دوليسياسة

شكلتا شرارة الحرب.. ما أهمية دخول دونيتسك ولوغانسك إلى الجغرافيا الروسية؟

عام كامل مر على إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اعتراف بلاده باستقلال إقليمي دونيتسك ولوغانسك، قبل اللجوء إلى إجراء سلسلة من الاستفتاءات في نهاية سبتمبر/أيلول 2022 شملت -إضافة إلى الإقليميين- مقاطعتي زاباروجيا وخيرسون، وانتهت بتصويت أغلبية المشاركين على الانضمام إلى روسيا.

وحرص المرسوم الرئاسي الخاص بالاعتراف حينها على الإشارة إلى أن القرار اتُخذ “وفقا للمبادئ المعترف بها عموما ولمعايير القانون الدولي، مع الاعتراف والتأكيد على مبدأ المساواة وتقرير المصير للشعوب المنصوص عليه في ميثاق الأمم المتحدة، مع مراعاة إرادة الشعوب في الاستفتاء”.

ورفضت دول كثيرة الاعتراف بنتائج الاستفتاء منها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وتركيا وصربيا وغيرها، وحتى كازاخستان أعلنت “التزامها بوحدة أراضي الدول”.

ووصف الرئيس الأميركي جو بايدن الاستفتاءات بأنها “زائفة وذريعة كاذبة لمحاولة ضم أجزاء من أوكرانيا بالقوة”، في حين حذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من أن انضمام منطقتي زاباروجيا وخيرسون وأيضا دونباس إلى روسيا لن تكون له قوة قانونية.

مساحة كبيرة

في كل الأحوال، وبعد مصادقة روسيا رسميا على ضم المناطق الأربع، يكون عدد الأقليم التابعة لها قد ارتفع إلى 89، وازداد عدد سكانها بنحو 6.2 ملايين شخص، ليصبح أكثر من 152 مليون نسمة.

ومع الأخذ في الاعتبار شبه جزيرة القرم، تكون روسيا قد سيطرت على 125 ألف كيلومتر مربع، أو حوالي 20% من الأراضي التي تعدّها كييف أوكرانية، وتقع لحد الآن خارج حدود روسيا المعترف بها دوليا.

ورغم حضور عامل الكر والفر، ولو بشكل نسبي ومحدود، في المواجهات العسكرية بين القوات الروسية والأوكرانية، فإن روسيا تمكنت حتى الآن من بسط سيطرتها على حوالي 98% من أراضي إقليم لوغانسك، و62% من دونيتسك، حسب معطيات وزارة الدفاع الروسية.

وتتمتع منطقة دونباس (دونيتسك ولوغانسك) بأهمية اقتصادية كبيرة تعود إلى الحقبة السوفياتية، وتوصف بأنها حققت مزيجا ناجحا من الصناعة والزراعة المتطورة، كما يوجد بها أكثر من 110 مناجم للفحم، بطاقة إنتاجية تبلغ حوالي 70 مليون طن سنويا.

وفرة معادن

وتتمتع المنطقة بوفرة المعادن الحديدية والصناعات الكيميائية، بما في ذلك البتروكيماويات، وإنتاج الأسمدة المعدنية ومواد البناء وآليات صناعة التعدين والصناعات البتروكيميائية، إضافة إلى مصفاة نفط معطلة الآن بسبب المعارك، كما يضم المجمع الصناعي للمنطقة حوالي 200 شركة في الهندسة الميكانيكية والصناعات الغذائية والتحويلية.

ويتحدث خبراء روس عن قائمة كبيرة من الفوائد التي حققتها روسيا بضمّ المناطق الأربع إليها، فمن حيث الأهمية الإستراتيجية، يؤكد ألكسندر كونكوف الباحث في قسم التحليلات بجامعة موسكو أن روسيا تمكنت، إضافة إلى الأهداف المعلنة رسميا للعملية العسكرية، من استعادة حدودها التاريخية، التي “تشوهت” بفعل حروب القرن الـ19، وبسبب “قصر نظر” القادة السوفيات.

ويقول كونكوف، في حديثه، إن مقاربة حدود الجمهوريات السوفياتية السابقة وتقسيماتها الإدارية جاءت انطلاقا من ظروف لحظية لم تأحذ بعين الاعتبار احتمالات تغير الواقع الديمغرافي والسياسي لهذه الكيانات في المستقبل، وفرضية خروج عدد منها من تحت “عباءة” الدولة الاتحادية، كما هو حال ناغورني قره باغ بين أذربيجان وأرمينيا.

أسباب التصويت

ويعتبر الخبير الروسي أن واحدا من أسباب تصويت جزء كبير ممن شاركوا في الاسفتاء لصالح الانضمام لروسيا هو أن المقيمين فيها من الموالين لأوكرانيا غادروا المناطق الأربع منذ مدة طويلة، ومن بقي فيها هم في الأغلب من الموالين لروسيا أو المحايدين.

في بعد آخر، يوضح كونكوف أن “سير كييف في ركب السياسات الأطلسية” منح موسكو “فرصة ذهبية” لتحقيق حلم استعادة هذه المناطق، وتوفير المخرج القانوني لإجراء استفتاءات فيها، وهو أمر كان غائبا في حسابات كييف، التي استبعدت خطوة روسية “صدامية” من هذا النوع والحجم.

ووفقا لدراسة أجراها معهد دونيتسك للأبحاث الاقتصادية نهاية العام الماضي، فقد تعرضت صناعة الفحم في الإقليم لأضرار جسيمة بسبب وقوع كثير من المناجم في المناطق التي تسيطر عليها أوكرانيا، لكن المعهد يشير إلى أن ما تبقى من المصانع والشركات ما زال يملك القدرة على التنمية في هذا المجال، خصوصا في المناطق الجنوبية والوسطى للإقليم، وكذلك في مدينة دونيتسك التي تسيطر عليها أيضا روسيا، ويشكلان بمفردهما أكثر من 60% من مساحة الإقليم.

إنتاج وفير

وبحسب الباحث الاقتصادي رومان غولودنيوك، فحتى العام 2014 قدمت منطقتا دونيتسك ولوغانسك معا ما يتراوح بين 20% و25% من الناتج المحلي الإجمالي لأوكرانيا، وحوالي 30% من حجم المبيعات.

ويوضح أن منطقة لوغانسك لوحدها صدرت في العام 2013 فقط منتجات صناعية إلى 117 دولة، وبلغ إجمالي الناتج المحلي الإجمالي لكل من دونيتسك ولوغانسك حوالي 27.5 مليار دولار.

بموازاة ذلك، يرى غولودنيوك أن “التطبيع” الكامل والاندماج المطلق لإقليمي دونيتسك ولوغانسك مع الاقتصاد الروسي سوف يستغرقان وقتا يعتمد تحديده على الأضرار التي يمكن أن تتعرض إليها هذه المناطق خلال المواجهات العسكرية، والمدى التي ستستغرقها الحرب عموما.

كما يشدد على أن إبعاد هذه المناطق عن خطوط التماس، لاسيما السكنية منها، يعدّ مسألة ملحة لا تحتمل التأجيل لإخراج السكان من “كابوس” طويل للمناوشات المتقطعة التي بدأت في العام 2014 وتحولت مع الوقت إلى حرب حقيقة ودامية يوم 24 فبراير/شباط 2022.

https://anbaaexpress.ma/1luu6

فهيم الصوراني

خبير في الشؤون الروسية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى