آراءثقافة

نحو لوغارتم قرآني جديد

الأدوات المعرفية المساعدة

أمام إشكالات كتب التفسير علينا تأسيس مدخل (Approach) لتقريب القرآن إلى الجيل الجديد، بحيث يمكن ترسيخ العقلانية في فهمه، باستخدام العلوم الحديثة، والانتقال من زحمة التفاسير القديمة والتي في قسم منها لا تقرب القارئ من روح القرآن إلا بعدا؟ بأسلوب أزعم أن فيه شيء من العقلانية والارتياح، بل ووضع منهج جديد لفهم القرآن الذي يمثل حقيقة كونية مثل ضوء القمر ودوران الشمس وغمامة الالكترون وبناء الذرة والكود الوراثي.

سوف أسلط الضوء في محاولتي هذه على بعض آيات مستخدما أسلوبا مختلفا لفهم الآية أو هكذا أزعم عسى أن يكون مقدمة لتطوير البحث كله للمستقبل. وهذه الأفكار التي سوف استعرضها، والأدوات التي استخدمهاـ لفك إشكالية بعض الآيات، هي خلاصة مكثفة لأفكار تخمرت معي خلال نصف قرن ويزيد. هذه الأفكار ضمنت بعضها في لمحات في كتب لي مما ألفت ونشرت، وفي قناعتي العميقة ومن خلال احتكاكي المطول مع شباب الحركة الإسلامية أن مثل هذه الأفكار سوف تخدم في نقل الفكر المتدين من مرحلة التقليد والنقل إلى التنوير والعقلانية وتشكيل العقل النقدي، بل واستئصال سرطان العنف.

واعترف للقارئ وبكل أمانة أن الله أعانني فحفظت كتاب الله وعكفت على دراسته ثماني سنين عددا، تبين لي من روح المعاني الشيء الكثير، ولكن ما زلت ـ وأنا أقرا القرآن بشكل رتيب ودوري ـ أمام الكثير من الألغاز في بحر القرآن، وهو أمر متوقع، ومن يزعم خلاف ذلك فقد جانب الحقيقة. ولكن بالمقابل فقد توضحت لي معاني الكثير من الآيات بفضل تسليط الضوء أو لنقل استخدام أدوات معرفية جديدة لفك لغز الآية أو سرها العميق.

سوف آخذ بيد القارئ ـ المهتم والمتابع والحريص ـ إلى جنات من المعاني وظلال رائعة من الفهم وتحليق من علو على طبيعة ساحرة من حقول القرآن. وهنا ملاحظة قيمة عن طرق الوصول إلى مفاهيم القرآن؟ وهل ثمة طريق أحادي لإمساك المعنى في الآية؟

بالطبع هناك الكثير ممن زعم أنه قنص المعنى، فباقر الصدر العراقي تكلم عن شيء اسمه التفسير الموضوعي، وقاسم حمد السوداني تكلم عن المنطق الداخلي للقرآن، والشحرور فرق بين القرآن والكتاب، واستخدم اللغة كمفتاح للدخول إلى مغارة علي بابا، وسيد قطب المصري تحدث عن شيء اسمه ظلال القرآن. ولكن وفي قناعتي العميقة أن الوصول إلى السر ليس سهلا ولا متاحا بدون تطبيق منهج الأدوات المعرفية المساعدة؟

سوف أحاول تطبيق هذا المنهج على العديد من الآيات لنرى إلى أين نصل في فهم القرآن واستخدامه كنور يضيء لنا طريق الحياة، هذا إذا كنا اعتبرنا أن القرآن هو حقيقة كونية مثل ضوء النهار وعتمة الليل وتركيب الذرة والجينات في الخلية، فكما كان هناك وجود كوني مادي وروحي فالقرآن بالمقابل هو حقيقة كونية.

والفرق بين الأمرين كبير بمعنى أن تركيب الكود الوراثي أو البناء الذري أو تشريح جسم النبات وعمل الخلية والبكتريا يمكن الوصول لها بالمجهر كما كان تلسكوب (هابل) في الفضاء ينقل لنا أسرار الكوزمولوجيا. أو التلسكوب الجديد الذي أطلق في 25 ديسمبر 2021، الذي سيفوق دقة تلسكوب هابل المسمى (جيمس ويب)  والذي سوف يستقر على بعد 1,5 مليون كم.

المشكلة في القرآن مختلفة فهي هنا لغة ولغة عربية، ومنها فقد حاول الشحرور الشامي فهم محكم التنزيل بأداة اللغة، كما فعل (محمد عنبر) أيضا في كتابه (جدلية الحرف العربي)، فطالما نزل القرآن بلسان عربي مبين فقد أصبحت المسألة سهلة، ويمكن بأداة اللغة فك مغاليق القرآن وأسراره، وهذا كما سوف نرى محض وهم.

عندنا أيضا مشكلة إضافية في كتب التفسير، فهي في غالبها سدود أمام الوصول إلى القرآن، وهو ما يرد أيضا على منهج فهم القرآن باللغة، أو تفسير الآية بالآية كما فعل ابن كثير، وكان ناجحا في عصره، ومالك بن نبي المفكر الجزائري في كتابه (الظاهرة القرآنية) قال على نحو واضح أنا عاجز عن فهم البلاغة في القرآن، وعندما يأتي الخبر عن سجود المشركين مع قراءة نبي الرحمة ص على المشركين سورة النجم وسواها يقول بن نبي: اعترف أنني لا أدرك البلاغة تماما، فلا بد من مدخل إضافي أو دليل ودعم من شيء مختلف، ويملك من أدوات الديمومة ما تخضع له الرقاب فما هو يا ترى؟ هنا يستعرض (مالك بن نبي) الظاهرة القرآنية، ويحاول مثلا من سورة النور أن يتصور أن آية المشكاة هي كناية واضحة عن المصباح الكهربي الحالي؟

هنا ندخل على القرآن من مدخل جديد اجتهد فيه الكثيرون وتعقد له المؤتمرات، ودعيت أنا شخصيا أكثر من مرة لتمثيل هذا الاتجاه، كوني كتبت أول كتاب لي بعنوان (الطب محراب للإيمان) استخدمت فيها الآية وعلاقتها ببعض الحقائق الطبية كما في التأكد من الحمل أربعة أشهر وعشرا، والظلمات الثلاث، وسقوط مبدأ الصدفة والحتمية، والقرار في الرحم، وتنوع الهورمونات واشتقاقها من مصدر واحد، كما في الحامض الأميني (التيروزين) وتحوله إلى (تيروكسين) وهو عنصر وهورمون الفعالية في الغدة الدرقية.

هذا الاتجاه نما وتضخم مثل الورم المؤذي الضار، تحت حماس لا يوصل إلى ما يريده أصحابه، وهو زعم أن الآية القرآنية تحمل معنى علمي محدد، وهو سبق في القرآن، وبالتالي الدليل القطعي على أن مصدر القرآن هو من الله الذي يعلم السر وأخفى.

أذكر في هذا الصدد العديد من القصص، أحدها كانت مع سيدة فرنسية في مونتريال تزوجت من شاب مسلم جزائري وتنقبت وتحجبت وكانت في غرفة جانبية وزوجها ينقل لنا مثل ساعي البريد الحوار.

قالت حين سألتها عن سبب إسلامها أجابت القرآن حين نستعرض آيات البر والبحر الموجودة في القرآن نصل إلى النسبة الجغرافية تماما بين اليابسة والبحر 79 و21 بالمائة. قلت لها حسنا أنا لم أحصها تماما ويجب وبتجرد وحياد كاملين إحصاء الموضوع، ولكن ماذا عن حجابك واحتجابك؟ قالت رأيته في أحاديث؟ قلت لها فإن أحضرت لك أحاديث تسمح لك بالجلوس معنا وكشف وجهك ما أنت فاعلة؟ قالت لا ولو جئت لي بأي حديث؟ قلت لها هذا هو التعصب ولا شيء غيره.

أنا شخصيا أفهم وأتفهم عمق مأساة العالم الإسلامي والذي يمثل العالم العربي شريحة كبيرة منه وأنه في حالة شلل مقيم وحفرة لا يخرج منها إلا ويقع في حفرة أشد ظلما وظلاما، وأمة بمثل هذا البؤس من العجز والفقر والهجرة والاستبداد والتخلف تخلق جوا خاصا من محاولة إعادة تأهيل النفس، وهي عملية عضوية ضرورية ولكنها ليست دائما ناجحة ولا صحية.

الخلاصة التي نصل إليها وسوف تظهر واضحة ونحن نعرج على مفاهيم جديدة لابد منها مع بعض الآيات القرآنية تسخير أو تسليط علوم جديدة وأدوات معرفية جديدة لفهم القرآن على نحو عقلاني عصري أمر لا مفر منه.

وهناك محاولات عديدة، سعى لها حتى الألمان في مشروعهم (الماموت) الذي سميته أنا الجينوم القرآني، بجمع كل متعلقات القرآن وخزن المعلومات في بنك معلومات خاص ليقوم لاحقا لجنة من المتخصصين في تحليل بنك المعلومات هذه. معلوماتي عن الموضوع أنهم بدأوا فيه وخصصوا له مبلغا جيدا من ملايين اليورو، وهذا أمر جيد يجب أن نبرع فيه نحن ونسبقهم لذلك. أي شق الطريق لوضع تفسير جديد.

هذا المشروع فاتحت به الكثيرين كان منهم رحمة الله عليه هشام علي حافظ في جدة وتحمس لذلك ثم جاءته المنية، وما زلت ألح على المسلمين أن يقوموا بهذا المشروع لتنشيط الذهنية الإسلامية فلا يعقل أن يتغذى عقل الشباب المسلم على أساطير القرون من أمثال تفسير البيضاوي والنسفي والطباطبائي وابن كثير، وهذا ليس انتقاصا من قدرهم، فلو بعث ابن كثير في عصرنا لطلب منا أن نودع كتابه حتى يكتب لنا الجديد، ولكن الانحطاط العقلي يصيب العقل بالشلل والكساح وهو ما نحن عليه والتخلص منه ليس سهلا أبدا. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

https://anbaaexpress.ma/966f9

تعليق واحد

  1. تحياتى لك أستاذي الكريم
    لم تحدثنا في مقالك عن هذه الآلية الحديثة اللوغريثمية في فهك وفك مغاليق القرآن؛ ما هي من وجه نظرك الشخصية؛ وما هي القواعد التي ينبغي ان نفهم بها القرآن بصورة معاصرة؟!
    أتمنى الإجابة لأني لم اجذها بين طيات مقالك أعلاه.
    محبتي لك
    بدر الدين العتَّاق
    القاهرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى