أفريقياسياسة

تحليل.. القضية الليبية إلى أين؟

دخلت الأزمة الليبية عاما الثاني عشر منذ أن تدخل الناتو، وأسقط نظام معمر القذافي، وقد تسبب ذلك في إنقسام الشارع الليبي بين معارض ومؤيد لما حدث.

أجريت أول إنتخابات برلمانية تشهدها بعد 42 عاما في 7-7-2012، وانتخابات 2014 والتي شهدت خسارة للإسلام السياسي للمرة الثانية، والذي رفض النتائج بدأت عملية “فجر ليبيا” في العاصمة طرابلس بما يعرف بحرب المطار بين التشكيلات المسلحة، مما اضطر البرلمان للانتقال في أقصي شرقي البلاد في مدينة “طبرق” وتم تشكيل الحكومة المؤقتة وفي المقابل تم تشكيل حكومة الإنقاذ في العاصمة طرابلس، مما عزز الانقسام والأزمات في البلاد..

جاء الإتفاق السياسي الليبي في الصخيرات المغربية بين أطراف وتحديدا مجلس النواب والمؤتمر الوطني، تحت رعاية الأمم المتحدة في 17 ديسمبر 2015 بإشراف المبعوث الأممي “مارتن كوبلر “، وانتهاء الحرب في العاصمة وتطبيق الإتفاق الذي وقعت عليه الأطراف في 6 أبريل..

بداية المراحل الانتقالية:

إنبثق عن المجلس الرئاسي الذي تكون من 9 نواب وترأس حكومة الوفاق الوطني “فائز السراج” التي استلمت من حكومة الإنقاذ برئاسة “عمر الحاسي”، بعدما رفضت التشكيلات المسلحة وحكومة الإنقاذ دخولها، وبذلك أصبحت حكومتين مؤقتتين، في الشرق وحكومة الوفاق في العاصمة طرابلس.

وجاءت الحرب في طرابلس بين قوات الجيش الوطني وقوات حكومة الوفاق في أبريل 2019، والتي فتحت المجال لمزيد من التدخلات الخارجية من خلال تواجد مرتزقة إستعان بها طرفي الصراع، ولعل أهمها توقيع حكومة الوفاق مذكرتي تفاهم أمنية مع تركيا، فتحت للدخول قوات تركيا ومرتزقة سوريين وإتفاقية بحرية اثارة اللغط بين رافض ومرحب ومعارضة من مصر واليونان العدو التقليدي لتركيا، انتهت الأمور بأنسحاب الجيش الوطني من العاصمة إلى مدينة سرت في يونيو 2020.

وإعلان القاهرة الذي أطلقه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي من أجل نزع فتيل الأزمة الليبية.

خطوات مابعد وقف إطلاق النار في 6-6-2020:

تم إطلاق ثلاثة مسارات سياسية وإقتصادية وعسكرية والتي حددها المبعوث الأممي ” غسان سلامة “، وبناء على إتفاق برلين 2 شكلت اللجنة العسكرية 5+5 في يناير 2020.

ملتقى الحوار السياسي:

يمثل أحد المحطات المهمة مابعد وقف إطلاق وبناء على قرار مجلس الأمن رقم “2510” لسنة 2020، الذي صادق على مخرجات مؤتمر برلين 2، تشكل ملتقى الحوار السياسي والذي ضم “75”عضوا لم يعرف كيف تم إختيارهم، وبرعاية الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة بالانابة ورئيسة بعثة الأمم المتحدة “ستيفاني وليامز “، وعقد اجتماعته في العاصمة التونسية وجنيف، وانتهي بتوافق على خارطة طريق لإجراء الإنتخابات في 24 ديسمبر 2021، وتم اختيار حكومة ومجلس رئاسي  وأوكلت للحكومة المهام التالية:

1- تحقيق المصالحة الوطنية.
2- معالجة الأوضاع المعيشية وإجراء اصلاحات اقتصادية لليبييين.
3- توحيد المؤسسة العسكرية.
4- إنجاز الإنتخابات الرئاسية والبرلمانية.

مسار الإنتخابات الرئاسية والبرلمانية:

اتخذت الاستعدادات لإجراء الانتخابات وشكلت لجنة للتواصل بين مجلس النواب والمفوضية العليا للانتخابات، وتحمس الشارع الليبي وسجل فيها “2،800” مليون ناخب وفتحت مراكز التسجيل وقبول المرشحين البرلمانيين الذين بلغ عددها “5000” مترشح للتنافس على “200” مقعد، وتقدم للإنتخابات الرئاسية “98 ” مترشح بين مستقلين وتابعين للاحزاب.

ولكن المجلس الأعلي للدولة رفض القوانين الإنتخابية التي أصدرها مجلس النواب وطالب المفوضية العليا بوقف العمل بالقوانين التي أصدرها مجلس النواب وتحديدا قانون انتخاب الرئيس.

ولكن الرياح سارت بما لا تشتهي السفن، وحدتث مفاجأت لم تكن متوقعة ولعل أهمها ظهور، “سيف الإسلام القذافي” وتقديم أوراق ترشحه في جنوب البلاد، مما آثار ردود أفعال بين مؤيد ومعارض لترشحه.

وقد إستبعدت المفوضية “25” مرشح رئاسي بحجة عدم انطباق شروط الترشح من بينهم، “سيف الإسلام القذافي”
والمرشح “خليفة حفتر” الذي رفضت المحكمة الطعن الصادر بحقه، ورفضت أيضا المحكمة الطعون بحق رئيس حكومة الوحدة الوطنية “عبدالحميد الدبيبة”، وجاء إمتناع المفوضية عن نشر القائمة النهائية لمرشحي الرئاسة مما زاد من الشكوك حول إجراء الإنتخابات حتي أعلنت المفوضية القوة القاهرة وتأجليها، حيث تباينت الآراء عن أسباب إلغاء الانتخابات، ولعل أهمها هو التدخل الخارجي للضغط على المفوضية، لفرض المرشح “سيف الإسلام القذافي” المدعوم من روسيا الاتحادية.

المشهد السياسي مابعد إلغاء الإنتخابات:

أحبط الشارع الليبي الذي تأمل خيرا في إجراء أول انتخابات رئاسية للخروج بالبلاد من أزماتها السياسية والإقتصادية، وإنهاء الاجسام السياسية وانهاء التدخلات الخارجية.

وبذلك رجعت البلاد لسجالات جديدة وأعلن مجلس النواب إنتهاء صلاحية حكومة الوحدة الوطنية في 24 ديسمبر 2021، وقام بسحب الثقة منها ولكن حكومة رفضت الرضوخ وربطت تسليمها للسلطة للحكومة منتخب.

وقام البرلمان بسحب الثقة من حكومة “عبدالحميد الديبية”و كلف حكومة جديدة برئاسة “فتحي باشاغا” سارعت حكومة الوحدة الوطنية لرفض تكليف حكومة جديدة وتمسكت بموقفها لتسليم السلطة لحكومة منتخبة.

أحدث التكليف خلافات واسعة بين الأطراف السياسية بين مواقف ومعارض، وإصطفافات بل حدثث صدامات عسكرية لتدخل أطراف داخلية وخارجية، ويبدو أن الدول المتدخلة في ليبيا لم تكن راضية عن تشكيل حكومة جديدة.

إجتماعات مجلسي النواب ومجلس الدولة الفاشلة:

بدأت جولة جديدة برعاية المستشارة الخاصة للأمين العام للدعم “ستيفاني وليامز” بعد تكليفها بالمهمة خلفا “لغسان سلامة” الذي استقال من مهامه، عقدت في القاهرة اللجنة المشتركة من مجلس النواب والمجلس الأعلي للدولة في محاولة لإنجاز قاعدة دستورية لإجراء الإنتخابات، وإستمرت اللجنة في التنقل بين القاهرة وجنيف وبوزنيقة ولم تسفر هذه الجولات من الخروج باتفاق على القاعدة الدستورية أو المناصب السيادية.

الشارع الليبي فقد الثقة في المجلسيين وارتفعت الأصوات المنادية بضرورة رحيلهم عن المشهد السياسي بعد 8 سنوات، وفشلهما في التوافق على قاعدة دستورية للإنتخابات، واتهامها بإضاعة الوقت ورغبتهم البقاء بالسلطة.

وجاء تحذير المبعوث الأممي الجديد للدعم “عبدالله باتيلي ” للمجلسيين بأنه سوف يتم تجاوزهما وكذلك الولايات المتحدة والدول الغربية.

مما أدى إلى تسارع مجلس النواب لإجراء التعديل الدستوري الثالث عشر الذي عارضته هيئة صياغة الدستور وطالبت بالاستفتاء على الدستور الموجود في الإدراج منذ عام 2007.

أحال مجلس النواب التعديل الدستوري إلى المجلس الأعلى للدولة، الذي قام بدوره بالتصويت على المناصب السيادية وحالتها للمجلس النواب، رفض المجلس الأعلي التعديل الدستوري بسبب الانقسام بين الأعضاء، ليعود بعد يومين من إحاطة المبعوث الأممي أمام مجلس الأمن الدولى في 27 فبراير 2023.

ويرى المتابعون بأن هذه الخطوات تعد محاولة لثني المبعوث الأممي عن تحذيره بتجاوزهما، وتسائلو عن سرعة هذه الإجراءات بعدما اضاعوا الكثير من الوقت قبل ذلك.

إحاطة المبعوث الأممي للدعم الى أمام مجلس الأمن:

أطلق المبعوث الأممي إلى ليبيا يوم 27 فبراير 2023، مبادرة لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية خلال هذا العام، وإنشاء لجنة توجهية رفيعة المستوي للدفع قدما للتوافق على إجراء الإنتخابات..

هذه الخطوة يراها المراقبون بأنها تجاوز للمجلسي النواب والدولة بتأييد أمريكي بريطاني.

وقد تأرجحت هذه المبادرة في الداخل الليبي بين مؤيد ومعارض وبدوره رفضها مجلسي النواب والدولة وبأنها تدخل ووصية على الليبيين متهمين السيد عبدالله باتيلي بتجاوز صلاحيته .

المبادرة الأممية بين النجاح والفشل:

توافد على ليبيا 8 مبعوثين أمميين منذ عام 2011، كلهم بذل جهود وقدم مقترحات ومبادرات وأنجز اتفاقيات تهدئة وإختيار للحكومات، وشهدت البلاد تدخلات اقليمية ودولية، صدرت من خلالها، قرارات تحت الفصل السابع لمعاقبة المعرقلين للعملية السياسية، عانت ليبيا من أزمات اقتصادية ومعيشية ولم تتحقق المصالحة الوطنية، إندلعت حروب ولازالت التشكيلات المسلحة تحمل السلاح خارج شرعية الدولة، أفشلت الانتخابات التي كانت مقرر بموعد والتزام دولي في 24 ديسمبر 2021.

يعاني الشارع الليبي من الصمت بسبب السلبية المقيتة..، أمام كل هذه الإكراهات هل سيتمكن المبعوث الأممي من الوصول بالليبيين إلى إجراء الإنتخابات؟

ومامدي جدية الدعم الأمريكي الغربي لاستمرار ليبيا في ظل الانقسام في مجلس الأمن بين روسيا وأمريكا ؟!

https://anbaaexpress.ma/ktx1q

إدريس أحميد

صحفي و باحث في الشأن السياسي المغاربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى