حاوره كريم الحدادي
كيف تقيمون النشاط المسرحي اليوم في المغرب؟ وأي دور للجامعة في تكوين الشباب في هذا المجال؟
إجمالا، إن تقييمي للنشاط المسرحي في المغرب في اللحظة الراهنة هو تقييم إيجابي، بالنظر للدينامية المسرحية المغربية بمختلف حساسياتها وانتماءاتها، ذلك أن المسرح الاحترافي يعرف تواترا في الإنتاج والحضور المكثف، سواء من الناحية الكمية أو من الناحية الإبداعية، لم يعد مسرحا تجاريا صرفا كما كان في السابق، بل شمل الاحتراف تجارب مسرحية تتجاوز القوالب الكلاسيكية التي نمطت المسرح لفترات طويلة، وانفتحت أيضا على مسرح للبحث والتجريب.
الهواة والشباب أيضا يتفاعلون مع جرعات التكوين المسرحي التي يتلقونها… سواء في إطارات تكوينية منظمة أو في إطار ورشات متفرقة.
الجامعة، طبعا، يمكن أن تؤدي وظيفة مهمة في تطوير المشهد المسرحي المغربي، والارتقاء به من خلال الجرعة الأكاديمية التي لا يمكن إلا أن تكون مهمة ومفيدة؛ صار لدينا إجازات مهنية في المسرح والدراما والمهن الفنية، صار لدينا “ماسترات” متخصصة في الدراسات المسرحية… مع ما يمكن تسجيله عليها من ملاحظات وانتقادات فهي لا تخلو من أهمية وإفادة.
بحكم تجربتكم ككاتب، ناقد مسرحي ومدير فرقة “مسرح أبعاد”، ما هي أهم شروط النهوض بالفعل المسرحي بالمغرب؟
لن أطيل كثيرا في الإجابة عن هذا السؤال، وسأكتفي بشرط واحد طالما رددته وناديت به، وعملت به أيضا في لحظات كثيرة داخل تجارب فرقتي، “مسرح أبعاد”، وهو شرط التكوين، La formation؛ طبعا مهم جدا أن تحضر الموهبة والرغبة والدافع للاشتغال بالميدان المسرحي، لكن أكل كل هذه الجهود لا يمكن أن يتأتى إلا بالتكوين المسرحي الجاد والرصين والمستمر، ودعني من تكوينات الورشات المنسباتية من يوم واحد أو يومين بالموازاة مع فعاليات مهرجان ما أو تظاهرة مسرحية.
بل تكوين منظم قائم على استراتيجية واضحة، مع تحديد مجالات التكوين المسرحي بتكامل، وضبط الاليات الإجرائية لتنفيذ هذه الاستراتيجية التكوينية، اليات أكاديمية، رصينة بمؤطرين متخصصين.
صدر لكم دراسة تحت عنوان “جمالية العرض المسرحي” بالعراق. ما هي أهم مضامينه وأهدافه؟ وكيف يمكن للتأليف المسرحي أن يؤسس لثورة مسرحية بالمغرب؟
في الحقيقة، أفضل أن يقرأ الباحث والمهتم بالشأن المسرحي الكتاب نفسه، ويتعرف إلى مضامينه مباشرة دون وسيط، وعموما فكتاب “جمالية العرض المسرحي” يندرج في إطار المسار العام لاشتغالي بالجماليات عموما، والجماليات المسرحية على الخصوص، وهو – أي الكتاب- اقتراح منهجي لقراءة العرض المسرحي، اقتراح يتجاوز اعتماد المناهج السياقية والنسقية للخطاب المسرحي، لكونها أثبتت قصورها، وعدم كفايتها المنهجية في الوصول إلى خصوصية الخطاب المسرحي، التي غالبا ما يتم اختزالها في ثنائية نص-عرض.
والاقتراح المنهجي الذي أطرحه في الكتاب هو المقاربة الجمالية للخطاب المسرحي التي يمكن أجرأتها باعتماد المستويات الكبرى في العرض المسرحي:
– جمالية التفضيء في العرض المسرحي.
– جمالية الاشتغال التنقي لأدوات العرض المسرحي.
– جمالية التمثيل في اللعب المسرحي.
– جمالية الكتابة الدرامية في المنجز النصي الذي يعتمده العرض المسرحي.
لكن انطلاقا من تكامل هذه المستويات، شاركتم في ندوات وطنية ودولية خصوصا بالإمارات العربية المتحدة، تونس ومصر… ما مكانة المسرح المغربي، خصوصا مسرح الشباب اليوم بـ”العالم العربي”؟
في الحقيقة، ليس شوفينية ولا مزايدة القول إن المسرح المغربي يعيش أفضل فتراته عربيا، وهذه حقيقة يؤكدها نقاد ومتابعون ومهتمون ومنابر من خارج المغرب.
صحيح أن المشهد المغربي الحالي مشهد مركب بمستويات مختلفة، ومازالت به تجارب هشة وأخرى تقادمت، لكن نفسا جديدا وحساسية إبداعية مسرحية تطفو على السطح، مع مخرجين شباب، ورواد متجددون ونخبة متميزة من الممثلين والتقنيين والسينوغراف… منحوا المشهد المسرحي المغربي دماء جديدة، وحياة لافتة تأخذ المسرح المغربي إلى مراتب مهمة.
ويكفي الاستدلال على هذا الكلام/الحكم بما حققه المسرح المغربي عربيا خلال السنة الفارطة، فالجائزة الكبرى لمهرجان المسرح التجريبي بالقاهرة كانت مغربية بمسرحية “شطارا”، وجائزة قرطاج المسرحية بتونس كانت مغربية أيضا بمسرحية “حديقة الأسرار”، والجائزة الكبرى لمهرجان الأردن كانت بدورها مغربية بمسرحية “بريندا”… وبعيدا عن الجوائز فالحضور المسرحي المغربي إبداعيا ونقديا لم يعد خافيا عن أي متتبع أو مهتم بالشأن المسرحي العربي.