مع سيادة الجهل والتجهيل، في مجال التفكير الديني، فهما وإفتاء وتنظيرا، ومع بروز ظاهرة الخبراء والعلماء المزيفين، ومع طغيان التبسيط في تدبير هذا الفهم، سواء من أهل الدين وخصومه، ومع تنامي الموضوعات المغشوشة، وهشاشة أدوات التحليل النظري، كان لا بد من تقديم سلسلة تعنى بتجديد وفهم الدين في سياق مشروع تحت عنوان: جهاد المعرفة، ورأينا أهمية مناقشته، ورفع الإيقاع العلمي، لتحرير القول في لاهوت المعرفة وروح الشرائع من مستوى الخطاب الشعبوية إلى مداركه العلمية.
وهذه السلسلة التي سيقدمها المفكر المغربي إدريس هاني، كل يوم جمعة، ستعنى بكل القضايا ذات الصلة، والتي لها علاقة بقضايا الإجتهاد والتجديد في الفكر الإسلامي، ذلك الفكر الذي توقف زمن التجديد فيه، بعد هيمنة خطاب السياسوية والديماغوحية والتبسيط، في سياق ظل محكوما بغياب العلماء الحقيقيين وانزواء المثقف، وهو ما فتح المجال للفوضى، وجعل النقاش ينحدر إلى مستوى الشعبوية.
هذه السلسلة تخاطب النخب المعنية بتدبير الفهم الديني وفلسفته، كما أنها لا تستغل جهل العوام لتمرير أحكام إنشائية حول معضلة تقتضي نقاشا عالما، بآلياته ومفاهيمه ولغته الصناعية.
سنتناول هنا قضايا الإصلاح والتجديد والنهضة وفلسفة الدين وفهمه وتدبير الاجتهاد والفتوى في المجال الشرعي وقضايا المقاصد وما آلت اليه من سوء استعمال ومغالطات، وقضايا الحداثة والتنوير والتسامح والتطرفات وحوار الحضارات والتنمية، ومناقشة مفاهيم نبتت في سياق النكوص والتخلف.
الغرض تعزيز الوعي العام، وإنقاذ المتلقي من أشكال الوعي المغشوش والنصب والاحتيال والشعوذة الايديولوجية في مجال الخطاب، والعودة بالنقاش الإصلاحي إلى بيئته العلمية وطاولته المستديرة بين أهل الخبرة والمعرفة.
ولأنها تستهدف العقل، وتشتغل في بيئة كثر أدعياؤها، ستضطر هذه السلسة إلى توثيق الحالات، وتأكيد السبق والتأسيس، والتأريخ للخطاب، لأن عدو الأدعياء هو التأريخ، تاريخ الموقف والفكرة ومصدرها.