على بعد أيام تحل الذكرى العشرين للغزو الأمريكي للعراق، في عهد إدارة جورج بوش الإبن، وتحديدا في 19 مارس، ويحاول الكثيرون من المشاركين في ذلك النزيف الدموي إعادة كتابة التاريخ اليوم وفق توصيف تقرير المجلة الأمريكية “The Nacional interest“.
وتطرقت المجلة الأمريكية إلى أن مسؤولين بارزين في إدارة جورج بوش الابن وآخرين في “أمريكان إنتربرايز إنستيتوت” و”هدسون إنستيتوت” وغيرهما أدلوا بشهادات عبر وسائل الإعلام حول الأسباب التي حالت دون توقعهم بأن الحرب ستكون مشروعاً فاشلاً، في حين يتمسك البعض بأن الحرب لم تفشل إطلاقاً.
وتسترعي الجهود المبذولة لمراجعة إرث الحرب الكثير من الانتباه، وهو ما لا ينسحب على الجهد الدقيق والمنسق الذي بذل من أجل صوغ مفاهيم للشعب الأمريكي قبل الحرب.
ولفت مساعدا البرامج في معهد “كوينسي أدامز”، باتريك فوكس وأي. ج. مانوزي في مقالهما في المجلة.
ومن هذا المنطلق، يحذر مساعدا البرامج في معهد “كوينسي أدامز”، باتريك فوكس وأي. ج. مانوزي في تقريرهما، من أن الجنون الذي رافق حرب العراق يمكن أن يتكرر ثانية، و”إذا لم نتعلم منه، فإن تكراراً للمناخ المحموم الذي ساد في 2002-2003 يمكن أن يجرنا إلى أزمة مع قوى نووية مثل روسيا والصين”.
وأضافا أن عقداً من العنف أدى إلى الغزو، وعقب القصف العنيف للبنية التحتية المدنية العراقية في حرب 1991، تركزت السياسة الأمريكية حيال العراق في التسعينات على فرض العقوبات العدوانية.
وخلال هذا العقد، كان تهديد القوة النارية الأمريكية ماثلاً في عمليات مثل مناطق حظر الطيران وعملية ثعلب الصحراء.
خداع الرأي العام الأمريكي
وعلى بعد محيطات، كان الرأي العام الأمريكي يغرق في سردية بدافع التسلية خلال تغطية على مدى 24 ساعة لحرب الخليج عام 1991. ومن ضمن هذه الإثارة مول روبرت مردوخ المسؤول في إدارة ريغان-بوش بيل كريستول الذي ينتمي إلى المحافظين الجدد، تأسيس مجلة “ويكلي ستاندرد” عام 1995. ووفرت هذه المجلة صوتاً عالياً للحركة السياسية التي غزت العراق.
وبرئاسة كريستول كانت “ويكلي ستاندرد” تنشر على غلافها عناوين مثل “صدام يجب أن يرحل” في 1997، ومقالات مثل “انتصار صدام الوشيك” في 1998، وكلها تقارن النظام العراقي المعزول بالرايخ الثالث لهتلر. كل هذا الضغط السياسي المنسق أدى إلى إقرار قانون حرية العراق عام 1998، الذي أكد العزم الأمريكي الحاسم على الإطاحةبنظام صدام حسين.
هجمات 11 سبتمر 2001
كان المحفز على الغزو الهجمات التي وقعت في 11 سبتمبر 2001. وبينما كان جورج دبليو بوش يركز رسمياً على محاربة تنظيم “القاعدة” مباشرة عبر الحرب العالمية على الإرهاب وما تلاه من إسقاط لنظام “طالبان” في أفغانستان، سرت في 14 سبتمبر أي بعد ثلاثة أيام على الهجمات، شائعات عن أن بوش تحدث عن “ضرب” العراق. ولم تدعم الوقائع وجود رابط بين الهجوم الإرهابي في 11 سبتمبر والعراق.
ومع ذلك، عملت الحكومة الفيدرالية، باستغلالها معلومات استخباراتية عسكرية حساسة، من أجل فبركة وقائع جديدة.
وبذل مكتب التخطيط الخاص بإشراف وكيل وزير الدفاع للشؤون السياسية دوغلاس فايث، جهداً من أجل جمع ونشر معلومات تربط بين صدام والقاعدة، مما أكسبه لقب “مهندس حرب العراق”.
قصة الإمبراطورية الأمريكية
وكتب ماكس بوت الذي ينتمي إلى المحافظين الجدد مقالاً في “ويكلي ستاندرد” بعنوان “قضية الإمبراطورية الأمريكية”، قارن فيه التدخلات الأمريكية بنصر الحلفاء على ألمانيا النازية.
ونشرت مقالات في “نيويورك تايمز” تعتمد بشكل كبير على شهادات منفيين عراقيين كانوا يطالبون بتغيير النظام، كما أوردت “واشنطن بوست” مقالاً بعنوان “غير قابلة للدحض” في إشارة إلى مزاعم عن محور العراق “القاعدة” وعن وجود أسلحة للدمار الشامل في العراق. ووصف كاتب خطابات بوش السابق ديفيد فروم اليمينيين المعارضين للحرب بأنهم “محافظون غير وطنيين” في مقال بمجلة “ناشيونال ريفيو”. وجرى تهميش منظم لكل معارض للحرب.
ولا تزال وسائل الإعلام المعاصرة تعتبر أن المصفقين لحرب العراق هم من الأصوات المحترمة في السياسة الخارجية الأمريكية، وهم يستغلون الفرضيات نفسها التي أخفقت قبل عقدين. وتعتبر آني أبلبوم أن أي شيء أقل من تغيير النظام في روسيا، سيكون بمثابة “استرضاء”. إن هؤلاء الذين قادونا إلى نزاع في 2003 بسبب أسلحة دمار شامل غير موجودة، يخاطبون اليوم رأياً عاماً أكثر حذراً، قائلين: “إذا كنتم تخافون من حرب نووية مع روسيا، فإنكم من مؤيدي بوتين”.
الحرب مع الصين حول تايوان أمر لا مفر منه
ولعل الرأي العام الأخطر هو ذاك الذي يتم صوغه حيال الصين. وهناك مثقفون بارزون ومسؤولون منتخبون يحاولون اعتبار الحرب مع الصين حول تايوان، أمراً لا مفر منه وواجباً.حسب ذات المجلة.
وتشير تقديرات إلى أن الأمريكيين الذين سيموتون يومياً في الأسابيع الثلاثة الأولى في النزاع حول تايون، سيكونون أكثر من أي أمريكيين ماتوا في أي نزاع باستثناء الحرب العالمية الثانية.
وهذه التقديرات مبنية على أساس أن الحرب لن تتحول حرباً نووية. وتتطلب مثل هذه الآفاق المظلمة نقاشاً أكثر جدية من ذاك الذي ساد قبل الذهاب إلى العراق.