بعدما كانت جريدة “لوموند” الفرنسية سباقة في مديح حماقات البوليساريو بالصحراء المغربية، وعرض وجهة نظرهم المغلوطة بالجغرافيا والتاريخ ها هي اليوم تعود بملف استقصائي أكاديمي حول ما تدعيه الصحراء الغربية.
إجتمع حوله ثلة من الأساتذة الأكاديميين تحت عنوان: “الصحراء الغربية.. حل النزاع يجب أن يفكر إليه الآن في إطار مؤتمر دولي”.
بمبادرة من الباحثة الاكاديمية خديجة محسن فينان وجان بيير سيريني، داعية الدول الأوروبية إلى الإنخراط بشكل أكبر في المواجهة بين المغرب والجزائر لمنع تدهور الصراع إلى حرب إقليمية تقليدية بالشمال الافريقي.
فحسب وجهة كتاب هذا البحث الجماعي، بعد مرور خمسين سنة على إسترجاع المغرب صحرائه، دخل في حرب بلاهوادة مع مسترزقة جبهة البوليساريو المدعمة من طرف الجزائر، ففي نظرهم (الصحراء الغربية) تعتبر قنبلة موقوتة في وجه كل الأطراف المنخرطة في واحدة من أقدم صراعات الاقليمية بإفريقيا (كمستعمرة اسبانية سابقة).
فالجميع تقريبا غير راضين عن الوضع الراهن الذي ما يزال قائما، ولم يتمكن المجتمع الدولي من تفكيكه.
الصحراويون (الانفصاليون) لا يستطيعون الانتظار أكثر من ذلك.يدفع اليأس بعضهم إلى الانخراط في المعارك التي تمزق منطقة الساحل والتي تصاحب أنواع التجارة، من المخدرات إلى الأسلحة.
وكذلك المغاربة (أصحاب الارض)، الذين يسيطرون على معظم الأراضي بالصحراء، ينتظرون، على الرغم من نجاحاتهم الدبلوماسية (افتتاح للعديد من سفارات والقنصليات بالعيون والداخلة)، والإعتراف الدولي بالصحراء المغربية و تأييد الحكم المحلي في اطار السيادة المغربية .
أما بالنسبة للجزائريين، الذين يدعمون القضية الصحراوية (بتندوف)، فان الوضع شائك ينم عن معضلة معقدة، فإن الحفاظ على جيب مستقل في وسط الصحراء الغربية أمر مكلف ويعقد علاقاتهم مع العديد من الدول الأفريقية والغربية، وعلى راسهم العواصم الأوروبية وخصوصا إسبانيا، التي تتعرج بين الحساسيات الاقليمية والعواطف العميقة الإستعمارية.
باريس ومدريد على وجه الخصوص يواجهان بدورهما غضب هذا الطرف أو ذاك، مرة تفرض الجزائر عقوبات على المملكة الإسبانية، ومرة أخرى تتشاجر الرباط مع فرنسا رغم أنها تعد حليفتها التاريخية، لا أحد يربح في هذه المعركة التي لا نهاية لها، وهي عقبة أمام بناء المغرب العربي الذي كان من الممكن أن يستفيد أكثر من التعاون الوثيق بين أعضائه.
و يتسأل مرة ثانية كتاب المقال الجماعي عن من يمكنه التدخل لإنهاء هذا الوضع الشاذ ؟ موضحين خاصة، أن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب جرب ذلك بطريقته الخاصة من خلال نظرته للشرق الأوسط، لكن اعترافه بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية في ديسمبر 2020 أدى إلى إعادة إشعال الأزمة الإقليمية أكثر مما دفع القضية.
دبلوماسية الابتزاز
فالدول الأوروبية مطالبة بالمشاركة الفعالة بشكل أكبر، بما في ذلك فرنسا، التي لها تاريخ استعماري بمنطقة المغرب العربي والتي رسخت الحدود الجزائرية المغربية الحالية من خلال توسيع التراب الجزائري معتقدة آنذاك انها أرض فرنسية للابد، فوفق نظر الأكاديميين كتاب المقال، لا يمكن لفرنسا أن تبتعد عن الصراع في الصحراء الغربية.
باعتبارها كانت امبراطورية استعمارية بالجزائر خصوصا و بأفريقيا عموما.
إنها القضية التي تفرض نفسها بكل الأحداث الاقليمية بشمال أفريقيا، وعلاقتها بأوروبا فيما يتعلق بإمدادات الطاقة في أوروبا، وقضايا أخرى، فإن عدم حله سيؤدي لا محالة الى دبلوماسية الابتزاز التي تمارسها الرباط والجزائر حسب كتاب المقال، في محاولة إجبار شركائهما على الانحياز إلى أحد الجانبين.
