ها هي فرنسا تعاود الكرة وتهين هذه المرة النظام الإستخباراتي للزمرة العسكرية الحاكمة بالجزائر، التي تحكم الجزائر بقبضة حديدية، وتمارس التنكيل على أعضاء الحراك السلمي الجزائريين والصحفيين وكتاب السوشيال ميديا الاجتماعية.
بوضح النهار تسقط كل أساليب وخدع المخابرات العسكرية الجزائرية بكل أنواعها في رصد هروب المناضلة والنشيطة السلمية أمينة بوراوي.
هذا التصعيد الفجائي للجزائر الأخير ضد فرنسا بسبب سفر الناشطة الجزائرية ـ الفرنسية من تونس إلى فرنسا يعد فصلا جديدا من فصول العلاقة الغريبة بين البلدين، حيث تختلط السياسات والمصالح والمشاعر والقضايا اختلاطا يطغى، أحيانا كثيرة، على الأحداث فيعقّدها مما يحوّل حقا حقوقيا معترف به عالميا، الحق بالسفر إلى بلد آخر، إلى قضية “سيادية” وأزمة دبلوماسية.
ومن هنا يثور شرعية السؤال التالي: لماذا أثارت قضية الناشطة الحقوقية بوراوي كل هذه الإهانات الإستخباراتية؟ و تساؤل، عن وضعية هذه العلاقات الدبلوماسية بين البلدين ؟
تعد الناشطة الجزائرية/الفرنسية، الطبيبة والحقوقية أميرة بوراوي، المعروفة بأنشطتها الحقوقية، ببرامج سياسية، وشاركت في حركة «بركات» سنة 2014، التي قادت حملة ضد الولاية الرابعة للرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة، وكانت حاضرة، في خضم الحراك الشعبي الجزائري، بمطلع سنة 2011 بنشاط «التنسيقية الوطنية من أجل التغيير والديمقراطية».
وكانت تعرف نفسها بتواضع أنا بالأول والأخير: «مواطنة ثارت من شدة الظلم واختراق القانون والدستور» وتعتز كامرأة مناضلة من بلد مليون شهيد للاستعمار الإحلالي الفرنسي بالجزائر، كمثيلاتها أثناء الثورة كالمناضلة حسيبة بن بوعلي و جميلة بوحيرد وغيرهن.. وقد سجنت على افكارها وأنشطتها التحررية في سنة 2020.
وتواجه دعوى أخرى يمكن أن تحبس بسببها سنتين بسبب آراء نشرتها على صفحتها في فيسبوك إعتبرتها السلطات “إساءة للإسلام” فيما رأت الناشطة الحقوقية ما تقوم به السلطات ضدها “اعتداء على أبسط” حقوقها، إضافة إلى منعها من العمل ومقاضاتها حتى بسبب النكات على فيسبوك.
إن احتجازها ثلاثة أيام وسفرها عبر مطار قرطاج بالعاصمة تونس، بعدما إطلاق المدعي العام التونسي، سراحها واعتقالها من طرف أشخاص “بزي مدني” ومحاولة اقتيادها إلى مركز شرطة حدودي لترحيلها إلى الجزائر، و (يظهر الإعتقال الثاني لأميرة بوراوي في تونس، أولا، العلاقة المتميزة والوطيدة بين السلطات الجزائرية وبعض أجهزة الأمن التونسية، التي تجاهلت قرار المدّعي العام إطلاق سراحها، وحاولت ترحيلها.
الشيء الذي أعتبره محاميها، “محاولة خطف واحتجاز من جانب بعض سلطات إنفاذ القانون في تونس بناء على طلب السلطات الجزائرية”.
وحسب محامي الناشطة فرانسوا زيميراي، فقد «استنفرت الخارجية الفرنسية بشدة» لأن القانون الفرنسي يعتبر «الإعتقال التعسفي جريمة» وتم وضع الناشطة «تحت الحماية الفرنسية» لتتابع رحلتها إلى ليون بفرنسا ، حيث يقيم إبنها، وأن تكون آمنة من إرهاب وضغوط إستخبارات الأجهزة الأمنية العسكرية الجزائرية.
