آراءسياسة

تفاقم الصراع العالمي في ظل سياسة بايدن

بقلم : د.إسماعيل حصاف

تشهد العديد من مناطق العالم منذ إستلام بايدن رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية حروبا وازمات وتصعيد التوتر.

وفي هذا الإطار تنتهج واشنطن سياسة إشعال الحروب بالوكالة أسوة بمبدأ نيكسون “الفتنمة” ايام الحرب الأمريكية -الفيتامية في النصف الثاني من القرن الماضي.

وهذا ما يفسر إنسحاب أمريكا قواتها من أفغانستان والشرق الأوسط، والإعتماد على حروب بالوكالة كما في حالة داعش. وفي هذا الإطار برزت من بين الديمقراطيين أصواتا تطالب بإنهاء الحروب الطويلة والتي تسببت خلال عشرين السنة الأخيرة في مقتل أكثر من نصف مليون إنسان، وكلفت أكثر من (5) تريليونات دولار، وإستبدالها بالدبلوماسية .

أن دولة الصين العملاقة تشكل الهاجس والتحدي الأكبر للولايات المتحدة الأمريكية عسكريا واقتصادية وتكنولوجيا، وأن واحدة من الأسباب الرئيسة للحرب الروسية- الأوكرانية المشتعلة أمريكيا ، إنهاك روسيا عسكريا واقتصاديا وكسر شوكة قوة الشرق المتمثلة بروسيا والصين ودول جنوب شرق آسيا وكوريا الشمالية وخلق شرخ في العلاقات الصينية-الروسية، ومن ثم الإستدارة نحو بكين مستعملا سياسة “العصا والجزرة “.

تسعى واشنطن ومن ورأئها لندن إلى تقليص النفوذ الصيني في آسيا والمحيط الهادئ، بعد أن فقدت أمريكا نفوذها في تلك المناطق. ودوما تتخذ واشنطن في صراعاتها تلك مسألة “المعايير والقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان”، مع أن هذه المعايير باتت تفقد مصداقيتها حتى لدى شركائها المقربين.

لكن هذه السياسة تصطدم بجملة من المعوقات، فالصين الشريك التجاري الأول لروسيا والتي بلغت 100 مليار دولار فقط لعام 2018، ويتوقع ان يصل إلى 200 مليار مع نهاية 2023. ومن ثم تدرك الصين جيدا ماذا تريد واشنطن، فإذا ما ألحقت الهزيمة بالدب الروسي، ستكون هي الهدف المقبل.

أما اوربيا، فالحرب الأوكرانية باتت تهدد الأمن الأوروبي بشكل مباشر ، وأحدثت تغيرات في توازن القوى داخل جسم الإتحاد الأوروبي. فالحرب الروسية-الأوكرانية والعقوبات وحرب الطاقة التي تشنها موسكو، مست حياة المواطن الأوربي، فألمانيا بدأت تعاني من أزمة الطاقة، وبدأت برلين وضع خطة تسليح الجيش الألماني بإنفاق جزء من ناتجها المحلي وإنشاء صندوق خاص بقيمة (100) مليار يورو. وحدوث خلاف الماني-فرنسي وتضارب المصالح بين الإتحاد، وتشهد منطقة اليورو تضخما بارزا. ومن جهة أخرى أبدت المجر عن رفضها في إستمرار العقوبات التي تفرضها الاتحاد الأوروبي على روسيا وخاصة الحظر على النفط الروسي، وكذلك أبدت بروكسل عن عدم جدوى هذه العقوبات.

وبعد قيام رئيس فرنسا إيمانويل ماكرون بزيارة الصين في الأيام القليلة الماضية ولقاءه بنظيره الصيني شي جينا بينغ، أبدت فرنسا دعمها للموقف الصيني وإعتبار تايوان جزء من الصين، وهذا رد مباشر على السياسة الأمريكية التي تقوم بتصعيد الموقف حول تايوان.

وأعادت واشنطن بالعالم إلى أيام الحرب الباردة، من خلال توسيع حلف الناتو. وكان من المفترض أن تنتهي دور الناتو كحلف عسكري مع فك حلف وارسو نفسه بعد سقوط الأنظمة الشيوعية في شرق اوربا.

وبدلا من ذلك تنتهج واشنطن سياسة توسيع الحلف، بضم دول التكتل السوفياتي بولندا وتشيكيا ودول البلطيق. وأخيرا ضم مملكة السويد التي آخر حرب خاضتها كانت مع النرويج عام 1814 ومنذ بداية القرن العشرين تبنت السويد سياسة السلام، وأيضا فنلندا التي كانت دوقية داخل روسيا ونالت الإستقلال عام 1917 في أعقاب الثورة الشيوعية. لاشك أن توسيع الناتو هو قبل كل شئ تهديد مباشر لأوروبا ولأمنها القومي، وهي ستحصد ثمارها.

وإذا تسلقت الولايات المتحدة الأمريكية على أكتاف أوروبا في نهاية الحربين العالميتين، مستفيدة من تدمير أوروبا وتغيير موازين القوى فيها، فالمصالح القومية وتنافس الشركات هي من تحدد مسار الحرب والسلم، وبالتالي فتدمير اوكرانيا وإختفائها من على الخارطة ومن ثم تدمير اوربا في حرب عالمية جديدة، قد لا تكون ذي أهمية أمام مصالح الشركات الإحتكارية الكبرى، فالأراضي الأمريكية بعيدة عن مناطق الإصطدام المباشر.

ولكن فيما لو حدثت حرب عالمية جديدة لاسمح الله، هل ستخرج أمريكا منها قوية مثلما حدثت عام 1918 وعام 1945, أليس ممكنا أن يتم تغير موازين القوى العالمية، وتفقد الولايات المتحدة الأمريكية موقعها كأقوى دولة في العالم بسبب سياسات الغطرسة والكيل بمكاييل مختلفة تجاه القضايا الدولية المعاصرة وتبني سياسة إطالة الأزمات التي باتت ثقلا مزمنا على الشعوب التي بدأت تفقد الثقة بأمريكا وبقدرتها عل حل قضاياهم.

* أكاديمي متخصص في المسألة الكردية – تاريخ العلاقات الدولية وسكرتير البارتي الطليعي الكردستاني- سوريا

https://anbaaexpress.ma/f9fqq

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى