آراءمجتمع

الإلحاد وعلاقته بالجريمة

يقول المؤرخ الأمريكي ويل ديورانت: “إن أعظم قضية في زماننا ليست هي قضية الشيوعية مقابل الفردية، ولا أوروبا في مقابل أمريكا، ولا حتى الشرق في مواجهة الغرب، وإنما أعظم قضية هي إن كان بإمكان الإنسان أن يحيا دون الله”.

لم تعرف البشرية عبر تاريخها الطويل جرائم بهذه البشاعة التي مارسها الإلحاد المعاصر خلال فترة زمنية من ظهوره لم تتجاوز 100 عام، فقد ارتكب الإلحاد المعاصر من الجرائم الإنسانية والأخلاقية خلال هذه الفترة القصيرة ما لم ترتكبه الحضارات على مدار تاريخها الطويل؛ حيث أتى الإلحاد المعاصر في المرتبة الثانية من حيث قتله للأفراد بعد الكنيسة المسيحية؛ إذ بلغ عدد الأرواح التي حصدها الإلحاد 100 مليون قتيل، وكانت الدول الشيوعية أقسى نموذج يتبنى الإلحاد؛ حيث ارتكبت جرائمها المتوحشة في كلٍّ من روسيا، والصين، وكمبوديا، وغيرها.

إنَّ العلاقة الفلسفية بين الإلحاد والجرائم التي يرتكبها معتنقوه، اختصرها الكاتب الأمريكي دينيش دسوزا بقوله: “ارتكبت جرائم الإلحاد عمومًا من خلال أيديولوجية متغطرسة ترى أنَّ الإنسان هو صانع القِيم وليس الله، وباستخدام أحدث تقنيات العلم والتكنولوجيا، يسعى الإنسان إلى تهجير الله، وخلق جنَّة العلمانية هنا على وجه الأرض. وبطبيعة الحال إذا كان هناك بعض الناس كاليهود، ملاك الأراضي، وغير الأكفاء أو المعاقين – فيجب القضاء عليهم من أجل تحقيق هذه المدينة الفاضلة (الجنة).

هذا هو الثمن الذي أبدى الطغاة الملحدون–ومن يعتذر لهم- استعدادهم لدفعه. وهم هنا يؤكِّدون مقولة فيودور دوستويفسكي”إن لم يكن هناك إله، فكل شيء مسموح به”، أمَّا نافيد شيخ أستاذ العلاقات الدولية، والمحاضر بجامعة لويزفيل البريطانية، فقد نشر دراسة مثيرة بعنوان: (أعداد القتلى – دراسة إحصائية للعنف السياسي في حضارات العالم)، قام فيها بمراجعة كل الحروب التي جَرَت بين الدول، بما في ذلك الحروب الأهلية، والمذابح العرقية والجماعية، وغير ذلك من الأحداث العنيفة التي تخطَّى عدد القتلى فيها 10 آلاف قتيل، فحصر 276 حدثًا عنيفًا ضخمًا في الفترة الزمنية (0- 2008م).

وقام بتصنيف ديانات العالم إلى 7 ديانات وحضارات رئيسة، وهي:

الملاحدة، البوذية، المسيحية، الهندوس، الإسلامية، البدائية، والصينية؛ فجاءت نتائج الدراسة مثيرة، حيث تصدَّرت الحضارة المسيحية كأكبر من تسبَّب في حصاد أرواح البشر، بمتوسط 177.94 مليون ضحية، وتبعتها مباشرة في المركز الثاني حضارة المُلحدين بحصاد للقتلى بمتوسط 125.29 مليون قتيل.

وقد مثَّلت الدول الشيوعية أقسى نموذج يتبنَّى الإلحاد؛ حيث بلغ عدد القتلى في الاتحاد السوفيتي السابق 25 مليون، وفي الصين 65 مليون، وفي كمبوديا 1.7 مليون؛ إذ كانت الشيوعية لا مثيل لها في التسلسل الهرمي للعنف في تاريخ القرن العشرين.

ويخرج اليوم علينا من يقول: إن الدين هو السبب الرئيس لما نحن فيه من حروب وويلات ودمار وشقاء وعذاب، فقد لقد زعم العلماء الملحدون في مؤتمر عُقد في عام 2007م بعنوان: “ما وراء الإيمان: العلم والدين والعقل والبقاء” وعلى لسان العالم الفيزيائي ستيفن واينبرج أنَّ الدّين إهانة للكرامة الإنسانية، وأنَّ بالدين أو بدونه سيكون هناك أناس خيِّرون يفعلون أشياء خيِّرة، وأناس شريرون يفعلون أشياء شريرة، ولكن لكي يفعل الخيرون أشياء شريرة فهذا يتطلب الدِّين.

