آراءثقافةمجتمع

التفسير الأسطوري لظاهرة الزلازل

في صباح يوم الإثنين 6 فبراير من عام 2023م إرتجت الأرض في جنوب تركيا وشمال سوريا حيث ملايين المشردين فزادت بؤسهم بؤسا، وجروحهم قيحا، وخرج الدعاة الشعبيون يزعقون في المنابر أنها من علامات إقتراب يوم القيامة، وقال آخرون أن إنتشار المثلية في تركيا جاء عقابها هذه المرة من الله بلسان فصيح مع شدة البرد وقسوة الطبيعة في الشتاء؟

وحين نستعرض ظاهرة الزلزال تطالعنا خريطة واسعة على سطح الأرض، ففي أعياد الميلاد من عام 2004م إهتزت الأرض في سومطرة وتحرك المحيط بموج كالجبال فابتلع اليابسة ومعها 150 ألف إنسان وعقدت الدهشة الألسنة مما حدث، والطبيعة ليست مزاجية مثلنا بل لها قوانينها التي لا تتبدل ولا تتغير.

وخرج علينا الفقهاء بتفسيرات تقول إن الله انتقم في أعياد الميلاد من أولئك الفسقة بأشد من قنبلة نووية، ولكن بنفس التاريخ قبل سنة وعند الساعة 5 و28 دقيقة من صباح 26 ديسمبر 2003م زلزلت الأرض زلزالها في مدينة (بام) الإيرانية فإنتهت حياة أكثر من ثلاثين ألف إنسان تحت الأنقاض مع أن قوة الزلزال لم تزد عن 6,3، ولا يستبعد أن يأتي إنسان فيقول إن أهل بام (روافض) عاقبهم الله، ولكن قبل سنوات إهتزت الأرض في تركيا فقتل فيها من المسلمين (السنة) عشرين ألف.

وبعد زلزال (بام) توجه الزلزال إلى أقصى الأرض فضرب جزيرة (بالي) في أندنوسيا ثم قفز إلى غرب الأرض فضرب مدينة (مكسيكو سيتي)، وخلال شهر واحد إهتزت الأرض أكثر من 200 مرة منها عشر مرات بقوة تجاوزت 6 ريختر.

وفي عام 1992م ضرب الزلزال (القاهرة) فخرت الأبنية الضعيفة ونجت القوية، وما حدث (للشيعة) في إيران و(السنة) في تركيا والقاهرة حدث (للمسيحيين) في مدينة (سان فرانسيسكو) عام 1906 فإرتجت الأرض وأصبحت المدينة كومة أشباح.

وفي عام 1995 ضرب الزلزال مدينة (كوبي) اليابانية وهم ليسوا شيعة ولا سنة ولا مسلمين ولا مسيحيين ولم يفرق الزلزال في ضربته بين عقائد الناس بقدر خضوعهم جميعا لقانون واحد، وعندما تجتاح الكوليرا بلدا فبسبب القذارة.

وفي عام 1905 كان يموت من أهل مدينة (هامبورج) الألمانية كل يوم ألف مريض بالكوليرا، وعندما ينفجر الطاعون في الهند فبسبب تقديس الجرذان.

وبمراجعة لتاريخ الزلازل نعرف أن ما يحدث لا علاقة له بإيمان وكفر وطاعة ومعصية، ولكن العقل الذي يسبح في الخرافة والمجهول مستعد للتورط في كل تفسير.

وقصص التاريخ حافلة، ومثلاً ففي عام 1466م أصيب أهل أوروبا بذعر شديد، عندما حلق فوقهم مذنب كبير يلمع في كبد السماء، وكانت الأخبار عن سقوط القسطنطينية عام 1453م قد استغرقت ثلاث سنين قبل أن تروع القارة العجوز بأحداثها، وإستولى على الناس شعور مفاده أن هذا المذنب علامة على وقوف الله بجانب الأتراك.

وفي عام 1578م نشر أسقف ماجديبرج (MAGDEBURG) اندرياس سيليشيوس (ANDREAS CILICIUS) كتاباً يفسر اندفاع هذه المذنبات في السماء بكثافة خطايا البشر، فتتشكل ضفائر ثخينة صفراء تحلق في الملكوت، ولم تكن النار المحلقة في الأفق عام 1466م سوى مذنب (هالي) الشهير الذي يقوم بزيارتنا كل سبعين سنة مرة، ولو كانت المذنبات الثخينة تُضفر من جدائل خطايا البشر، لفوجئنا بامتلاء السموات بها دون توقف، فدم الإنسان يسفك على مدار الساعة.

وبركان (فيزوف) انفجر ليس لأن أهل بومبي كانوا فجرة فأهل (روما) كانوا أظلم وأطغى فاستمروا يعربدون، وأما بومبي فغشاها ما غشى، فبأي آلاء ربك تتمارى، فيجب فتح العقل على فهم سنن حدوث الأشياء وإلا كنا نكذب على الله.

وفي أيام (نور الدين الزنكي) إحتدمت الحروب وإشتدت الزلازل وهبطت الكنيسة في إنطاكية على رأس (أثناسيوس) بطريق الأرثوذكس وقساوسته وهم يؤدون القداس فاعتبر الكاثوليك ذلك معجزة إلهية، ولكن الزلازل ضربت يومها الجميع مسلمين وأرثوذكس وكاثوليك وبروتستانت من حلب حتى طرابلس وجرابلس.

وفي عام 1755م من صباح أول نوفمبر احتشد الناس في الكنائس في (لشبونة) بكامل زينتهم في عيد (كل القديسين) فاهتزت الأرض وفي ست دقائق تهدمت ثلاثون كنيسة وألف منزل ومات تحت الأنقاض خمس عشرة ألف إنسان وجرح مثلهم في واحدة من أجمل عواصم العالم يومها.

وبدأ الناس يحاولون تفسير ما حدث فأما (مالا جريدا) وهو أحد اليسوعيين فقال أن الزلزال كان عقابا من الله على الرذيلة التي استشرت في لشبونة، ولكن الزلزال قضى على القساوسة المتبتلين والراهبات المتفانيات في الخدمة ووفر ألد أعداء اليسوعيين كما يقول المؤرخ (ويل ديورانت).

أما أهل المغرب فهللوا للحدث يومها واعتبروه انتقاماً إلهياً من محاكم التفتيش في البرتغال، ولكن الزلزال لم يعف عن المغرب فكمَّل طريقه إلى الرباط فهدم المسجد الأعظم فيها فخر على رؤوس الناس وهم يصلون.

أما (البروتستانت) فقالوا إن هذه الكارثة هي استنكار السماء لجرائم الكاثوليك ضد الإنسانية، وأعلن (وليم روبرتون) أن مذبحة لشبونة “أبرزت عظمة الله في أبهى صورها” ولكن الجواب عن هذا التفسير جاء بعد 18 يوما حيث زلزلت الأرض زلزالها على الحافة الأخرى من الأطلنطي فقتل في مدينة (بوسطن) أكثر من خمسة عشر ألفاً من (البروتستانت).

وحتى (فولتير) وقف مذهولاً أمام فظاعة الحدث ولكنه استشاط غضبا من سخف التفسيرات وكتب يقول في ذروة الحزن: أي جريمة ارتكب هؤلاء الأطفال الذين اغتالهم الزلزال وسالت دماؤهم وهم في أحضان أمهاتهم؟ وهل كانت رذائل لندن أو باريس أقل من رذائل لشبونة؟ و مع ذلك دمرت لشبونة وباريس ترقص.

أما (جان جاك روسو) فاعتبر أن ما تعاني الإنسانية من علل وشرور هو نتيجة لأخطاء البشر وإن زلزال لشبونة هو عقاب عادل للإنسان لتخليه عن الحياة الطبيعية وإقامته في المدن ولو أن الناس التزموا الحياة البسيطة في مساكن متواضعة لما حصل كل هذا الدمار.

وكنيسة (أيا صوفيا) التي حولها محمد الفاتح ظلما إلى مسجد مخالفا وصية الفاروق أنهى بناءها عام 537م مهندسان عبقريان هما (انتيميوس) و(ازيدوريس) بكلفة مليار جنيه إنجليزي، وحسبا حساب الزلازل قبل كل شيء.

وكان الناس في أيامهم إذا بنوا زادوا في الحجارة ففعلا العكس بأن ما يصمد في الزلازل ليس الثقل بل الدينامية والخفة وهكذا بنيت الكنيسة من مواد خفيفة وهندسة بارعة فنجت.

وقام المهندس التركي (أحمد جقمق) عام 1992م من جامعة برنستون بدراسة تحمل أيا صوفيا للزلازل فوضع أجهزة حساسة في كل البناء ثم قام بإدخال المعلومات إلى الكمبيوتر ثم أجرى اختبار تخيلي (simulation) فيما لو تعرضت المنطقة لزلزال من عيار 7.5 ريختر فكانت النتيجة صمود البناء.

و في أغسطس عام 1999 جاء وقت الإختبار الفعلي فاهتز كل شيء بما فيها أيا صوفيا وهلك آلاف الناس تحت الأنقاض أما (أيا صوفيا) فلم يسقط منها حجر ولم يتصدع فيها جدار ويبدو أنها ستعيش ألف سنة أخرى.

وهكذا فالزلزال لا دين له وهو غير حزبي وغير متحيز ويضرب الجميع وفق قانون يعرفه العلماء في تصدع الصفيحات القارية واصطدامها ببعض، ولن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا.

ومنذ القديم يذهب الناس في تفسير الزلازل مذاهب شتى ونحن نعلم اليوم أننا نسكن فوق فرن يقذف بحممه بين الحين والآخر  وليس بيننا وبين باطن التنور إلا قشرة رقيقة من الأرض وما تحتنا نار تتلظى والزلزال.

وفي اليوم الواحد تهتز الأرض أكثر من 27 مرة في أماكن شتى، وفي السنة ترتج أكثر من عشرة آلاف مرة بقوة 4 ريختر منها عشرين هزة (رئيسية) ومائة (قوية) وآلاف (المتوسطة) وعشرات الآلاف من التي لا يشعر بها الناس.

وما زاد عن ثمانية ريختر فيحدث مرة كل عام، وهناك تصدعات ومسارات للزلازل معروفة مثل صدع اندرياس والبحر الأحمر، والخسائر تحدث بضعف المباني أكثر من قوة الزلزال كما يحدث في المرض فانهيار الجهاز المناعي يؤهب للمرض أكثر من قوة الجرثوم، وسبب سماع الناس بالزلزال هو المكان والإصابات، وفي 5 ديسمبر 2003م ضرب الزلزال جزر الكوماندورسكي بقوة 6,6 ريختر ولكن لم يسمع أحد.

وقد يستفيد العلماء في يوم فيوظفوا هذه الطاقة الفلكية من قوة الزلزال فيفجروا البراكين في أماكن معينة من قشرة الأرض كما تفعل المرأة مع الطنجرة البخارية بالتنفيس فيستخدموها كما حدث مع الطاقة النووية والبخارية فسارت القطارات وأمكن لمفاعل نووي تزويد مدينة بالطاقة لمدة عام، وفي يوم كانت الكهرباء صواعق تحرق المباني وتقتل الناس واليوم حبست في سلك ولا نستغني عنها لحظة.

وهكذا فالظواهر الكونية قد تكون مصدر رعب للأميين فيعبدوا الحجر والبشر أحياء وأمواتا، وقد توحي بأفكار جريئة، فيمكن إستخدام السلاح النووي ليس للحرب بل في جراحة المناخ.

ويمكن بتفجيرات نووية مدروسة إذابة القطب الشمالي وقلب كامل مناخ سيبريا وشمال كندا فتصبح حدائق ذات بهجة للناظرين.

إن خطورة العقل الأسطوري أنه يعطل كل جهد بشري، والعقل العربي اليوم مغتال بسموم من التصور الخوارقي للأشياء والفهم المقلوب للتاريخ، وحينما سقطت المركبة (كولومبيا) في منطقة إسمها فلسطين في أمريكا حسبها العرب انتصارا للانتفاضة، وعندما زحف الأمريكيون على بغداد في ربيع 2003م ثار الغبار فاعتبر البعض أن الله يقاتل بجانب صدام.

وعندما انفجر شالينجر مكوك الفضاء اعتبره البعض عقوبة إلهية، ونظر الأمريكيون إلى الحدث أنه خطأ فني وأرسلوا بعده العشرات، ومن يبني عقله على العلم يبني لنفسه بيتا في المريخ، ومن يمشي على رأسه يخسر رأسه ورجليه معاً.

https://anbaaexpress.ma/ktjdd

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى