطارٍ أمريكي منتقلاً من ” ولايةٍ ” لولاية! وكيف تُنسج الحكاية على ” عجل ” العادي والمعاش واليومي تغذيها ” الملاحظة “! تلك اليرقة داخل ” شرنقتها ” لن ” تتفجر ” بالولادة ما لم تأتِ سيارة الأيام و” النضج ” لتجمعها ” فراشة / فراسة ” !
سأتذكرُ غارسيا مرةً أخرى معلقاً حول مادة روايته ” الجنرال في متاهته ” قال: اشتعلت الفكرة من جملة واحدة: ” بعد رحلة طويلة ومضنية عبر نهر مجدلينا، مات في سانتا مارتا مخذولاً من أصدقائه” وكتبت مائتين وثمانين صفحة في حدثٍ أهمله المؤرخون وفيه تكمن كارثة البلاد!
هذا الاشتعال الهارب من جملة، ذاك الزناد الذي أشعل حرائق الكلمات لتنتظم داخل رواية، تلك البلاد التي حملت تنوعاً وزخماً وأحداثاً لم تكنسها الحياة لأنها ظلت حية في نسيج البلاد.
سيفجؤني كم ” الفردية ” في النصوص! كم ابتعد الكاتب / الشاعر عن القضايا، كيف ما عاد للكاتب هوية سوى ” هويته الفرديه ” / أنا الإخطبوط ذي الثلاث قلوب / واحد لي، والآخر لي، والثالث لي، وأنا كوكبي، فسبحوا لي عابدين، التقطوا ما ” انتثر ” مني، فأنا الجوهر /.
والقشرة واضحة، قضايانا القشور، فارموا بالقشر إلى القرود يخرج من أرحامها شعب ” قطيع “، يخرج من أرحامها ” كاتب ” الذات واللذات هادم ” الجمع ” ومفرق ” الحيوات “.
سيسألني صديق توجع: ما تأثير الحمل على الكتابة!
الاتحاد السوفيتي الذي أفرغ حمولة الأدب ” الجمعي / الجامع ” بطلقة غلاسنوست وبروستريكا ليفسح المجال لحملٍ رأسمالي يكاد يضيق بالرحم ” لتضخم ذاته “.!
وسأفتني شعار ” الفن من أجل الفن “،” وبعدي ولا نزل القطر ” و ” كافكا ” الكثير من كافكا، كل العالم ” مسخٌ ” وحدي الإنسان.