يظهر الإعتقال الثاني لبوراوي في تونس، أولا، العلاقة «الوثيقة» بين السلطات الجزائرية وبعض أجهزة الأمن التونسية، التي تجاهلت قرار المدّعي العام إطلاق سراحها، وحاولت ترحيلها.
رد فعل النظام العسكري الجزائري كان متسرعا وينم عن فقر بالثقافة الدبلوماسية، فبدل أن يكون من تخصص وزارة الخارجية في شخص وزيرها جاء من اعلى سلطة عسكرية دونما مراعاة لهرمية التخصصات للدولة الجزائرية حيث كان مرتفعا جدا بالمقاييس الدبلوماسية، أمر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون شخصيا، بإستدعاء سفير بلاده في فرنسا “للتشاور” ( كخطوة تصعيدية أمام الراي العام الجزائري، الذي يشعر أن هذه الزمرة العسكرية ذاهبة بالجزائر الى الهاوية وفقدان سيادتها وكرامتها بين الأمم ) وأرسل مذكرة رسمية إلى فرنسا “تحتج بشدة على عملية الإجلاء السرية وغير القانونية” لمطلوبة من القضاء الجزائري.
وهذا الإجراء المتسرع، فقد سبق أن فعل مثيله له سابقا، وتم التراجع عنه رغم رفض الرئيس الفرنسي ماكرون الإعتذار أو بأحسن الأحوال مجرد إعتذار شفوي للشعب وللذاكرة الجزائرية عن الفترة الاستعمارية.
ووصفه للنظام السياسي العسكري القائم بأنه يعيش على ريع الذاكرة.
إن الإهانة والهزيمة التي تعرضت لها الأجهزة الإستخباراتية الجزائرية، قسمت هيبتها وإستعلائها على المواطن الجزائري و إدعاها انها أقوى إستخبارات بشمال إفريقيا.
فالاختراق الفرنسي كان مهين داخليا، ودخول أجهزة أمنية فرنسية، وتجاوزها للسيادة الجزائرية، والتدخل في شأن محلي جزائري يخص مواطنة جزائرية، وتعاونها مع خلية حقوقية وسياسية ساعدت الناشطة بواري في إختراق الحواجز الأمنية المراقبة من طرف الجهات الأمنية العسكرية على طول الحدود الجزائرية التونسية، وتمكين الصحافية والناشطة الحقوقية أميرة بوراوي إلى السفر إلى باريس بعد أن قدمت فرنسا الحماية لها عبر سفارتها في تونس، وهو ما يعني إثبات عجز الإستخبارات الخارجية الجزائرية وتحدي دورها في دولة (تونس) تعتبرها حليفة لها في مشاريعها الوهمية بالمغرب العربي.
من خلال التواصل مع جهات داخلها ساعدت في تمكين الناشطة الحقوقية من السفر إلى تونس عبر الحدود الجزائرية التي صدر قرار بمنعها من تجاوزها، وتقديم كل التسهيلات للناشطة الحقوقية أميرة بوراوي من السفر إلى باريس بعد أن قدمت لها فرنسا المخادعة الحماية لها عبر سفارتها في تونس.
بينما ترى الجزائر أن دخول أجهزة أمنية خارجية لتحدي قرار سياسي يتعلق بمواطنة جزائرية، يعتبر تدخلا في الشأن الداخلي، و اختراقا للأجهزة الأمنية ومسا بهيبتها، فضلا عن كونه تواطؤا مع جهات حقوقية محلية ودولية على إدانة الوضعية الحقوقية في الجزائر.
ها هي فرنسا مرة ثانية تعلن من خلال جريدتها لوموند الإستخباراتية في صفحتين عن الوضع الخطير والهش لنظام العسكر بالجزائر، وتصف مخابراته بأبشع النعوت النفسية، وتسمح للناشطة أن تتحدى جمهورية كوميديا العسكر بالجزائر بتصريح تقول فيه:
“لم أهرب من الجزائر، ولن أختار فرنسا كبلد منفى، وأنني أعود للجزائر قريبا“.
وكما قلنا في مقالنا السابق، إن النظام العسكري يلعب بالنار حينما أوعز لصحفيين فرنسيين لم يحضروا أصلا مؤتمر ما يسمى مرتزقة البوليساريو لجريدة “لوموند” بمديح حماقات البوليساريو على أراضي الصحراء المغربية.
و اليوم تذوق من نفس الكأس، الإحراج الدولي والإقليمي و المغاربي، الإستخبارات لازالت تعيش بعقلية الحرب الباردة، لقد خانها النظام التونسي تحت زعامة قيس سعيد وطعنها بظهرها بتقديمه كل التسهيلات للضغوط الفرنسية في تسهيل سفر الناشطة الحقوقية أمينة عبر مطار قرطاج.
إنها الآن في مفترق طرق الخسارات والخيبات للشراكة مع المستعمر القديم للجزائر، لقد خسرت نهائيا الندية مع فرنسا وسيادتها الوطنية وسخرية محلية ودولية وأصبحت أرضا مشاعا للمخابرات الفرنسية وفروعها بالجزائر التي تخدم مصالح فرنسا على حساب المصالح الوطنية الجزائرية الحقيقية، (وقد تكلم عنهم الرئيس تبون مرات عديدة بخطبه، ووصفهم بـ “الخبارجية”) وهم وكلاء “حزب فرنسا” الذي تركهم الإستعمار تمكن كوكلاء له هناك ليخدموا أجندته الإستعمارية الماكرة .
وفي النهاية أغرب ما قرأت هي برقية وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية، التي شنت هجوما لاذعا على السلطات الفرنسية، و إتهمت المخابرات الخارجية الفرنسية تحديدا بتنفيذ خطة تقضي بتقويض العلاقات الجزائرية-الفرنسية، يتم تنفيذها من قبل عملاء سريين و ”خبارجية” (متخابرين) وبعض المسؤولين في هذا الجهاز.
وطرحت الوكالة علامات إستفهام، بخصوص كيف أن “امرأة ليست صحفية ولا مناضلة ولا تحمل أي صفة، يتم إجلاؤها إلى فرنسا، وفي ظرف 48 ساعة يتم إستقبالها وتمكينها من التحدث في بلاتوهات قنوات تلفزيونية عمومية”، وذلك دليل حسبها على أن المخابرات الفرنسية أعلنت التعبئة العامة “لخبارجيتها” وبات هدفها واضحا.
وأضافت تقول بلغة تحذير: “ليعلم هؤلاء أنه إذا فكرت فرنسا في تكرار سنة 2023، سيناريو “خليج الخنازير” فأنهم قد أخطأوا في العنوان”.
وشرحت كلامها بالقول: “الجميع يعلم أنه يوجد على مستوى المديرية العامة للأمن الخارجي الفرنسي، خطة تقضي بتقويض العلاقات الجزائرية-الفرنسية، يتم تنفيذها من قبل عملاء سريين و ”خبارجية” وبعض المسؤولين على مستوى المديرية العامة للأمن الخارجي الفرنسي ووزارة الخارجية الفرنسية وكذا بعض المستشارين الفرنسيين من أصل جزائري لا يخفون ولعهم وتبجيلهم للمخزن (النظام المغربي).”
أتساءل بحرقة من جديد، ما هو دخل المغرب حكومة وشعبا في هذه القطيعة؟، لقد خرجت أميرة بوراوي عن صمتها، مفندة الأخبار التي تم تداولها عن ضلوع المخابرات الفرنسية أو أي جهات اخرى إقليمية في عملية إجلائها من الجزائر.
وأبرزت أمينة بوراوي في حوار على “قناة تي في 5 موند” أنها بالفعل غادرت التراب الجزائري بطريقة غير شرعية نحو تونس، عبر معبر أم الطبول الحدودي بولاية الطارف أقصى الشمال الشرقي للجزائر، لكن ذلك لم يكن بمساعدة أحد، على حد قولها.
وأكدت الناشطة الحقوقية في تصريحها، أن السفارة الفرنسية لم تكن على علم بالقضية، إلا عندما تم إختطافها في تونس على يد الشرطة بعد أن أطلقت النيابة سراحها وحديث المحامين والمنظمات الحقوقية عن القضية، ليقوم بعدها القنصل الفرنسي بالتدخل ويعلن أنها تحت الحماية القنصلية الفرنسية لمنع ترحيلها للجزائر.