مجتمعمنوعات

نوستالجيا العيد “الصغير”

إسماعيل الراجي 

في عمق أي ثقافة تتموج أمواج من المعاني الكامنة في متن العادات والتقاليد والطقوس، ولعل عيد الفطر وعيد الّأضحى هما من بين الأيام التي لهما اعتبارات خاصة في الثقافة الشعبية، بعد مكانتهما الدينية عند المجتمعات المسلمة.

يطلق المغاربة على عيد الفطر “العيد الصغير” وهو أول عيد المسلمين، بينما ثاني عيد هو عيد الآضحى الذي يطلق عليه العيد الكبير. محطة العيدان في الزمن الاجتماعي، من محطات مسرح الحياة الاجتماعية والثقافية التي تشتد فيها ناستالوجية من قبل ذوي السن.

في حالة عيد الفطر، الذي هو من الايام المعلومة التي تستمد قوتها من المقدس، وتطبعه الثقافة الشعبية بنكهة فولكلورية تتراوح بين الفرجة والقول، وشتى أشكال الابداع في الثقافة الشعبية من عادات وتقاليد تهم مجموعة من جوانب الحياة.

علاقة المجتمع موشوجة بالعيد كزمن اجتماعي مرجعي، دال على الانتقال من شهر أو قل فصل روحي إلى فصل آخر، ولذا خصصت دوحة الثقافة الشعبية قسطا وفيرا من العادات والتقاليد بحلول مناسبة العيد.

في كل يوم عيد، يستبد الحنين ببعض أفراد المجتمع، وعلى رأسهم الشيوخ بالماضي القريب، ماضي حياة الآباء والأجداد ومن ورثوا عنهم جيناتهم الثقافية الشعبية والعادات والتقاليد والطقوس، وسمتها.

مفارقة الحنين في المجتمع القروي وبعض الحواضر تبرز في عدة حيثيات في المجتمع، فعلى هامش ديوان العائلة والتواصل والتعامل والمطبخ والضيافة والتعاون، وهلم جرا من مجريات الحياة الإجتماعية والاقتصادية والثقافية…التي تبرز وجنة الحنين على وجوه المسنين، للأيام التي كان فيها زمنهم يزخر بالعادات والتقاليد التي ارتضاها العرف.

حسب صوت الثقافة الشعبية في بعض الدواوير المعبر عليها من خلال لغة الوصف والمقارنة من قبل ذوي السن؛ العيد الصغير في حاضرة السنوات المعاصرة، مغاير لحالة الاحتفال في الماضي القريب. عمق هذا الكلام ثاوي في الرواية الشفوية التي تخرج من شقوق الذاكرة المحلية الموشومة بزخارف الأعراف والتقاليد التي أعطت بهرجة للحياة.

تتصدع من ذاكرة المسنين، كلمات وعبارات تقول كل شيء:
– آه.. آه أليامّ؛
– فينك ليام؛
– يام بكري؛
– مشات ليام؛
– دازت الوقت؛
– يام رمضان رمضان ولعيد عيد…

وهلم جرا، من العبارات الدالة في الحقل الدلالي الاجتماعي والثقافي الشعبي على المقارنة بين أيام الماضي القريب والأيام المعاصرة وعلى رأسها أيام الأعياد.
تحكي سيدة عاصرت أعيادا في ستينيات القرن الماضي، والوقت الحاضر تقول؛ كان للعيد الصغير حسب اللغة المستعملة محليا “بسرو وبراكتو… كلشي كان بگودو..” اما حالة أعياد اليوم حسب رأيها، وعلى رأسها أيام عيد الصغير، فهي “تغربت” في العديد من تفاصيل الإحتفال والتواصل والعلاقات الاجتماعية.

إنه احساس بزمنين؛ زمن أيام الماضي القريب، وزمن أيام الحاضر. فالعديد من أفراد المجتمع وعلى وجه الخصوص ذوي السن – ذوي الشيخوخة في المجتمع القروي، في عمق نهر الحياة الجارف، نصف الجسم يغمره ويلامسه ماء النهر البارد، والنصف الآخر يلامسه الماء الدافئ، فبين الحالتين الفيزيائيتين برزخ، الحاضر يملي املاءاته والماضي يملي حنينه. فالحنين يشتط بصاحبه للماضي وييمم وجهه نحو أفق “زمن البركة”، والولادة تحت سقف البيت على يد قابلة، والصبا والنشأة في وسط مشهد طبيعي فلاحي عتيق متوارث كالمحراث الخشبي. في هذا الزمن-زمن الماضي القريب، هناك حيث تشكلت شخصية الفرد المخضرم، لبنة لبنة، وفطمت على النسق الاجتماعي والثقافي المهيمن، وتوطدت رابطة الحنين بتيمة القاعدة والعرف. هذا الماضي الذي كان مسرحا لأحداث اجتماعية وسياسية واقتصادية، من بينها، تمرد فيها الجوع على المغاربة وهزمهم في أشواط عدة من سنوات القرن العشرين.

إن الحنين، كآبة ولدت من رحم “الحسرة” على ما فات في الماضي وانقضى زمنه، وبعد عن حاضرنا، كل محاولة للرجوع له واستحضاره وبعثه بشكل عرضي أو قصدي لا يحقق بالمعنى الحرفي، قد يتم إعادة القاعدة والعرف.

لكن، بلا طعم فالذهنيات تتباين بين الماضي القريب والوقت الحاضر. لذلك يعتمل الحنين والذكرى والحكي من أجل ابطاء سرعة إيقاع الحياة التي تسير بسرعة نحو نسق مغاير لما قبله.

النستالجيا، يستنشق من خلالها اريج الماضي الذي فات، وابتعد بإنسانه وشخوصه ومناخه وثقافته…نوع من الهروب القصري من سطوة ألوان الحياة الاصطناعية إلى ألوان الحياة الطبيعية التي قد تحقق غاية لذة التذكر بعد محاولات اجبار الذاكرة للتركيز على الجانب المشرق.

الماضي، ماضي وانقضى نحبه ببعض تفاصيله غير القابلة للاستمرار، والحاضر حاضر مفتوح على المستقبل الذي ينتظرنا فيه أكثر من احتمال، هل سنتغرب كما الشيوخ اليوم أم سنواكب مخاض التغير والتحول..؟ لكن هل أصلا ستصمد الثقافة الشعبية المحلية أمام موجات ومد الثقافة العابرة للحدود؟

https://anbaaexpress.ma/jhki2

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى