آراءثقافة

تاريخ مار مارون والموارنة.. في أعمال المفكر اللبناني سركيس أبو زيد

قد يرى البعض أنّ تاريخ المارونية، هو تاريخ محدد بجغرافيا لبنان الكبير حسب ترسيمة دوكيكس، تاريخ لا يمتدّ تأثيره إلى ما عداها، نظرا لتداخل التأثير التاريخي والجغرافي والحضاري، لكن وكما الزلزال الطبيعي، تمتد ارتدادات السياسة إلى أبعد مدى. هناك وحدة جنس الجغرافيا، ترتبط صفائح الأرض فيها وصفائح السياسة. تدفّق الشعوب والثقافات، باتت المارونية موئل استقطاب في سوريا الكبرى وآسيا الصغرى، وهذا يقتضي إعادة قراءة تاريخ المسيحية المشرقية باعتبارها أكثر عراقة من أن يتوقف مصير وعيها التاريخي على مشروع الانتداب، والمؤامرة نفسها على الجغرافيا والتاريخ اللبنانيين، في ذلك التصميم الذي رهن لبنان الكبير جغرافيا وسياسة لمصير مجهول.

وحين الوقوف عند تفاصيل هذا القدر، سندرك أنّ حالة الاستقرار في لبنان هي مدينة لشعب آمن بالتعايش أكثر مما هي مدين لاستفزاز الجغرافيا السياسية. هذا يدخل عندي في ما يمكن أن نصفه بعظمة شعب خانته الجغرافيا السياسية. ثمّة لغمان كما أشار إليهما حسن حمادة في تصدير هذا العمل القيم: لغم دوكيكس في رسم الحدود، ولغم المفوض السامي هنري دوجوفنيل في رسم الدستور، لا سيما المادة 95.

أغراني اشتغال الأستاذ سركيس أبو زيد على هذا التاريخ السياسي والجغرافي للمارونية، اشتغالا لا يقف عند السرديات التقليدية والرؤية العابرة، بل هو تاريخ يستقصي ما وراء التاريخ العام، ليقبض على الوثيقة ويستنطقها من جديد. أعمال تندرج في إطار التحقيق والتوثيق لتاريخ وجب الوقوف عنده بجدية، لا زالت غائبة في مغامرة التأريخ للمنطقة.

تبدو محاولة سركيس تحليلية للوثيقة، لا تغامر في التأويل الذي يفيض على الوثيقة، بل يحاول تقديم رؤية حول تاريخ غير مكتمل، بواقعية تشهد عليها الوثيقة. فلدى المؤرخ سركيس للمارونية من الوثائق ما هو مقنع لإعادة قراءة تاريخ المسيحية المشرقية، ولا أدري كما هو نفسه حريص فيما أخبرني عن رأي الجزائر في هذه الوثائق، وإن كان لديهم رأي في ذلك النقاش حول محاولة تهجير الموارنة وتوطينهم بالجزائر.

لعل العمل المغري هنا في ثلاثية هذه المحاولة بعد “مار مارون والموارنة: نظرة تاريخية جديدة” و”المسيحية المشرقية: المعنى والرسالة” تأتي الأعجوبة التي لفّها الإهمال: “تهجير الموارنة إلى الجزائر”.

سيكون من المفيد للتاريخ وأجناس الإقليم، الوقوف عند تلك الحقائق التي غيّبها سوء الإدارة لحقائق التاريخ. وهذا وعد مبدئي للوقوف عند تفاصيل هذه المقاربة التي تؤكد على تجربة تاريخية للمارونية منذ بزنطة وصولا إلى فرنسا التي سيوقفنا العمل القيم للصديق الأستاذ سركيس على حقيقة مرّة، وهي أنّ الفرنسيين لم يكونوا يبادلون الموارنة التقدير نفسه الذي تكنه المارونية السياسية لفرنسا، حتى أنّهم زهدوا في تمكينهم من الهجرة أو ما كان يبدو محاولة لإنقاذهم وإخلائهم من الشرق، وهو ما عززه سركيس بمقاربة تحليلية وتوثيقية ناذرة.

غير أنّ فكرة تهجير الموارنة ظلت مثار جدل في تلك الوثائق التي استعرضها الأستاذ سركيس، وهي تستحق قراءة مستفيضة وتفصيلية.

https://anbaaexpress.ma/4ar3f

إدريس هاني

باحث ومفكر مغربي، تنصب إهتماماته المعرفية في بحث قضايا الفكر العربي، أسئلة النهضة والإصلاح الديني .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى