بقلم: اللواء “عيران ليرمان” نائب رئيس معهد القدس للاستراتيجية والأمن
تأجيل الاجتماع الثالث لـ “منتدى النقب”
منذ تأسيسه في مارس 2022، أصبح اجتماع “منتدى النقب” الذي يجمع “إسرائيل” والولايات المتحدة الأمريكية ومصر والإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب، الإطار الرسمي الذي يجسد روح “اتفاقيات أبراهام”، السودان الذي لم يستكمل التحركات السياسية المطلوبة لم ينضم بعد، والأردن متمسك برفضه رغم علاقاته المتشعبة مع “إسرائيل”.
ساد اجتماع اللجنة التوجيهية للمنتدى ومناقشات مجموعات العمل الذي انعقد في الإمارات مطلع يناير الماضي أجواء إيجابية، يبدو أنها تهدف إلى الإشارة لإمكانية التعاون بالرغم من صعود “الحكومة الإسرائيلية” الحالية إلى السلطة.
تغير الوضع مع تفاقم التوتر بين “إسرائيل” والفلسطينيين، زاد من قلق وامتعاض العالم العربي من رؤية عمليات “الجيش الإسرائيلي” التي ترافقها أعداد كبيرة من الضحايا الفلسطينيين.
ومن الناحية العملية، تعكس هذه الاقتحامات عدم ثقة “المنظومة الإسرائيلية” في قدرة أو استعداد الأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية على “الإيفاء بمهامها في كل ما يتعلق بمكافحة الإرهاب”، وخاصة في شمال الضفة الغربية، لكن نتائجها تصور في الساحة العامة العربية على أنها “سياسة إسرائيلية عدوانية”، أكثر من ذي قبل، في الرسائل التي تم إرسالها منتصف فبراير الماضي، تم التوضيح لـ “إسرائيل” – وفقًا للولايات المتحدة- أن المنتدى لن يكون قادرًا على الانعقاد في الموعد المحدد.
ومع ذلك، هناك سبب للتقدير أنه إلى جانب الاعتبارات الناشئة عن “الصراع الإسرائيلي الفلسطيني”، فإن الاستياء المتزايد في المغرب إزاء ما كان يُنظر إليه على أنه “تباطؤ” من جانب “إسرائيل” في القضايا الثنائية، وعلى رأسها التوقعات بالاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية لعب دورًا في هذا القرار، إلى جانب الخطوة التي اتخذتها الولايات المتحدة حول هذا الموضوع.
دولة الإمارات العربية المتحدة اعترفت أيضًا بسيادة المغرب، بل وأعلنت (في أكتوبر 2020) عن افتتاح قنصلية في المدينة الإقليمية العيون.
هذه هي القضية السياسية -الاستراتيجية الأولى بالنسبة للبيت الملكي وأنظمة الحكم والجمهور العام في المغرب، منذ أيام “المسيرة الخضراء” عام 1975، بسبب مركزيتها في السياسة الوطنية المغربية (على الخرائط في المغرب، يتم تحديد المنطقة بأكملها على أنها أرض مغربية خالصة) فقد أدت إلى الوصول إلى حافة الحرب مع الجزائر، وإلى حملة عسكرية ضد حركة البوليساريو السرية، وإلى جهود سياسية مستمرة خاصة أمام الولايات المتحدة لتحقيق الاعتراف بشرعية المطالبة بالسيادة.
كان قرار الرئيس ترامب بالامتثال لهذا الطلب، وتجاوز الاعتراضات في صفوف الإدارة والكونغرس، هو الذي مكّن المغرب من الانضمام إلى اتفاقات أبراهام، ومن هنا ياتي استغراب الرباط بشأن سلوك “إسرائيل” في هذا الشأن.
تورط إيران في نزاع الصحراء الغربية..
الاعتبارات الناشئة عن العلاقات الثنائية يصاحبها أيضاً المسألة الأوسع للتعامل مع الجهود الإيرانية في المنطقة بأسرها، النظام في إيران متورط في الصراع في الصحراء الغربية منذ سنوات، وموقفه تجاه العائلة المالكة المغربية معاد، على هذه الخلفية، قطعت العلاقات بين إيران والمغرب بين عامي 2009 و2014، وبعد سنوات قليلة من إعادتها في أوائل مايو 2018، عاد وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة وأعلن قطعها وطرد السفير الإيراني من الرباط، ويرجع ذلك إلى المعلومات التي وصلت إلى أيدي المغرب حول تورط إيران وحزب الله، منذ عام 2016، في مساعدة وتدريب عناصر البوليساريو.
وعلى الرغم من أن المغرب قلص في الوقت نفسه انخراطه (الرمزي بشكل أساسي) في القتال ضد الحوثيين في اليمن، لكن في قضية الصحراء اتخذ موقفًا عدوانيًا ضد إيران يتماشى مع السياسة السعودية في ذلك الوقت، من جهتها، أعربت المملكة العربية السعودية – في بيان لوزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان عقب لقائه بنظيره المغربي (12 مايو 2022) – عن دعمها المطلق لـ “سيادة المغرب الكاملة على جميع أراضيه، بما في ذلك الصحراء المغربية” وكذلك دمها لمبادرة المغرب حول مسألة الحكم الذاتي في الإقليم.
في الآونة الأخيرة تراكمت تقارير بأن المساعدة الإيرانية لجبهة البوليساريو “زادت “، وأنه مطروح على الجدول إمدادهم عبر الجزائر بطائرات إيرانية بدون طيار من النوع الذي زودت به روسيا أيضًا، لذا يشكل الخلل في التوازن العسكري الحالي تهديدًا باستئناف القتال على نطاق واسع، بعد أن كان قد تضاءل منذ عام 2011.
وفي ظل هذه الخلفية أيضًا، تم ترسيخ علاقات التعاون الأمني مع “إسرائيل”، إلا أنه في حالة عدم وجود علاقات سياسية كاملة، قد يتخذ المغرب مقاربة أكثر حذرا في أطر ثنائية ومتعددة الأطراف .
لـ”إسرائيل” مصلحة في مواجهة التواجد الإيراني في كل ساحة، وفي نفس الوقت، في توضيح أو إثبات فائدة توطيد العلاقة الأمنية مع “إسرائيل”، بعد الصفقات الواسعة التي تم الاتفاق عليها خلال زيارات وزير الجيش ورئيس الأركان والزيارات المتبادلة لكبار مسؤولي النظام العسكري المغربي، يمكن للفتة سياسية مهمة أن تساعد في تحقيق هذه الأهداف، وفي الوقت نفسه تسريع تحقيق الإمكانات الاقتصادية الكبيرة الكامنة في العلاقات مع المغرب،في شبكة واسعة من المجالات، من التنقيب عن الغاز إلى تقنيات المياه المتقدمة.
الإعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء: كيف ومتى؟
الشكل المطلوب لتحرك سياسي مثل الاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية هو قرار من مجلس الوزراء الأمني السياسي “الكابينت “، في مراحل التحضير للاعتراف، يلزم التوصل إلى اتفاق سري مع وزارة الدفاع المغربية ومكتب الملك فيما يتعلق بالطريقة المتفق عليها لإعلان الاعتراف “الإسرائيلي”، وفيما يتعلق بالخطوات المتبادلة التي ينطوي عليها ذلك من جانبهم، وعلى رأسها – رفع مستوى رئيس مكتب اتصال المملكة المغربية في تل أبيب، عبد الرحيم بيود إلى رتبة سفير، وترقية مقابلة في الرباط “للممثل الإسرائيلي” وتحديد موعد قريب لانعقاد “منتدى النقب”.
كما يجب أن تكون هذه التحركات مصحوبة بتصميم متبادل للقيام بزيارة هي الأولى من نوعها وبشكل علني لرتبة عالية وقد يكون من المناسب أن يكون رئيس الدولة، الذي قام بالفعل بزيارة رائدة ذات خصائص مماثلة في تركيا، وكشخص يفترض بحكم منصبه أن يكون ضيفاً على الملك، وعلى المعنى الرمزي المرتبط بذلك، من الضروري السعي للقيام بمثل هذا الحدث المهم في أقرب وقت ممكن، بعد اكتمال التحرك لتنظيم العلاقات، سيكون لتنظيم العلاقة مساهمة مهمة في تعزيز الاتفاقات أبراهام.
———————————————
معهد القدس للإستراتيجية والأمن