قوبل واينبرج بتصفيقٍ حارٍّ جدًا نتيجة كلامه هذا، ولكن لا أحد تجرَّأ وسأله، من الذي أذاق الجنس البشري المكروب ويلات الغاز السَّام، والأسلاك الشَّائكة، والموادّ شديدة الانفجار، وتجارب تحسين النَّسل، ووصفة تحضير زيكلون بـ (غاز سام)، والمدفعية الثقيلة، وتبريرات القتل الجماعي المستندة إلى حجج علمية زائفة، والقنابل العنقودية، والغواصات الهجومية، والنابالم، والصواريخ البالستية العابرة للقارات، والمنصات الفضائية العسكرية، والأسلحة النووية؟ هل فعل كل ذلك الفاتيكان أو مكة المكرمة؟ هل فعلت ذلك المسيحية أو الإسلام؟ إن من فعل ذلك هي حضارة الإلحاد والملحدين.

وها هي إحصائيات بشيء من التفصيل لإدراك حجم الشقاء البشري في القرن العشرين ومطلع القرن الحادي والعشرين؛ حيث الدِّين ليس السبب في هذه الأرقام الهائلة من القتلى، وإنَّما هي ثورة العلم والتكنولوجيا، وتصدَّر الإلحاد الواجهة، وأنَّ كل من تزعَّم هذه الحروب إنما هو ملحدٌ، أو شكاكٌ، أو لا أدري أي: باختصار لا يؤمن بوجود الله..

* الحرب العالمية الأولى (1914- 1918م) … 15 مليون قتيل.
* الحرب الأهلية الروسية (1917- 1922م) … 9 ملايين قتيل.
* الاتحاد السوفيتي ونظام ستالين الفاشي (1940- 1953م) … 20 مليون قتيل.
* الحرب العالمية الثانية (1937 – 1945م) … 55 مليون قتيل.
* الحرب الاهلية الصينية (1945- 1949م) … 2.5 مليون قتيل.
* الحرب الكورية (1950 – 1953م) … 2.8 مليون قتيل.
* كرويا الشمالية (1950 وما يليها) … 2 مليون قتيل.
* حرب الهند الصينية الثانية (1960- 1975م) … 3.5 مليون قتيل.
* كمبوديا (1975- 1978م) … 1.65 مليون قتيل.
* الحرب العراقية الإيرانية (1980 – 1988) … مليون قتيل.
* أفغانستان (1979 – 2001م) … 1.8 مليون قتيل.
* فيتنام (1975م وما بعدها) … 430 ألف قتيل.
* العراق (1990م وما بعدها) … 350 ألف قتيل.
* البوسنة والهرسك (1992- 1995م) … 175 ألف قتيل.

ولم يذكر الكاتب لنا هنا ضحايا عدوان الولايات المتحدة الأمريكية، التي تزعم أنَّها مثال الديمقراطية الأول والشرطي الحارس المخلص للعالم أجمع.

إذا غاب الرقيب والحسيب ففعل أي شيء أمرٌ مُمكنٌ، وإذا غاب الإله من ضمير البشر فكل شيء وارد الحدوث، حتى ولو كان إبادة البشرية بأكملها؛ حيث يفقد الإنسان عندها قيمه وأخلاقه وضميره الإنساني، ويُعطي لنفسه القداسة، فيُحلل ويُحرم، ويجعل الحقَّ باطلًا، والباطل حقًا وفق رؤاه ومصلحته هو، فأنَّى وجدت أطماعه سعى إلى تحقيقها، ولو كلَّف ذلك القتل والتدمير والفساد، كما أنَّ خوفه ورعبه من فقدان سيطرته على ما ملكته يداه يجعله يقتل بعنف، يُفرط في الظلم والاستبداد، يُفرط في القتل حدّ التوحُّش، ولقد أثبتت الدراسات والإحصائيات أنَّ الإلحاد والجريمة لا يمكن أنْ يتباعدا، فهما متلازمان لا يفترقان، وأنَّ الملحد إذا لم يضع لنفسه مبادئ يلتزم بها؛ فإنَّه يُصبح قاتلًا ظالمًا مستبدًا، لا يمكن أنْ يتحلَّى بأيِّ بُعد إنساني أو أخلاقي.

إنَّ ما يُثير في الإحصائيات ويدعو إلى الغثيان أنَّ عمر الإلحاد المنظم قصير جدًا، فهو لم يتجاوز المائة عام، ومع ذلك احتلَّ المرتبة الثانية في حصاد أرواح البشر.

https://anbaaexpress.ma/1qxti

رهف محمد حنيدق

كاتبة فلسطينية حاصلة على دكتوراه في المذاهب الفكرية المعاصرة.

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى