أفريقياسياسة

تحليل.. الصراع الدولي حول القارة الإفريقية

تعد القارة الإفريقية، ثاني أكبر قارات العالم من حيث المساحة، تبلغ 30 مليون كيلو متر مربع، بعد القارة آسيوية وعدد السكان حوالي 1.2 مليار نسمة.

تأسست منظمة الوحدة الإفريقية في 26 ماي 1963 في أديس أبابا بحضور ممثلو ” 30 “دولة مستقلة، وقد تم التوقيع على ميثاقها، ووصلت إلى “53 ” دولة، واتفقوا على نص الميثاق الذي ينص على عدم التدخل في الشؤون الداخلية، للدول وإحترام سيادتها وإحترام اراضيها، والإستفادة من خيرات القارة في التنمية وأن تلعب دورا بين قارات العالم في القرار الدولي.

وما كان ذلك ليتحقق لولا إرادة وعزيمة وإصرار الآباء المؤسسون الذين وضعوا نصب أعينهم تحرير القارة من الهيمنة والإستعمار، وهم: الزعيم الغاني، “كوامي نيكروما” الذي كان أول الساعين لجمع زعماء القارة في عام 1958 في اكرا، بالإضافة إلى الزعيم المصري “جمال عبدالناصر ” والزعيم ” الغيني “أحمد سيكوتوري”، والزعيم السنغالي “سيدار سانجور “، والزعيم التنزاني “جيوليوس نيريري”.

الإستقرار السياسي..

شهدت القارة الإفريقية مابعد الإستقلال انقلابات عسكرية عنيفة متواصلة، وكانت محور الصراعات الدولي إبان الحرب الباردة بين الإتحاد السوفييثي السابق، والولايات المتحدة الأمريكية، تمثل ذلك في مناطق صراع، مثل الحرب الأهلية طويلة الأمد التي حدث في أنجولا بعد استقلالها عن البرتغال عام 1975 بين السلطة الحاكمة التي كان توجهها “ماركسي” والمعارضة المسلحة.

الصراعات في رواندا والصومال وتشاد وليبيريا وموزمبيق والسودان وجنوب السودان واوغندا ونيجيريا وأخيرا الحرب في إثيوبيا، هي الصراعات تسببت في وفاة وتشريد الملايين.

ولا ننسي نظام الميز العنصري في جنوب أفريقيا الذي استمر حوالي نصف قرن وانتهي في عام 1991، وأصبحت في مقدمة الدول الأفريقية منذ بداية التسعينيات من القرن الماضي وتملك اقتصاد الأكبر في القارة وتحتل مكانة بين الدول النامية ومن مجموعة العشرين وعضو في مجموعة “البريكس” وتنعم بأستمرار.

قيام الإتحاد الأفريقي..

كان لإنشاء الإتحاد الأفريقي بعد مشاورات ومناقشات القادة لتعديل هياكل المنظمة واعلان قيام الإتحاد الأفريقي بمدينة سرت الليبية في سنة 9-9-1999 وتأسس في قمة ديربان في جنوب افريقيا في 9 يوليو 2002 من أجل مواجهة التحديات في ظل التكتلات الدولية الكبري من خلال محاولات إنشاء نموذج الإتحاد الأوروبي وتطويره بما يعرف بالولايات المتحدة الأفريقية.

إنجازات الإتحاد الأفريقي:

1 – إستطاع الإتحاد الأفريقي المساهمة في حفظ السلام في القارة في مناطق النزاعات الداخلية في الصومال وجنوب السودان.

2 – وتحقيق تقدم ملحوظ في العملية الديمقراطية وحل الخلاف بين الدول الافريقية.

3 – مكافحة الأمراض والاوبئة التي تعاني منها القارة وخاصة مرض الإيدز..

4 – إنشاء منظمة الشراكة الجديدة للتنمية في أفريقيا “النيباد” عام 2011 بهدف تحقيق تنمية اقتصادية شاملة فيها.

5 – إعادة هيكلة مؤسساته وانشأ القانون التأسيسي للإتحاد الأفريقي.

دول حققت تقدما:

برزت بعض الدول الأفريقية إقتصاديا وسياسيا بسبب الإستقرار والديمقراطية مثل: نيجيريا ، جنوب أفريقيا، إثيوبيا، انجولا، رواندا .وجلبت الإستثمارات الخارجية.

وقد شهدت القارة تنافش دولي من طرف الدول الكبرى كالصين والولايات المتحدة والهند وتركيا وروسيا ناهيك عن التبعية لفرنسا التي كانت تستعمر 20 دولة أفريقية.

مستقبل الإتحاد الأفريقي:

يواجه الإتحاد الأفريقي تحديات تهدد تفعيل دوره ككيان يسعي لمنافسة في ظل الصراع الدولي فماهي هذه التحديات:

– مخاطر الإرهاب..

شهدت منطقة الساحل والصحراء إنتشار للإرهاب والتشدد وتحديد تنظيم داعش والقاعدة وبوكو حرام وتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي 2007 والذي كان الداعم للجماعات الارهابية في نيجيريا ومالي وبوركينا فاسو.

مما زاد في عدم الإستقرار والمعاناة الإنسانية وزيادة الحروب والصراعات في هذا السياق فقد قادت فرنسا في عام 2013 عملية “سيرفال” في مالي لمواجهة تنظيم، “القاعدة” والجماعات المتحلفة معها وبعدها أطلقت عملية “بارخان” والتي قدمت فيها الولايات المتحدة دعما كبيرا.

والتي أدت إلى انحصار خطر القاعدة والجماعات الإرهابية، ولكنها توقفت بسبب الخلاف مع مالي بعد وصول العسكريين للحكم في مايو 2021 وإنهاء الوجود الفرنسي فيها، مما جعل الإرهابيين إلى الحدود المشتركة بين بوركينا والنيجر ومالي.

– الأزمات السياسية والاقتصادية:

على الرغم من الإستقلال إلى أن الدول الأفريقية ارتبطت سياسيا وأمنيا وإقتصاديا وثقافيا مع الدول التي استعمرتها، حيث التدخلات في الشؤون الداخلية كما تفعل “فرنسا” التي دعمت الحكام الذين يخدمون مصالحها بما يعرف بالطاعة ورعاية شركتها الإحتكارية مقابل التغاطي عن قبضة الحكام على السلطة والقمع والفساد، وأن اختلافت مصالحها ينقلبون عليه ويأتون بحكام جديد، ولعل التاريخ الدموي الذي شهدته العديد من الدول الأفريقية، وما لقاها الزعماء الرافضون للهيمنة والسياسات الفرنسية والغربية من اغتيالات وإنقلابات.

مما أسهم في إنعدام التداول على السلطة والتحول نحو الديمقراطية، وإنعدام التنمية المجتمعية والإقتصادية وزاد من الفقر والأمراض بل الصراعات وانتشار الإرهاب.

ولكن النفوذ الفرنسي بدأ يتراجع في القارة السمراء بعد ستة عقود من الإستقلال، فخسرت مالي وبوركينا فاسو وأفريقيا الوسطي والسنغال وقد ازدادت مشاعر الغضب والكراهية ولعل أهم الأسباب الإحباط لدى الشعوب الأفريقية من سيطرة فرنسا على خيراتهم في ظل انعدام التنمية والفقر والجوع.

وقد أعلان الرئيس الفرنسي ماكرون في نوفمبر 2022، إنهاء مهمة “برخان” لمحاربة الإرهاب في منطقة الساحل، ومغادرة قواتها دولة مالي بعد الإنقلاب العسكري المدعوم من روسيا، وكذلك الخلاف مع تشاد التي سحبت قواتها في العملية العسكرية.

وأكد بأن فرنسا سوف تعلن عن إستراتيجية، جديدة حتى عام 2030 والتي تنص على ضمان بقاء فرنسا قوة نووية وعسكرية، وسوف تحافظ على تواجدها العسكري في أفريقيا جنوب الصحراء والشرق الأوسط والقرن الأفريقي.

ويبدو أن فرنسا تواجه صعوبات في ظل احتدام التنافس حول أفريقيا وبعد التمدد الروسي والصيني والإهتمام الأمريكي بالقارة.

الولايات المتحدة الأمريكية:

كان الدور الأمريكي إبان الحرب الباردة، في القارة الافريقية،  واضحا، حاولت أمريكا السيطرة، على مناطق النفوذ، تابعة للإتحاد السوفييثي من خلال دعم الانقلابات أو إقامة العلاقات مع الدول الأفريقية، في السودان واثيوبيا التي أنشئت فيها قاعدة “كاجينو” من أجل خدمة مصالحها ومراقبة الشرق الأوسط، ولكنها خرجت منها بعد إسقاط حكم الإمبراطور “هيلاسيلاسي” وتحولت إثيوبيا للحكم الماركسي، الصومال وإقامة قاعدة “بربرة” في الصومال التي تحولت للنفوذها، وليبيا التي اقامة فيها قاعدة “ويليس” وانسحبت منها وفي أنجولا من خلال الحرب طويلة الأمد الذي دعمت فيه حركة “يونينا” ضد الحكومة الانجولية التي دعمها الإتحاد السوفييثي.

وارتبطت الولايات المتحدة الأمريكية بعلاقات ثنائية مع نظام الميز العنصري في جنوب أفريقيا إقتصاديا منذ أواخر القرن الثامن عشر حتي القرن الحادي والعشرين، وبعدها إقامة علاقات متميزة مع جنوب أفريقيا إقتصاديا وسياسيا.

وكذلك العلاقات مع المملكة المغربية التي تمتد بجدورها في التاريخ، حيث كانت المغرب أول دولة في العالم تعترف بالولايات المتحدة الأمريكية في 1776، واستمرت العلاقات وارتكزت على أبعاد استراتيجية منذ الحرب الباردة، حيث شكل موقع المغرب أهمية إستراتيجية مما عزز التعاون الإقتصادي والعسكري في محاربة الإرهاب وحليف للولايات المتحدة الأمريكية.

وتعتبر مصر،  كذلك أحد أهم حلفاء الولايات المتحدة بعدما تحولت من الإتحاد السوفييثي في السبعينات إلى الولايات المتحدة الأمريكية التي قدمت لها المساعدات الإقتصادية والعسكرية .

وفي المجمل، كانت أمريكا، داعمة للحلفائها الغربيين بريطانيا وفرنسا أهم مستعمري القارة، وتركزت السياسية الأمريكية بعد إنتهاء الحرب الباردة على علاقات إستراتيجية من اجل حماية أمنها القومي وربطها بقضايا القارة كالتجارة العالمية وضمان حصولها على إمدادات النفط والغاز، ومحاربة الإرهاب والديمقراطية وحقوق الإنسان، والذي تراها الأساس للتعامل مع الدول الأفريقية.

من الواضح أن الولايات المتحدة الأمريكية، رتبت أولوياتها نحو أوروبا، ثم وسط آسيا، وبعد أحداث 11سبتمبر، ركزت على محاربة الإرهاب مما جعل القارة الأفريقية، ضمن أخر اهتمامتها وأولوياتها.

ومع تزايد مخاطر إنتشار التنظيمات الإرهابية في عدة مناطق في أفريقيا والذي رأت فيه تهديد لمصالحها في القارة التي تمثل أهمية إستراتيجية، ونذكر التفجيرات في سفارة تنزانيا وكيميا في أغسطس 1998 والهجوم على المدمرة “كول” في اليمن في عام 2000، مما جعلها تفكر في حماية مصالحها البحرية في آسيا وافريقيا.

فأنشئت القيادة العسكرية في إفريقيا المعروف “افريكوم “، بالإضافة إلى مواجهة خطر النفوذ الصيني والروسي.

الصين في إفريقيا:

تواجدت الصين في إفريقيا بعد انتهاء الحرب الباردة وقد كانت تدعم حركات التحرر في أفريقيا في الستينات، من خلال تعاملها، مع الحكام الأفارقة من الناحية جيو الإقتصادية وجيوالسياسية وتغاطت على الشروط التي تضعها الدول الغربية، وأهمها ذرائع الوهمية الديمقراطية وتداول السلطة وركزت الصين على الإقتصاد من خلال تقديم مساعدات سخية مما جعلها الشريك الأول في ظل تراجع الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية، ولا ننسى موقف الدول الأفريقية الداعم للصين الشعبية ضد تايوان في الجمعية العامة ومجلس الأمن، وكذلك دعم الصين لحركات التحرر في أفريقيا.

وقد إستغلت العلاقات التاريخية مع دول القارة في إعادة تعزيز نفوذها الإقتصادي، عبر العديد من القنوات مثل منتدى التعاون الصيني-الأفريقي الذي أُنشئ بمبادرة من بكين عام 2000، ومجلس الأعمال الصيني-الأفريقي الذي أنشئ في نوفمبر 2004 بغرض دعم إستثمارات القطاع الخاص الصيني في عدد من الدول الأفريقية.

وقد بلغ حجم التبادل التجاري بين الصين وإفريقيا إلى نحو 282 مليار دولار في العام الماضي، بزيادة نحو 11 % مقارنة بعام 2021.

التواجد الروسي في أفريقيا:

كان للإتحاد السوفييثي السابق دورا كبير منذ الخمسينيات من القرن الماضي في دعم حركات التحرر في إفريقيا في ظل الحرب الباردة، وعززت تعاونها الإقتصادي في مجالات الصناعة والتقنية والتعليم والثقافي والتعاون العسكري، مما مكن الدول الأفريقية، من التخلص من السيطرة والاحتكارية للدول الغربية.

ولعبت في 14 ديسمبر 1960 دورا في مبادرة إعلان منح استقلال الدول الأفريقية، وقد دعمت التوجهات الماركسية للزعماء الأفارقة البارزين وامتد نفوذ الإتحاد السوفييثي، من شمال القارة وجنوبها وشرقها وغربها واستمر حتي نهاية الحرب الباردة وانهيار الإتحاد السوفييثي والذي أدى إلى انخفاض التعاون والتبادل التجاري بين روسيا والدول الأفريقية، ووصل إلى 0.98 مليار دولار في عام 1995، بعدما كان في عام 1985، 5.9 مليار دولار.

أدركت روسيا الاتحادية أهمية القارة الأفريقية وابعادها الجيو سياسية والجيو إقتصادية، فقررت العودة إلى أفريقيا، وتحديدا في عهد إدارة ترامب الذي انتهج سياسة “أمريكا اولا”.

وعقدت القمة الروسية – الأفريقية في أكتوبر 2019 في سوتشي بحضور أربعين رئيس دولة وحكومة، وأعلن فيها الرئيس فلاديمير بوتين الغاء 20 مليار دولار من الديون المستحقة على الدول الأفريقية في إستراتيجية متعددة الأهداف سياسيا وإقتصاديا وعسكريا، وركز على الهدف السياسي، في عدد من الدول الأفريقية في المنتظم الدولي كوسيلة لكسب الدعم الدبلوماسي في مواجهة النفوذ الغربي، وتمكنت من إقناع الدول الأفريقية بدعمها أثناء ضم جزيرة القرم عام 2014.

أما الأهداف الإقتصادية ترغب في الإستفادة من الإمكانيات والثروات الطبيعية الهائلة في القارة والتي تتنافس عليها الصين وأمريكا والدول الغربية والدول الصاعدة، حيث تعمل الشركات الروسية في العديد من المشاريع وخاصة في قطاع التعدين والذهب والماس والبلاتين، في زبمباوي وانجولا وفي دول الساحل الإفريقي، حيث يتواجد النفط والغاز واليورانيوم.

ويعد الهدف العسكري أحد السبل للتحقيق الأهداف الإقتصادية، من خلال تصدير السلاح واستحوذت على حوالي 37.6 % من سوق السلاح، وقعت روسيا 20 إتفاقية للتعاون الثنائي مع الدول الأفريقية .

وفي إطار مصالحها الإستراتيجية، انتهزت روسيا انحسار الدور الفرنسي في الساحل الأفريقي، فقامت بأبرام إتفاقيات تعاون عسكرية مع أفريقيا الوسطي ومالي وبوركينا فاسو وموريتانيا وتطمح لتوسعها الجيو سياسي في تشاد، حيث تقوم مجموعة فاغنر الروسية بدور عسكري، وحصلت على قاعدة بحرية في السودان لتعزيز تواجدها في القرن الأفريقي، وإتفاقية تعاون عسكري مع إثيوبيا في عام 2021، والتعاون الإقتصادي مع تنزانيا.

ختاما..

ستشهد القارة السمراء تنافس وصراع دولي بين الصين وأمريكا وروسيا، وقد بدأت بوادر ذلك في ظل السياسة الأمريكية في عهد الرئيس جو بايدن، والتي تعتبر الصين وروسيا الخطر الأول الذي يهدد الولايات المتحدة وعبرت عن قلقها من التحركات الروسية في الساحل والشمال الافريقي، وقد توالت المساعي الدبلوماسية من خلال زيارات مسؤولى الدول الكبرى، للدول القارة الأفريقية من أجل محاولة استمالتها وتقديم اغراءات إقتصادية وعقد شراكات وامتيازات.

https://anbaaexpress.ma/hazfs

إدريس أحميد

صحفي و باحث في الشأن السياسي المغاربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى