تعيش تونس تحت وطأة أزمة إقتصادية طاحنة، التي اشتدت بفعل الكثير من العوامل الداخلية التي كان ولا يزال يعاني منها الإقتصاد التونسي، كما أنها ازدادت حدة بعد الكثير من الأزمات الدولية التي أضافت أعباء مستجدة لم يستطع الإقتصاد التونسي المريض تحملها فانتقلت إلى المواطنين الذين باتوا يعانون من إختفاء السلع الأساسية وليس فقط غلاء أسعارها.
قيس سعيد وتدبيره للأزمات
المفارقة هي أن الرئيس الحالي لتونس وصل إلى قصر قرطاج خالي من برنامج إنتخابي أو خطة عمل واضحة، وهو الذي لم يكن معروفا للمؤسسة السياسية المحلية، إذ بنى ترشيحه للرئاسة لعام 2019 حول مبادئ الثورة التونسية في يناير 2011، والخطاب الشعبوي واستطاع بذلك إنتزاع السلطة بشكل غير متوقع.
وفي أول إختبار له حظيت قراراته بدعم واسع من جميع فئات المواطنون التونسيون، على الرغم من إنتهاكها لروح ونص الدستور ومع ذلك، بعد عامين، عكس سعيد بشكل منهجي المكاسب الديمقراطية التي تحققت بعد الثورة، وتحدى إستقلال القضاء، ويحكم البلاد الآن بقبضة من حديد، وتبريره ذلك بإعادة مبادئ الثورة التي يعتقد أنها “مغتصبة”.
غير أن التبريرات التي أقدم عليها قيس لإخماد نيران الحشود الساخطة والمظاهرات ضده، لا تكرس سوى ضعف الإجراءات التي اتخذها في مواجهة الأزمة الإقتصادية.
فأصبح تكميم أفواه المنتقدين، وإخضاع المعارضة السلمية، واتهام الصحفيين المستقلين والنقابيين بتهم زائفة، ممارسة شائعة في تونس.
ومن المثير للاهتمام أن هذا مشابه لما يحدث في الجزائر المجاورة، ولعل المساعدات التي منحتها لتونس، تمكن سعيد من دفع مشروع الثورة المضادة، وكبح العدالة الإنتقالية التي تشتد الحاجة إليها، وتخريب سيادة القانون، وتآكل جميع المكاسب الديمقراطية التي كافح التونسيون بشدة للحفاظ عليها منذ الإطاحة ببن علي.
وكان لهذا أيضا أهمية أساسية بالنسبة للنظام الجزائري، آخر شيء تريده السلطات هو واحة ديمقراطية على حدودها الشرقية، أو في أي مكان آخر في العالم الناطق بالعربية.
تصريحات قيس سعيد اتجاه المهاجرين الأفارقة
المساعدات الجزائرية غير كافية لتجاوز الأزمات التي تشهدها تونس، ولم يجد قيس سعيد وسيلة فعالة للتعامل معها، سوى إستخدام ورقة المهاجرين الأفارقة جنوب الصحراء، وتوجيه الرأي العام نحو قضية المهاجرين بالإقدام بتصريحات عنصرية تعكس نظرية المؤامرة الديموغرافية اليمينية المتطرفة.
وفي خطاب ألقاه أمام مجلس الأمن القومي التونسي، طالب الرئيس قيس سعيد باتخاذ إجراءات عاجلة للقضاء على الهجرة من أفريقيا جنوب الصحراء، والتي قال إنها جزء من مخطط منظم يهدف إلى تغيير التركيبة السكانية للبلاد.
وقال “الهدف غير المعلن للموجات المتتالية من الهجرة غير الشرعية هو إعتبار تونس بلدا أفريقيا خالصا لا علاقة له بالأمتين العربية والإسلامية”مشيرا إلى “مخطط إجرامي منذ بداية القرن لتغيير التركيبة الديمغرافية لتونس”.
إستخدم الرئيس خطاب “الاستبدال العظيم” اليميني المتطرف لإتهام أحزاب لم يسمها بتمكين توطين المهاجرين الأفارقة غير الشرعيين في تونس، وربطهم بالعنف والإجرام.
متناسياً كون تونس مجرد نقطة عبور رئيسية بالنسبة للمهاجرين واللاجئين الذين يسعون لعبور البحر الأبيض المتوسط إلى أوروبا، بما في ذلك أعداد متزايدة من كل من التونسيين والأشخاص من البلدان الأفريقية الأخرى.
وتهدف هذه الحملة الرئاسية ضد المهاجرين الأفارقة جنوب الصحراء إلى خلق عدو وهمي للتونسيين لصرف إنتباههم عن مشاكلهم الأساسية.
وتأتي تعليقات سعيد المثيرة للجدل وسط حملة قمع ضد المنتقدين والمعارضين السياسيين، الذين غالبا ما يصفهم رئيس الدولة بأنهم “خونة” و”أعداء الدولة”، في مناخ اجتماعي متوتر أصلا، يشعر التونسيون بالإحباط بسبب إرتفاع التضخم، ونقص السلع الأساسية، والأزمة الإقتصادية المتفاقمة.
رد فعل المنظمات الحقوقية
وكرد فعل عن تصريحيات قيس أدان رئيس مفوضية الإتحاد الأفريقي موسى فقي محمد بشدة “التصريح الصادم” لسعيد، داعيا الدول الأعضاء في الإتحاد الأفريقي إلى “الامتناع عن خطاب الكراهية العنصري”.
وأثار خطاب الرئاسة غضبا بين النشطاء والأقليات في تونس، والذين نددوا به على الفور ووصفوه بأنه “عنصري” و”فاشي” بالإضافة إلى ذلك، تم الإبلاغ عن اعتقالات جماعية للمهاجرين كجزء من حملة أمنية وطنية مفترضة للتحقق من أوراق العمال الأفارقة، في حين تم إعتقال آخرين يشتبه في أن لديهم وضع هجرة غير نظامية.
ويكون قيس بهذه الحملة من التصريحات، عِوض التفاعل مع مطالب المواطنين التونسيون وإيجاد حلول للأزمات التي تشهدها تونس، خَلق أزمة جديدة، حيث خرج مئات المتظاهرين من جهة للتنديد بهذه الحملة الرئاسية ضد المهاجرين الأفارقة، مرددين شعارات مثل “تسقط العنصرية، تونس بلد أفريقي”، و”الشعب يريد العدالة الإنسانية”، ورفع لافتات تضامنا مع المهاجرين ومن جهة التظاهر ضد نظام قيس سعيد الذي يسعى جهدا على إقامة نظام سياسي مركزي يتمتع فيه بسلطة رئاسية ضخمة وغير محدودة، ويسود فيه الرئيس فوق الجميع.
تعليق واحد