إن الإنسان مفطور على معرفة خالقه، وهناك عهد وميثاق قد أخذه الله على عباده وهم في عالم الذر، أنه ربهم وخالقهم وموجدهم، قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} الأعراف: 172، وهذا ما أكدته الإنكليزية كارين أرمسترونج إذ وصفت الإنسان في كتابها (تاريخ الإله)، بأنه كائن روحي.
واقترحت للجنس البشري اسمًا آخر؛ ليصبح (الإنسان الدَّين) بدلًا عن (الإنسان العاقل). كذلك أكدت أن المفاهيم الدينية فطرية عند الإنسان، وأنه من المستحيل استئصال شأفة الدين من النفس الإنسانية، كما يرغب ويتمنى ويطمح الملحدون. الأستاذ الأمريكي في جامعة كلا ريمونت (مايكل شيرمر) يقول: “إن الشعور بثنائية الجسد والروح أمر فطري مزروع في فينا منذ ولادتنا”. وأما (روبرت وينستون) رئيس الاتحاد البريطاني فيقول: “إن الحس الديني جزء من بيتنا النفسية، وأنه مسجل في جيناتنا، وأنه يتراوح قوة وضعفًا من إنسان لآخر”.
في نفس السياق، يقول العالم الكبير (إسحق نيوتن): “هذا النظام الأكثر روعة الذي يحتوي الشمس والكواكب والمذنبات، لا يُنشئه إلا مُوجد فائق الذكاء والقدرة، مُوجد يتحكم في كل شيء، ليس كروح العالم ولكن كإله فوق الجميع”.
ويقول أستاذ الرياضيات الأمريكي (د. وليام ديمبسكي): “إن إبعاد الله عن الكون ورؤية الكون أو العالم بأنه مجرد مادة هو السبب الجوهري في سقوط البشرية”.
أما الدكتور (ألبرت أينشتين) فيقول: “إن ديانتي تحثني على الإعجاب المتواضع بالروح الفائقة اللامحدودة، التي تُظهر نفسها في التفاصيل القليلة التي نستطيع أن نفهمها بعقولنا المحدودة .. بهذه القناعة العاطفية العميقة بوجود قوة عقلية فائقة؛ التي تكشف عن نفسها في هذا الكون الغامض، تكَّون لي فكرة عن الله”.
ويقول الفيزيائي والبيولوجي الأمريكي (د. جيرالد شرويد): “إن كل شيء بلا استثناء يُعد مظهراً لوحدة أبدية، ووعي كلي الوجود، ومتجاوز للمادة، هو الذي نسميه الله”. وقال أيضًا: “إن الحكمة والمعلوماتية هي الرابط بين الخالق الميتافيزيقي والخالق الفيزيائي؛ إنه الوجه المختبئ لله”.
ويقول الفيزيائي الفلكي البريطاني (د. جون بارو): “يبدو أن الكون قد تم تصميمه بعقل رياضي بحت”.
ويقول الفيزيائي الفلكي الأمريكي (د.هوف روس): “إن خواص الكون والأرض والحياة تعكس بشكل واضح خيار الخالق وتصميمه”.
أما علماء الجيولوجيا فقد أثبتوا أن الكون قائم على التعاون والتكامل، وليس على التصادم والتصارع، كما زعمت النظريات الداروينية والماركسية، فلقد كشفت الدراسات العلمية الميدانية، أن السمة الجوهرية لسلوكيات الكائنات الحية ليس الصراع والتنافس، وإنما التعاون والتكامل، والأمثلة على ذلك لا تُعد ولا تُحصى، ومن ذلك:
يقول الجيولوجي البريطاني (د. ريتشارد ميلتون): “إن أغلبية آكلات اللحوم لا تتغذى على الفريسة التي قتلتها بنفسها، بل بدلًا من ذلك تتغذى على الرمم والجيف والبقايا، وهذا يشمل الأسود، وأسماك القرش؛ التي تأكل في أغلب الأحيان ليس بمجهودها الخاص، بل بجهد أسد آخر، أو سمك آخر، وبذلك لا يستلزم وجود القتال والصراع”.
ويقول البيولوجي البريطاني (د. جوردن تايلور): “في الواقع إن التنافس نادر جدًا، ومثال دارون عن الذئاب المطاردة للأيل؛ حيث اعتقد أن الأسرع من الذئاب، سوف يقتل الأيل، ويحصل على اللحم وحده، يُعد خاطئًا؛ حيث أنه في الواقع أن الذئاب يصطادون في جماعات، ويتقاسمون الفريسة”.
أما الكيميائي الأمريكي (د. جيمي ديفيس) يقول: “إن الكائنات الحية يبدو أنها خُلقت من أجل بعضها البعض”.
وأما أستاذ الكيمياء الحيوية الأمريكي (د. لوثار شافير) يقول: “كشفت الحقيقة الفيزيائية الطبيعية الكلية، غير القابلة للانقسام، حيث كل شيء مترابط، وبهذا فتطور الحياة لم يكن مُقادًا بمبادئ انعزالية، مثل: التنافس والأنانية، بل بالرؤية التكافلية المبرهن عليها، التي ترى أن تطور الحياة المعقد يحتاج إلى التعاون البيولوجي، وتشارك المعلومات”.
وأما أستاذا الفيزياء الحيوية الأمريكيان (د. جورج ستانسيو) و(د. روبرت أجروس): “إن الطبيعة تُكرّس كل عبقريتها في تطوير تقنيات تحبط الصراع بين الأنواع، وبالتالي ليس من المدهش أن الباحثين الحاذقين، الذين حاولوا أن يوثقوا التنافس، كانت نتائجهم مخيبة للآمال”.
ونختم بقصة رواها العالِم الهندي عناية الله المشرقي رحمه الله، إذ يقول: كان ذلك يوم أحد من أيام سنة 1990م، وكانت السماء تُمطر بغزارة، وخرجت من بيتي لقضاء حاجة لي، فرأيت الفلكي المشهور (جيمس جينز)، الأستاذ بجامعة كمبردج، ذاهبًا للكنيسة، والإنجيل والشمسية تحت إبطه، فدنوت منه وسلمت عليه؛ فسألني ماذا تريد مني؟ فقلت له: “أمرين يا سيدي! الأول: إن شمسيتك تحت إبطك رغم شدة المطر!”، فابتسم السير جيمس، وفتح شمسيته على الفور. وأما الأمر الآخر فهو: “ما الذي يدفع رجلًا ذائع الصيت في العالم مثلك أن يتوجه إلى الكنيسة؟”، وأمام هذا السؤال توقف السير جيمس لحظة، ثم قال: “عليك اليوم أن تشرب شاي المساء عندي”.
وعندما وصلت إلى داره في المساء، ودخلت غرفته، وجدت أمامه منضدة صغيرة، موضوعة عليها أدوات الشاي، وكان البروفيسور منهمكًا في أفكاره، وعندما شعر بوجودي، سألني: “ماذا كان سؤالك؟”، ودون أن ينتظر ردي، بدأ يُلقي محاضرة عن تكوين الاجرام السماوية، ونظامها المُدهش، وأبعادها وفواصلها اللامتناهية، وطرقها ومداراتها وجاذبيتها، وطوفان أنوارها المذهلة، حتى أنني شعرتُ بقلبي يهتز بهيبة الله وجلاله، وأما السير جيمس فوجدت شعر رأسه قائمًا، والدموع تنهمر من عينيه، ويداه ترتعدان من خشية الله، وتوقف فجأة، ثم بدأ يقول: “يا عناية الله! عندما أُلقي نظرة على روائع خلق الله، يبدأ وجودي يرتعش من الجلال الإلهي، وعندما أركع أمام الله، وأقول له: إنك لعظيم! أجد أن كل جزء من كياني يؤيدني في هذا الدعاء، وأشعر بسكون وسعادة عظيمين، وأحس بسعادةتفوق سعادة الآخرين ألف مرة، أفهمت يا عناية الله خان لماذا أذهب إلى الكنيسة؟”.
ويُضيف العلامة عناية الله قائلًا: “لقد أحدثت هذه المحاضرة طوفًا في عقلي، وقلت له: “يا سيدي للقد تأثرت جدًا بالتفاصيل العلمية التي رويتموها لي، وتذكرت بهذه المناسبة آية من آي كتابي المقدس، فلو سمحتم لي لقرأتها عليكم”، فهز رأسه قائلًا: “بكل سرور”، فقرأت عليه قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ، وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ}فاطر:27-28، فصرخ السير جيمس قائلًا: “ماذا قلت؟ إنما يخشى الله من عباده العلماء؟! مُدهش! غريب وعجيب جدًا! إن الأمر الذي كشفتُ عنه بعد دراسة ومشاهدة استمرت خمسين سنة، من أنبأ محمدًا به؟ هل هذه الآية موجودة في القرآن حقيقة؟ لو كان الأمر فاكتب شهادة مني أن القرآن كتاب مُوحى من عند الله”.
ويستطرد السير جيمس جينز قائلًا: “لقد كان محمدًا أميًا، ولا يمكنه أن يكشف عن هذا السر بنفسه، ولكن الله هو الذي أخبره بهذا السر، مدهش وغريب وعجيب جدًا!!”.
نعم، هكذا يتحدث العباقرة، وهكذا يتحدث الأذكياء، وهكذا يتحدث العلماء، فلقد أصبح وجود الله حقيقة علمية، لا يمكن تجاهلها أو غض الطرف عنها، أو اعتبارها تأملات صوفية، أو فلسفية، أو أحاسيس وجدانية، أو غير ذلك مما قيل عن الله، بل أصبح وجود الله هو الحقيقة المطلقة الوحيدة في هذا الوجود.