آراءمجتمع

أخطبوط “محطة الرباط المدينة” الحديدي

بقلم : أحمد القاسمي 

مدينة (الرباط) العاصمة، ذلك الأخطبوط الآلي، والذي لا يظهر إلا أنه سيهُب من وقوفه، إلا ليحفزه العنوان إلى قراءة هذا النص، فأستحيي أن أشبه شيئا ما، بما لايستحق ذلك الشبه، وأدق من هذا فهو ليس أهلا له، أستحيي أن أشبه تلك الأطنان من الحديد بكائن الأخطبوط الحي، التي رُكب بها مجسم علا (محطة الرباط المدينة)، لأجل أنه منها، إنه -كما يظهر- بنهج ما يسمى بالحداثة في التصميم أو بثورة على القديم، لأن ذلك الكائن الحي البحري، أي الأخطبوط، بأحجامه المختلفة، وشكله المخلوق، نُدفع إلى طرح سؤال في الخلق، وهو: «أفلا ننظر إليه كيف خُلق؟»

أي أن له خالق أبدعه، خلقه بكيفية ما، فتصورت تلك الصفائح، والأعمدة والصواميل الضخمة، والعملاقة، بأخطبوط آلي، مصنوع من الحديد، ينقض بوحشية على مدينة (الرباط)، مدينة جامع (حسان) وصومعته الموحدي، وسور الأندلسيين المضاف، وبناءات الفترة الكولونيالية، المستمدة تصاميمها من المعمار الأندلسي المغربي.

أطرح سؤالا، وإن كنت لم أدرس الهندسة، ولا أفهم فيها: «أفي الهندسة اتجاهات ومدارس ومذاهب؟»، وهذا يجرنا إلى سؤال آخر، وهو: «أيكون فيها ما يُستجد من أفكار، و(موضة) عصر آنية في جميع ذلك؟».

ما إن ترجلت في أحد الأيام؛ قريب من حيث الزمن من إحدى سيارات (طاكسي) الرباط ذات اللون الأزرق، قريبا من ساحة (محمد الخامس)، الممتدة أمام باب (محطة الرباط المدينة)، لأقصد مكانا لغرض أقضيه منه، وهذه سنة نجيبة، سننتها لشخصي، وفيا لمبادئي، وهي أن لا أركب سيارتي، ولا أقودها في شوارع، وأزقة، وساحات الرباط، ومواقفها المخصصة للمركبات، في أيام العمل من الأسبوع، لأنه لها ذروات في سير تلك المركبات، لأن لا أزاحم السائقين المهنيين في امثتالهم لأضواء المرور، وفي التسابق إلى منتظري (الطاكسيات)، ولأن لا أرتكب مخالفة الوقوف، والتوقف في غير محلهما، أو المرور في منعه، وكما تجذبني دائما، رافعا رأسي تلك الحروف التي تكبر بلون أسود الجزء الأعلى من حائط محطة سكة الحديد الأيمن نتهجاها فنقرأ جملة إسمية هي: (محطة الرباط المدينة)، وبالفرنسية: GARE RABAT VILLE، تطبع على بناء المحطة أسفار القطارات شمالا وجنوبا، أو تقبس هي منه الذهاب من (الرباط) والوصول إليه؛ أتابع فأقول.. ما إن ترجلت حتى فوجئت بأن ذلك البناء الصخري في لبناته وطلائه قد اندحر، ولم يظل شامخا، وكما كان يبدو لنا اهو لأعلى بواجهته المميزة مما يحيط به، وكما عهدنا به، فقد زحف عليه ذلك الذي شبهته بأخطبوط آلي على أهبة تحريكه، ولملمه بأذرعه الحديدية، فظهر مُستصغرا، لا قيمة معمارية له، وقد تم تصنيف مدينة (الرباط) تراثا إنسانيا من طرف خبراء في هذا المجال، ولم يعد له من الهيبة ما يقاوم بها، هذا الوافد الغريب على المدينة في شكله، والمستفهم في تصميمه، وفي مادة صنعه، ولا أحسب إلا أن سكان (الرباط) والزائرين إليها، يحاولون الانفلات من أمامه ومن تحته؛ اتقاء شر أطنانه الحديدية.

لا أدري ما إذا كنت صائبا في صياغة جملة، تمُت بصلة وثيقة باتجاه -إذا كانت هناك اتجاهات في الهندسة المعمارية-وهي (التصاميم الخضراء)، فما الأخضر فيها المتوخى؟ هي تصاميم تراعي البيئة، ومشاهدها، ومجالاتها، ومساحاتها، ومسافاتها، ولا تخدش منظرا اكتسبته مدينة (الرباط) من فكرة مرحلة مستوحاة، وبزمان ليس كزماننا، فالمشهد الحالي هو الذي يفرض تصميما، ينسجم ويتناغم مع (الرباط) كما كانت وليدة فكرة.

ما كان لهذا البناء أن يكون من مادة الحديد الأولية، أو على الأقل يكون مطعما بمادة أولية أخرى، وما كان له أن يكون بهذا التصميم العالي، لقد طغى طغيانا سافرا على المدينة، كما أنه لا يستقيم للعين، تكاد لا تميز بين حديده الأسفل وحديده الأعلى، كما أنه يستند في جهة واحدة على صفائح وقضبان، كأنه يعرج، فإذا كان تصميم شكل محطة الحافلات قد استُوحيت من قوقعة كائن بحري منبطحة وسط محيط من العشب الأخضر، فمما استُوحي شكل تصميم (محطة الرباط المدينة)؟ لقد حجب الرؤية بجانبه الأيسر، عن سور أثري بلون ترابي، وفندقا من بين عمارات؛ بشرفات أنيقة.

أعادنا هذا الشكل، وخام مادة تنفيذ بنائه إلى عصر امبراطورية التعدين، وصهر الحديد والصلب، في نهاية القرن التاسع عشر، وبداية القرن العشرين، تباهت فيه فرنسا ببناء برج (أيفل)، وكان أوجه في بناء سفينة (تيتانيك) الضخمة بهيكل من صفائح، وأعمدة، وصواميل من حديد، بالنار ومطارق يدوية ضخمة الرؤوس.

شكل محطة الحافلات واضح، وطُعّم من الداخل بالخشب مما أعطاه لمسة طبيعية إلى جانب خضرة المساحات المحيطة به، والشكل الذي هيمن بحديده على محطة سكة حديد (الرباط) التراثية غير واضح، ولم تألفه العين، فسيظل مُستغربا عند المسافرين وعند المارة.

https://anbaaexpress.ma/ytvpx

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى