في عام 1895 صدر كتاب باللغة الفرنسية للفيلسوف الفرنسي وعالم الاجتماع (جوستاف لو بون) بعنوان سيكولوجية الجماهير أو القطيع, أحدث ضجة كبرى في الفكر الأوروبي ومازال.
ويعتبر الكتاب الأول الذي شق الطريق لفهم سيكولوجية الجماهير وتأسيس علمه.
ويصف الكاتب القوانين النفسية التي تحكم الجماهير, أن الفرد حين يكون بين الكتلة العمياء تحكمه قوانين تختلف عنها حين ينفرد لنفسه فيفكر؟
فمع القطيع يتحول إلى كائن جديد يخسر فيها معايير العقلانية, وينكمش النقد, ويخضع الأفراد إلى ما يشبه التنويم المغناطيسي, ويتحول الفرد من كائن مستقل، إلى نكرة، في كتلة تتحرك بفعل قوانينها الخاصة.
وهي كتلة تعمل بشكل آلي مثل أي جهاز دون سيطرة.
بكلمة ثانية إن الفرد المستقل هو غيره حينما يكون في الكتلة البشرية, ومعادلته بالتالي مختلفة كلية.
فالعاقل يصبح فجأة أشبه بالمجنون الذي يترنح وما هم بسكارى؟ ولكن الجماهير حولاء طرشاء برصاء عرجاء.
وهو ما قاله القرآن عن قانون الكتلة، أن أكثر الناس لايعقلون ولا يؤمنون ولا يشكرون ولا يعقلون..
ومن الغريب أن هذا الوباء لا ينجو منه أي عاقل، بل تغرق فيه نخبة المثقفين والمنظرين؛ فينسون عقولهم في غمرة الفوضى، ويتحولون إلى متعصبين قساة غلاة.
وهو أمر ملاحظ في كل الأفكار المتطرفة من النازية والفاشية، كما هي حالياً موجة التعصب التي تغمر العالم الإسلامي.
وأذكر من طهران حين وقف الجمهور أمام الخميني، وفجأة قفز أحد تلامذة (مالك بن نبي) المفكر الجزائري، فنسي عقله في لحظة، وكنت أعرف فيه العقل فلم يبق في الرجل عقل ورشاد بل كان يقفز مثل قردة البابون والأورانج أوتان؟ والرجل قضى حياته في الفكر العلمي، فبدأ يقفز بأمهر من قردة الشجر وهو يهتف عجل الله فرجه .. عن الإمام المختفي في السرداب منذ ألف سنة ويزيد؟؟ وأنا أفرك عيني ولا أصدق؟؟.
أو وزير الصحة السوري الذي تخصص في أمريكا في علم (الهيستوباثولوجيا ـ علم النسيج المقارن والمرضي) فاعتلى كرسيا، وأمسك مسطرة، وجمع الممرضات حوله، وهو يحرض على الهتاف لانتخابات رئيس أصغر من أصغر أولاده، بالدم بالروح نفديك يا أبو الجماجم؟؟؟
فعل هذا ولا ينقصه مال، وهو من عائلة كريمة، من خيرة عائلات دمشق، وجمع من الأموال كنوزا، ومن العقارات حارات، ومن السيارات قطيعا، ومن الحسناوات كوكبة..
والسؤال لماذا لماذا ؟؟.
يقول جوستاف لو بون إن أفظع المناظر على هذا القانون النفسي تدفق الجماهير وفق قانونها الخاص في الثورة الفرنسية وما سفكت من دماء. يقول (لوبون) إن هذا الوضع يشجع اندلاع وباء العنف على نحو منظم، كما في الانشطار المسلسل في قنبلة ذرية.
ويتم نقل المشاعر والأفكار ونشوة الإنجازات والعقائد بقوة من العدوى شديدة، مثل (فوعة) الميكروبات تماماً.
ويقول عنها إنها ملاحظة موجودة في عالم الحيوانات أيضا،ً حينما تتراص على شكل قطيع.
وهذا التحول يشبه الاندفاع المرضي مثل الطاعون والجدري، فيشتد حتى يبلغ الذروة، لينحسر بعدها، بعد أن يكون قد حصد ما حصد.
ويقول الطبيب النفسي الروسي (فلاديمير ميشالوفيتش) في دراسته عن أثر الإيحاء في الحياة الاجتماعية الذي صدر عام 1905م، إنه جرثومة نفسية مسئولة عن التحريك الجماهيري، كما هو في الجراثيم العضوية المتسببة في اندلاع الأوبئة، فتتم زراعتها ونقلها من شخص لآخر،. بحيث يصبح التكتل الجماهيري كائنا مصابا بالدوار بلا رأس يفكر.
وهو يشبه في هذا من جانب؛ قطع رأس الإنسان وبقاء ارتكاساته تخضع للنخاع الشوكي، فتستجيب وتنتفض لأقل إثارة.
وهو يعني أن الجماهير أصبحت كرة في ملعب الارتكاسات والإثارات وما أمتعها من لعبة، فيأتي مثل عبد الناصر وهتلر والبراميلي السوري وطغاة لا حصر لهم فيستخدمون هذه الآلية فيقودون الجماهير لحتفها، كما هي في كارثة عبد الناصر مع كارثة يونيو 1967م، أو كارثة هتلر في الحرب الكونية، أو المجاعة السورية مع عام 2022م وهي أدهى وأمر..
وليس السياسيون سوى عينات واضحة فإذا أضفنا إلى مسرح العرائس الشيوخ الدينين أصبح عامرا بفصول من التسلية لانهاية لها.. وأكثر الناس لا يعقلون.