آراءمجتمع

‏تضاعفت المعرفة

منذ ثلاثين عامًا تقريبًا عندما كنت ابنة الثامنة عشر ربيعًا قالوا لنا: سيأتي يومٌ تتكلمون فيه مع شخص في آخر بقاع الأرض وسترون صورته، وما يفعله وهو يحدثكم، وكأنكم تجلسون معه.

عندما سمعت ذلك ضحكت، وقلت لو أن هذا يحدث اليوم، فرسالة إلى خطيبي في ليبيا وأنا في سوريا كانت تستغرق شهرًا كاملًا حتى يأتيني الرد عليها. وما هي إلا عشرين سنة أو أقل من ذلك حتى أصبح الحلم حقيقة، واليوم نسمع أنه في حال رغبنا أن نزور أحدًا أو نتحدث إليه، حتى ولو كان في مشارق الأرض أو مغاربها.

فمن خلال برنامج معين، سنجلس ونتحدث إليه ونلمسه ونشعر بذلك، في موقع افتراضي ثُلاثي الأبعاد (وهذا حاصل مع ظهور نظارتي أوكولوس ريفت وجوجل كاردبورد)، حيث تعمل هذه النظارات على خلق بيئة حقيقية ثلاثية الأبعاد، تعمل على نقل الوعي الإنساني إلى تلك البيئة، ليشعر بأنه يعيش فيها، وتسمح له أحيانًا بالتفاعل معها، ليتطور الأمر أكثر فتدخل العالم الافتراضي وأنت ترتدي جسدًا غير جسدك، وتختار شعرًا وثيابًا تريده أنت، ربما يشبهك أو يختلف عنك، فالأمر يعود لك، لتدخل في عالم (في أر تشات – Vrchat) لتجد نفسك في غرفتك الرقمية التي صممتها بنفسك؛ لتذهب إلى أي مكان تختاره على الميتافرس لتعيش عالمك الخيالي، بعد صعوبات ستواجهك؛ لكن حتمًا ستتغلب عليها بعد الممارسة، ليزداد انغماسك فيه تدريجيًا فتقضي فيه وقتًا أطول.

بل يقولون لنا اليوم أننا سنستطيع يومًا التحرك والانتقال عبر الزمان، فربما نستطيع أن نشاهد الحرب العالمية الأولى، أو الثورة الفرنسية، أو ربما طوفان نوح، أو فلق البحر لموسى عليه السلام، وربما نستطيع أن نرى أنفسنا في عام 2050م هذا إن كنا على قيد الحياة، أو نرى ما سيحدث في عام 3030م.

نعود إلى البدايات، منذ عام منذ عام 1930 وحتى عام 1970م تضاعفت المعرفة مرة واحدة خلال 40 سنة مضت، ومنذ عام 1970 وحتى عام 1990م تضاعفت المعرفة مرة أخرى خلال 20 سنة، ومنذ عام 1990 وحتى عام 2000م تضاعفت المعرفة مرة أخرى لكن هذه المرة تقلصت المدة إلى 10 سنوات، وفي عام 2014 أعلنت شركة أي بي أم، أن المعرفة تتضاعف كل 8 أشهر، في عام 2017م أعلنت الشركة ذاتها بأن المعرفة تتضاعف كل 18 ساعة، واليوم تتضاعف المعرفة كل 12 ساعة.

لقد تطورت التكنولوجيا في الأعوام الأخيرة بشكل مخيف ومُرعب لتشمل: التركيز على تعلم عمل الآلة، ومحاكاتها للإنسان بشكل أكبر، لتزيد من فاعليتها وشموليتها ودقتها في كافة المجالات؛ فاليوم شركات الحاسوب تتنافس فيما بينها لمن سيكون له السبق والبقاء. كما أنه بدأ التعامل بالعملات الرقمية في التبادل التجاري، وأن يحل الإنسان الآلي في الصناعات بدل الإنسان ذاته، فاليوم هناك شركات لتصنيع السيارات تعتمد على الإنسان الآلي بشكل كلي، كما أن التكنولوجيا رفعت من معدلات السلامة التي توضع في المركبات الحديثة، ممكن أن تنجيك من حوادث شتى، وموت محقق.

كما أننا سنتمكن من علاج مرض السكري والسرطان والإيدز، وسنتحكم في مرض الاكتئاب، وسنجوب الكرة الأرضية في لحظات، وربما نهبط على القمر في نزهة، أو نتجول داخل المجرات، وسيكون هناك أيضًا نمو في أخلاقيات التعامل مع هذه التكنولوجيا المتطورة، بحيث توضع القوانين والتشريعات المنظمة له، من أجل حماية المستخدمين وخصوصياتهم بما يتماشى مع هذا التطور الهائل في نظم المعلومات والذكاء الاصطناعي.

أما في مجال الحروب، فلن يكون هناك ضحايا أبرياء أو مدنيين؛ فاليوم تقوم التكنولوجيا بتصميم روبورتات صغيرة أقل من حجم الجراد، وبكميات هائلة، مبرمجة للقتل، تُوجه بواسطة الأقمار الاصطناعية؛ لقتل العدو بدقة فائقة.

إن هذه الصورة الجميلة والرائعة للتكنولوجيا تُقابلها صورة أخرى مرعبة؛ فاليوم هناك تخوفات كبيرة جدًا أن تحل الآلة محل الإنسان، فيتم الاستغناء عنه لأن دقة الآلة لا تعادلها دقة، أو أن يُصبح الإنسان الآلي أكثر ذكاء وفطنة؛ فهناك خبراء من جامعة أكسفورد يقولون: “إن آلات الذكاء الاصطناعي قد تتمكن من تطوير نفسها، وتكتشف أن الانسان خطر عليها؛ فتخطط لقتلنا والقضاء علينا، في هذه اللحظة لن نستطيع فعل شيء، وسينقرض الجنس البشري”.

هل نحن محظوظون لأننا نعيش في هذا الزمن المميز؟ نعم، نحن كذلك، ولكن الذكي من يستطيع الاستمتاع بمميزاته دون عيوبه، بإيجابياته دون سلبياته لذلك خذ زادك من القيم الإنسانية، والأخلاق، والعلوم، والتكنولوجيا، وطور نفسك، والحق بالركب، وإربط حزام الأمان واستمتع بالرحلة.

https://anbaaexpress.ma/fxh6e

رهف محمد حنيدق

كاتبة فلسطينية حاصلة على دكتوراه في المذاهب الفكرية المعاصرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى