شهدت البشرية منذ بداية عصورها، صراعات دولية وحروب وتحالفات بنيت على مصالح سياسية وإقتصادية من أجل البقاء، تعرض فيه البشرية لويلات الدمار والمجاعات والفقر والتشريد..
فكانت الحربين الأولى والثانية التي شهدتها أوروبا وحروب أهلية في أمريكتين وآسيا وافريقيا، ولم يهدأ العالم نسبيا الا بعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية اوزرها عام 1945، بهزيمة النازية وتقسيم العالم وبروز قطبين شيوعي بزعامة الإتحاد السوفياتي ورأسمالي بزعامة الولايات المتحدة إقتصادية، وحلف الناتو وحلف وارسو.
وقد إنتقل ذلك لبقية دول العالم بين حليف لكل من الإتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأمريكية، أما الصين الشعبية التي كانت تابعة جيوسياسيا للإتحاد السوفياتي بناء على “معاهدة الصداقة الاشتراكية “ولكنها كانت تتمتع بأستقلالية بخلاف دول أوروبا الشرقية بسبب الخلاف الايدلوجي العقائدي حول الماركسية الماوية و اللينينية والسياسية، وتوترت العلاقة بينهما في الثمانينات ولم تتحسن حتي عام 1989 في عهد ميخائيل غورباتشوف.
العلاقات الأمريكية الروسية
الحرب الكورية 1950 – 1953
ظلت العلاقات بين القوتين العظمتين متوترة في سباق النفوذ حول العالم بما يعرف بالحرب الباردة وأهمها الحرب الكورية 1950-1953 التي دعمت فيها الإتحاد السوفياتي والصين شمال كوريا، بينما دعمت أمريكا جنوب كوريا.
وجاءت أزمة جزيرة الخنازير 1962 والتي نشبت بعد محاولة أمريكية لإسقاط النظام الكوبي، قام الإتحاد السوفياتي بنشر صواريخ نووية متوسطة المدي موجهة لأمريكا، مما أدى إلى نشوب أزمة بعد رفض “نيكيتا خورتشوف” نزع الأسلحة، وإنتهت في 28 أكتوبر 1962 بعد تحركات دولية أدت إلى تعهد أمريكا بعدم غزوة كوبا.
وجاء التدخل السوفياتي في أفغانستان عام 1979 الذي جاء دعما للحكومة الأفغانية في مواجهة قوات المعارضة المعروفة “المجاهدين الأفغان” ليزيد من التصعيد مع أمريكا والغرب وإستمرت الحرب عشر سنوات وانتهت بخروج القوات السوفياتية في ظل إنهيار الإتحاد السوفياتي.
تفككك الإتحاد السوفياتي
جاء الرئيس ميخائيل غورباتشوف إلى السلطة في عام 1985 وهو يحمل برنامجه الاصلاحي “البيريسترويكا” لمعالجة الإقتصاد الذي كان مركزيا في دولة ذات مساحة كبيرة، إعتمد على مبدأ الديمقراطية وحقوق الإنسان والتحول إلى اقتصاد السوق، والانفتاح على الدول الغربية والحد من التسلح وتوقيع إتفاقيات للتخلص من الأسلحة والصواريخ النووية، وسحب القوات السوفياتية من أفغانستان عام 1989، لكنه واجه مشاكل إقتصادية بسبب تراكم القرارات والتي وجدت إنتقادات لخطته “البيريسترويكا ” مما جعل ضباط من الجيش ينفذون انقلاب عليه في عام 1991، ولكن “بوريس يلتسن” أجهض الإنقلاب وتولى السلطة بعد استقالة غورباتشوف في في 25 أغسطس 1991.
شهدت فترة حكم يلتسين من 10 يوليو 1991، اضطرابات وأزمات إقتصادية وفقد شعبيته بسبب فشله في تنفيذ الإصلاحات التي وعد بها بل إزدادت الأمور تعيقدا، وقد أثرت حالته الصحية على أداءه والحرب في الشيشان.
وصول بوتين إلى السلطة وخطواته بعدما رشحه “بوريس يلتسن” في 31 ديسمبر من عام 1999، تقدم الرئيس بوريس يلتسن باستقالته، وبموجب الدستور الروسي، أصبح رئيس وزراء روسيا لتلك الآونة فلاديمير بوتين رئيسًا بالوكالة.
ورث الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” تركة كبيرة وأزمات إقتصادية وسياسية والأهم في المجال العسكري والذي جعل الإتحاد السوفياتي دولة عظمى إمتلكت ترسانة ضخمة من الأسلحة النووية والكيماوية والصواريخ العابرة للقارات والتفوق الفضائي، وهذا يتطلب المحافظة عليه.
إستطاع فلاديمير بوتين بحنكته وخبره الطويلة في العمل المخابرات، أن يعود بروسيا الإتحادية للتنافس الدولي كقوة عظمى عسكرية وإقتصادية أبهرت أعداء روسيا قبل الأصدقاء.
أصبحت روسيا الاتحادية قوة إقتصادية وفي مقدمة الدول المنتجة للنفظ والغاز وارتفعت صاردة البلاد، وفي إطار الصراع الدولي رأت الولايات المتحدة في روسيا الاتحادية، تهديدا لمصالحها الإستراتيجية وبذلك أصبحت العدو الأول لها وكذلك الصين الشعبية.
السياسة الأمريكية تجاه روسيا والصين
نعتقد بأن إنسحاب أمريكا من أفغانستان هو أحد الاستراتيجيات السياسي، لإعادة تأهيل طالبان التي أجرت معها مفاوضات برعاية “قطرية” ولم تضعها في قائمة الإرهاب من أجل استخدامها لاحقا، وبذلك سهلت عودتها للاستيلاء على الحكم وهذا ماحدث بشكل سريع.
كما يرى بعض المحلليين بأن أمريكا أرادت العمل بالفوضى الخلاقة وإزعاج الصين وروسيا وإيران، بينما يرى البعض بأن أمريكا فشلت في نشر الديمقراطية في أفغانستان، وصرفت مليارات وتريد تقليص النفقات والتوجه لاستراتجيات أخرى.
التوجه الصيني الروسي
تتمثل القارة الأفريقية أهمية جيوبوليتيكي وإستراتيجي ومحور للتنافس الدولي بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين وروسيا بعد انتهاء الحرب الباردة، للسيطرة على طرق التجارة والسيطرة على الطرق والموانئ والممرات الأفريقية التي حيث تعتمد التجارة الصينية بنسبة 90٪ على الممرات البحرية.
وقد أعلنت أمريكا أن الصين وروسيا هما الخطر الأول الذي يواجهها، كان لازاما على الدولتيين العمل على مواجهة ذلك من خلال التواصل مع دول مثل الهند وجنوب أفريقيا وإيران، والذي بدأ بالفعل في التوجه لمناطق نفوذ سياسي وإقتصادي في أفريقيا، حيث دخلت الصين إلى أسواق العديد من الدول الأفريقية، بما يعرف بالسياسة الناعمة.
وتعد الصين أكبر شريك تجاري رئيسي لقارة إفريقيا، وقامت بأنجازات ومشاريع تنموية وتجارية في عدة مجالات وصلت إلي 400 مليار دولار، وشمل ذلك المجال العسكري حيث أنشئت الصين قاعدة عسكرية بحرية في جيبوتي، وزودت الدول الأفريقية بأسلحة متنوعة وطائرات.
أما روسيا الإتحادية وريث الإتحاد السوفياتي السابق فقد جددت علاقاتها مع العديد من الدول الأفريقية التي كانت ترتبط معها وقدمت لها الدعم العسكري إبان الحرب الباردة.
فأستئنفت التعاون في المجال العسكري والاقتصادي وتحركات في اتجاهات القارة الأفريقية لتعزيز التعاون والشراكة مع دول شمال أفريقيا وشرقها ووسطها وغربها، وتحاول الإستفادة من رفض الدول الأفريقية للسياسات الأمريكية والغربية والتي تركز على الديمقراطية وحقوق الإنسان، وهذا مالا تجده الدول الأفريقية في التعامل مع روسيا والصين.
ومن أجل تأسيس نظام عالمي لمواجهة أحادية القطب التقت إرادة الصين وروسيا والهند وجنوب أفريقيا والبرازيل في “يكاترينبورغ” بروسيا في يونيو 2009، ويعد التكتل صاحب أسرع نمو اقتصادي في العالم، حيث تسهم دول «بريكس» بنحو 22 في المائة من إجمالي الناتج العالمي، وتمتد لقرابة 40 من مساحة الأراضي في العالم، إلى جانب تمثيلها أكثر من 41 في المائة من سكان العالم.
وتسعي عدة دول للانضمام للمجموعة كارجنتين وتركيا وإيران ومصر ودول أفريقية، في محاولة لمواجهة مجموعة السبع والهيمنة الأمريكية والغربية.
بدايات المواجهة الصينية الروسية مع أمريكا
تشتد المواجهة المزمنة بين أمريكا والصين منذ سنوات بسبب تأييد أمريكا لاستقلال ” تايوان ” عن الصين البلاد الام والتي تعتبر نفسها الصين بعد استيلاء الشيوعيين على الحكم عام 1949 مما اضطرهم إلي الهروب للجزيرة وتأسيس تايوان التي تعتبرها الصين جزء منها، على الرغم من ذلك اعترافت امريكا بالصين الشعبية واعطاها مقعدها في الأمم المتحدة، وتأييد مبدئ الصين الواحدة، لكنها كازدواج للمعايير ترتبط مع تايوان باتفاقية دفاعية معها، وترجع أسباب ذلك لمخاوف أمريكا من نمو الإقتصاد الصيني الذي ينافس إقتصادها وتفوق عليها، وبسبب ملف طريق الحرير الذي يعزز من إقتصادها ونفوذها السياسي بالإضافة لتطوير قدرات الصين العسكرية وعقدها تحالفات عسكرية مع دول آسيوية!
وتتخوف الصين من إقتصاد الجزيرة الذي ينمو وتحتل المرتبة “26” عالميا في دولة تعداد ساكنتها 25 مليون نسمة وتهدد باجتياحها بين الحين والآخر مما يسبب التوثر في علاقاتها مع أمريكا.
وجاءت الحرب الروسية الأوكرانية في 24 فبراير 2022 لتزيد من التوثر بين الصين وروسيا والولايات المتحدة، وتأكد بداية الاستراتيجية الأمريكية لمواجهة ماتراه خطر عليها بالتضييق واستنزاف روسيا الاتحادية من خلال أوكرانيا، والتي دفعت لها روسيا من أجل الدفاع عن نفسها وبعد محاولات بدلتها روسيا لاقناع اوكرانيا بحجم المؤامرة المدفوعة لها ومخطط منذ فترة طويلة.
هذه الحرب التي تبنتها أمريكا والدول الأوروبية، وفرضت فيها عقوبات إقتصادية على روسيا مما يندر بتوسع نطاق الحرب إلى عواقب لا يحمد عقباها وتهدد السلام والأمن الدولي، بل جعلت دول العالم تفكر في إيجاد نظام عالمي متوازن، يراعي مصالحه في ظل محاولات الولايات المتحدة السيطرة على العالم بعد إنتهاء الحرب الباردة، والتي تراها روسيا خذعة أمريكية ولذلك تسعي روسيا والصين لبناء قطب جديد لمواجهة السياسات الامريكية.
ويرى المراقبون بأن الإتحاد الأوروبي سوف يجد نفسه في مواجهة مع الولايات المتحدة التي ورطته في صراع مع روسيا التي إرتبطت بعلاقات شراكه وتعاون اقتصادي، بالإضافة لمخاطر توسع دائرة الحرب الروسية الاوكرانية !!