فقد تمكنت دول قليلة عالميا كبرى، مثل الولايات المتحدة أو روسيا، من الحفاظ على العلاقات الدبلوماسية مع كل من الدولتين، بين الضغط الذي مارسته الرباط لجلب أكبر عدد من الدول لتبني موقفها وسلاح الطاقة الذي تستخدمه الجزائر، أصبح من الصعب بشكل متزايد على الأوروبيين البقاء خارج هذا الصراع الاقليمي.
لمنع قانون الأقوى من أن يحل محل قواعد العلاقات الدولية بشكل نهائي، من الضروري تسوية هذا الصراع، لكن ليس من خلال دعوة الفاعلين، مرة أخرى، للجلوس حول طاولة للتفاوض، لأن هذه الصيغة لا معنى لها حقًا لأن العداء بين النظامين عميق وسباق التسلح الذي ينخرطون فيه يثير مخاوف من حرب إقليمية/ تقليدية ستكون كارثية بالنسبة للجميع، مما يلغي بشكل نهائي إمكانية قيام إتحاد دول المغرب العربي.
وقال الأكاديميون كتاب المقال الجماعي، إنه يتعين الآن النظر في تسوية هذا الصراع في إطار مؤتمر دولي، هذا الإجتماع، الذي يمكن عقده في باريس، سيتيح، بنظرهم إتاحة الفرصة للنظر في شروط نتيجة مقبولة لجميع المتحاربين، لأنه لا يمكن اعتبار أي من الأطراف، عسكريًا ودبلوماسيًا، فائزًا أو مهزومًا.
إن انخراط دولة ثالثة أو أكثر من شأنه أن يجعل من الممكن الخروج من المواجهة المباشرة بين المغاربة والجزائريين المهووسين بالنصر الكامل والنهائي على جيرانهم.
إن هذا الموقف من جريدة “لوموند”، حول الصحراء المغربية وتقديم فيما يعتقد فرنسيا هو الحل الأنسب لهذه القضية، يعكس أن هناك مشكلا فعليا مع المغرب ،فبوصلة فرنسا ضائعة وتائهة في تحديد مصالحها الوثيقة في الشمال الافريقي.
كما أكد عليه رئيس اللجنة البرلمانية المشتركة بين المغرب والإتحاد الأوروبي في مؤتمر صحافي «أظن أن جزءا من الدولة العميقة في فرنسا تزعجه الانتصارات الأمنية والدبلوماسية للمغرب، واستغل هذه الأزمة ليحرك الليبراليين الفرنسيين لتبني هذا القرار..”.
ورئيس البرلمان المغربي حيث قال سابقا : «التموقع الجديد لبلادنا إقليميا وقاريا ودوليا يثير حنق جهات خارجية، تعبئ العديد من الإمكانيات ووسائل الإعلام واللوبيات، وتحشد الأصوات لمناهضة بلادنا لا لشيء، إلا لأنها تشق طريقها بثبات وعلى أساس القرار الوطني المستقل نحو تموقع دولي متقدم»، فبدل أن تكون شراكتها مثالية استثنائية أخوية وعصرية مع المغرب، وتعترف كباقي الدول بالسيادة المغربية على الصحراء المغربية.
فإنها تماطل بمواقف حربائية إتجاه قضية المغرب العادلة، تعقد صفوة العلاقات بين البلدين، خصوصا بعدما عرفت نوع من الاستقلالية الرباط في إدارة شؤون الصحراء المغربية بعيدا عن عيون فرنسا الإستعمارية، وتنويع العلاقات والشراكات، ولعب أدوار إقليمية قد تتعارض وتتصادم أحيانا مع المصالح الفرنسية، خصوصا في القارة الافريقية، وهذا ما أقلق النخبة الفرنسية ضياع نفوذهم الاستعماري بمناطق تسمى حديقتهم الخلفية.
إن فرنسا واهمة، وخاسرة في استراتيجيتها نحو قضية الصحراء المغربية، وتعرف ان سهامها الاعلامية الضالعة في ما يشبه المؤامرة لن تخيف المملكة المغربية.
فالكل مكشوف أمام الراي العام المغربي، وقد أسقطت كل الأقنعة الفرنسية المشبوهة، بوقوفها وراء قرار البرلمان الأوروبي الأخير حول المغرب.
فالأجدر بها حاليا، هو العمل على تجديد الثقة والمصداقية في العلاقات بين البلدين على اسس اقليمية جديدة بعيدة كل البعد عن المصالح الضيقة والآنية للجار الجزائري .