كان يطلق عليه السودان الإنجليزي المصري من 1899 حتى إستقلاله عام 1956، هذا البلد العريق بمساحته الكبير عربيا وافريقيا، الذي شهد أحداث تاريخية وصراعات وثورات، وأهمها:
الثورة المهدية بزعامة محمد أحمد المهدي عام 1881، قامت الثورة ردا على مظالم الحكم العثماني المصري، وبما يعرف بالمهدي الذي يظهر في آخر الزمان فقد وجد تأييدا، وإستمر حكمه إلى عام 1899 حتى بداية الاحتلال الإنجليزي المصري، وحتى الاستقلال في عام 1955.
وما ان حصل السودان على الاستقلال، وبداية الحكم الوطني عام 1956، قاد الجنرال” ابراهيم عبود ” عام 1958 انقلابا عسكريا ضد الحكومة المنتخبة ديمقراطيا، وكانت بداية انحراف السودان نحو عدم الاستقرار، حيث إندلعت الحرب الاهلية في الجنوب بقيادة حركة التمرد ” انيانيا”.
وجاء عام 1969 بالرائد “جعفر نميري” على اثر انقلاب عسكري ليحكم السودان بقبضة حديدية وأهمها اعدام قادة الحزب الشيوعي بعد فشل محاولتهم الانقلابية عام 1971، ولكن السودان شهدت استقرار امني على الرغم من المعارضة للنظام جعفر نميري ،الذي كان يتمتع بعلاقات قوية مع الولايات المتحدة الامريكية وجمهورية مصر العربية ودول الخليج، وعلاقات متوترة مع ليبيا بسبب الاتهامات المتبادلة بين البلدين.
من المحطات المهمة التي زادت من التوترات في هذا البلاد ذو المساحة الشاسعة والامكانيات الطبيعة والثروات المعدنية الهائلة هو إعلان الرئيس نميري، تطبيق الشريعة الاسلامية في البلاد التي يتكون من عرقيات واثنيات مسيحية ..
إندلعت الحرب الاهلية في الجنوب بقيادة العقيد “جون قرنق ” بسبب قيام جعفر نميري تقسيم الجنوب الى ثلاثة اقاليم مما يعد مخالفة لاتفاقية الحكم الذاتي وفق اتفاقية أديس ابابا عام 1972.
لا يكاد يمر عام والا سجل السودان أحداث وخلافات وعدم إستقرار سياسي يزيد من الأزمات الاقتصادية والمعيشية.
تحولات سياسية مهمة
بعد سنوات من حكم الرئيس جعفر محمد نميري، وماشهدته من توترات داخلية وخارجية، جاءت الثورة الشعبية الثانية بعد الأولى في عهد الرئيس “ابراهيم عبود ” إنها ثورة ابريل 1985 والتي ساندها الجيش السوداني بزعامة الفريق “محمد سوار الذهب” الذي ترأس مجلس عسكري والتزم بتسليم السلطة لحكومة مدنية في الموعد، وكان ذلك سابقة التاريخ السياسي في العالم الثالث، وأعطت دليل على وجود وعي المؤسسة العسكرية السودانية!.
جرت أولى انتخابات ديمقراطية في تاريخ السودان عام 1986 بفوز حزب الأمة بقيادة ” الصادق المهدي ” ولكن الغموض في المشهد السياسي والتناقضات وكثرة التوجهات و الايدلوجيات والتي أفسحت المجال للتدخلات الخارجية لا تجعل البلد يستقر بل في توترات مزمنة!.
ولعل الصراع الطويل في الجنوب وبعض الأقاليم كان أحد أهم العوامل في عدم الاستقرار وعمق الازمات، وجد التيار الاسلامي بزعامة “حسن الترابي” الفرصة لكي يقود انقلاب عسكري وتنصيب الفريق “عمر حسن البشير ” رئيسا للبلاد، مما زاد في تعميق الخلافات والتناقضات بين القوي السياسية، وخلق توترات مع دول الجوار وفي مقدمتها جمهورية مصر العربية والولايات المتحدة الامريكية، التي إتهمت السودان بالتحول كقاعدة لرعاية الارهاب والتشدد وإيواء زعيم تنظيم القاعدة ” أسامة بن لادن، وقد اتهمت مصر نظام السودان بمحاولة اغتيال الرئيس “محمد حسني مبارك ” عام 1995 في عاصمة اثيوبيا اديس ابابا.
وقد شهد المشهد السوداني خلاف بين طرفي الحكم الرئيس البشير ورئيس البرلمان “حسن الترابي” وأدى لحل البرلمان وإعلان حالة الطوارئ.
هذا الخلاف بين حلفاء الحكم وإنفراد العقد فتح المجال للحكومة بالانفتاح على أحزاب المعارضة عبر وساطات من دول الجوار، في ظل قضايا شائكة، في دولة تعاني حروب وصراعات قبلية وانتماءات طائفية وقبلية عملت عليها الأنظمة المتعاقبة، وكذلك ايضا وجودالطوائف الدينية و دخول البلاد في إنهيار اقتصادي.
دخلت الحكومة وساطات ماراثونية كان مصيرها الفشل بسبب صعوبة المطالب.. وأهمها فشل مباحثات “نيروبي” للسلام بين الحكومة وزعيم المعارضة جون قرنق واستمرت المباحثات وتوقيع اتفاقيات لوقف إطلاق النار في عام 2005 والذي أسس فيما بعد لاستقلال جنوب السودان!
قضية دارفور
ملف آخر شائكة ألقى بتداعياته على السودان، زاد من التدخلات الخارجية والاتهامات للحكومة السودانية انها “قضية دارفور” التي بدأت بعد خروج سكان الاقليم على الحكومة بسب، فشلها في حل الأزمات والمطالبة بالعدالة الاجتماعية والتنمية والاتهامات للحكومة بالانحياز لطرف، بما يعرف بميلشيات الجنجويد الذين، قاموا بجرائم قتل ضد المواطنين في الاقليم.
مما مهد الطريق لمجلس الامن الدولي الى إصدار عقوبات ضد المتهمون بجرائم حرب وإحالتهم لمحكمة الجنايات الدولية وفي مقدمتها رئيس الدولة عمر حسن البشير، ناهيك عن الصراعات وانعدام الامن والصراعات في الأقاليم الحدودية!.
إستقلال جنوب السودان بداية المخطط
أدت الجراح التي يعاني منها السودان الى بداية إنفراط جزء من جسده الذي يحتوي جل إمكانياته وخيراته في ثلث مساحته و 75 % من ثرواته النفطية وامكانيات زراعية وحيوانية وتوفر المياه وتعداد سكاني قليل.
وبذلك فقد شمال السودان أهم ثرواته التي كان يمكن أن تكون أهم عوامل تحقيق الاستقرار والتنمية والتعايش بين مكوناته.
وكانت النتيجة زيادة المزيد من الانقسام والخلافات بل أصبح السودان ساحة للصراع دولي، في ظل سياسات خلق الأزمات وبؤر التوتر في العالم.
ماذا يحدث في السودان بعد ثورة أبريل 2019؟
مع وقع الاحتجاجات الشعبية ضد حكم عمر البشير وإنضم إليها الجيش السوداني، وسط شكوك بأنها ثورة خرج فيها الشعب وبين من يقول بأن انضمام الجيش هو مجرد تغيير في الوجوه، ولكن العالم اعترف بها في ظل مؤسسة عسكرية عريقة وعميقة تتكون من توجهات مؤيدة للنظام السابق و بين معارضة له؟.
لم يحدث هذا الحراك أو الثورة الذي أشعل فتيله تجمع المهنيين والذي أدى الى إسقاط نظام عمر البشير وطالب المجلس العسكري لتسليم السلطة للمدنيين ..ولكن ذلك لم يتحقق بسبب رغبة العسكريين البقاء في السلطة.
وترشح رئيس المجلس اليسادي “عبدالفتاح البرهان” للرئاسة، وقد قام بحل حكومة رئيس الوزراء “عبدالله حمدوك” واعتقاله، وإعلان حالة الطوارئ.
وحدث ذلك في انعكاس واضح لافشال التحول الديمقراطي في البلاد من طرف العسكريين التابعين للنظام السابق وتحديد التيار الإسلامي، الذي يرفض محكمة عمر البشير ورموز نظامه.
ما وراء الاحداث الجارية
يبدو أن تحالف الجيش بقيادة “عبدالفتاح البرهان” وقائد قوات الدعم السريع، “حمدان دقلو” كان مبني على أساس غير صحيح حيث كان حمدان دقلو حليف للرئيس عمر البشير إبان الأحداث في دار فوار وأطلق عليها قوات الدعم السريع.
وورثه رئيس المجلس السيادي البرهان وتحالفا على إسقاط حكم البشير، وتولى حمدان دقلو نائب رئيس المجلس ويبدو أن ذلك لم يرضي بقية أركان المؤسسة العسكرية، والتي تطالب بحل أو دمج قواته في الجيش السوداني وهذا ماشعر به، حمدان دقلو والذي إختار الانحياز للمدنيين في المطالبة بتسليم السلطة وفق الإتفاق الإطار، ومحاكمة عمر البشير ورموز نظامه
كذلك التنافس على من أجل السيطرة على المؤسسات، الإقتصادية التي تشكل أهمية كبيرة للطرفين، بمعني انعدام الثقة بينهما، وهذا ما أوصل الأمور إلى نقطة اللا عودة!
التدخلات الخارجية ودورها في الصراع
يعتقد بعض المراقبون بأن مايحدث في السودان في جانبه الخارجي هو لعبة دولية تأتي في إطار خلق أزمات بسبب صراع الكبار، مما يندر بمزيد الفوضي ومحاولة إستهداف دول جوار السودان وفي مقدمتها جمهورية مصر وتوريطها في السودان.
كذلك ليبيا التي تعاني من الانقسام وعدم الإستقرار، وسوف تتأثر دول الجوار بنزوح أعداد كبيرة من المدنيين، وزعزعة الأمن، وما يحمله من مخاطر، ويحدث ذلك في ظل والتسابق الأمريكي.. الروسي.. الصيني.. على المنطقة.
وهناك مخاوف من استفادة إثيوبيا من الفوضي وضعف، السودان في ظل خلافات حول سد النهضة الذي يؤثر على مصر، والتدخل في أراضي السودان.
ولا ننسي الدور الاسرائيلي المتغلغل في المنطقة ومنها العلاقة التي اقامها النظام السودان في اعتقاد منه بأن مفتاح الحل للأزمة والطريق لكسب الولايات المتحدة الأمريكية.
ونعتقد بأن هذا التفكير هو بمثابة الجهل أو العمى السياسي الناتج عن الضعف والانقسام الوطني، أما موقف الأمم المتحدة والجامعة العربية والإتحاد الإفريقي لم يكن في المستوي المنتظر منه في التدخل لا يجاد حل، مما ينذر بأن تلحق السودان بركب الدول التي تعاني من الفوضى ومزيدا من الانقسام ؟!