آراءمجتمع

إنتشار الإسلام في ألمانيا.. دوافعه

الطبيب (كاي لوير Kai Luehr) من مدينة كولن الألمانية وزوجته (كاترين Katrin) راقصة المسرح في حالة إستغراق صوفي، في حب محمد، وآل محمد وصحابة محمد، فبعد أن نالوا كل شيء في الحياة، من سيارة (ألفا روميو Alfa Romio GT) الرياضية، وقصرا منيفا، شعروا أن هناك ما ينقصهم، ولم يملأ ذلك النقص إلا الإسلام فانشرح صدرهم، ولانت قلوبهم لذكر الله، ألا بذكر الله تطمئن القلوب، وهي شهادة صاعقة، على زحف الإسلام بقوة ذاتية، خارج العرب وخرافتهم ونزاعاتهم المذهبية، ودمويتهم البربرية، وعودتهم للجاهلية..

والدكتور (لوير 42عاما) يعمل كطبيب عام بالإضافة للعلاج الطبيعي، ويصلي في مسجد (فرشين Frechen)، من مدينة (كولن) الألمانية، هو واحد من أربعة آلاف ألماني قح، مثل شميدت و بيرجنر، وبريجيت وكريستنيا، اعتنقوا الإسلام، بين شهري يوليو 2004م ويونيو 2005م، وفي المسجد الذي يؤمه يجتمع بأخوة له في الإسلام، من مزيج من الشمال الأفريقي والعرب، بالإضافة إلى اثنين جديدين يشاطرانه نفس الرحلة، أحدهما ملاكم والثاني مهندس.

وقصته تذكر بقصة (ليوبولد فايس) اليهودي النمساوي الذي إعتنق الإسلام، وتسمى بـ (محمد أسد)، وخلد قصته في كتابه (الطريق إلى مكة) يستعرض فيها الفترة التي سبقت مرحلة البترول في السعودية.

وحسب الدراسة التي مولتها وزارة الداخلية، عن دراسة المتحولين إلى الإسلام من الألمان، ومركزها مدينة (زوست Soest)، فقد كان الرقم يتراوح عند 300 معتنق للإسلام سنويا، جلّهم من النساء، وبقي مستقرا لعشر سنين، ولكن الرقم قفز إلى ألف قبل ثلاث سنوات، على الرغم من مصيبة 11 سبتمبر، ليقفز إلى أربعة آلاف ألماني في أقل من سنة.

وأنا عشت في ألمانيا تسع سنين، وأعرف المناخ الثقافي جيدا، كما أنني اطلعت على الصدمة التي تركها التقرير الذي نشرته مجلة الشبيجل الألمانية، في عددها 3\ 2007م، حيث وضعت عنوانا تحته خمس من التعليقات (الدهشة غير المفهومة)، وبالطبع كانت التعليقات كما أعرف الألمان لاذعة حادة، منها من حاول التمسح بفيلسوف الحداثة (إيمانويل كانط) أنه لون من الهروب على نحو واعي أو غير واعي، من مثقفين يسلموا أنفسهم كحيوانات المنزل إلى إمام يسوقهم، بدل أن يفكروا لذاتهم.

وقامت السيدة (مونيكا فولراب زار Monika Wohl-rab-sahr) عالمة الاجتماع الديني، بمحاولة فهم الأسباب التي تكمن خلف التحول للإسلام، في ألمانيا وأمريكا، لأن عدد معتنقي الإسلام في أمريكا السنوي يصل إلى 22 ألفا حسب إحصائيات قناة الديسكفري.

وتقول (مونيكا) أن الأسباب متعددة، وقد تكون في قدرة الإسلام على تقديم علاج للفرد في تجاوز أزماته الروحية، وقد يكون سببا أيضا وضوح تعليمات الإسلام، خارج الطقوس الكنسية، أما الطبيب (لوير) فيروي تجربته الممتدة، وهو يبحث عبثا عن هذا الهدوء الروحي، في تعاليم الكنيسة أو أقوال (الدلاي لاما) أو البوذية، الذي تجلى في صلاته بخشوع وهو في لباس الجينز وجاكيت رمادي متواضع أنيق، وأدب جم بين يدي رب العزة والجلال، ويقول إنه إنهيار القيم في الغرب؟؟

ويعلق عليه السيد (الفرد شتوكل Alfred Stockel) أن تردي القيم انتقدتها الكنيسة بشدة، وحين يقول لوير أن القيم تعد أفضل في المنظومة الإسلامية، فنريد أن نسأله ما هي هذه القيم؟؟

وكلا الرجلين محقين، فإن كانت قيم تعصب فهي مرفوضة من الجانبين، ولكن الحياة الصاخبة التي تحرم الإنسان من دفء الروح، والركض نحو الربح المالي فقط تقود الإنسان إلى حيوان استهلاكي، وهذا الذي وجده لوير في الإسلام وأستطيع أن أتفهم سبب إعتناقه الإسلام.

إعتناق الإسلام خلف الحياة النقية الروحية التي يمارسها المحامي (Nils von Bergner 36 y) في مكتبه في هامبورغ، حيث يقوم للصلاة خمس مرات في اليوم، ولا تفارق مكتبه سجادة الصلاة، التي ظهر عليها في الصورة خاشعا ضارعا.

وبالطبع فقد جاءته الانتقادات، من (بودو شرودر Bodo Schroeder) الذي إستفتح تعليقه بأنه قبل كل شيء أمام دهشة غير مفهومة، أن يغير أحدا دينه للإسلام؟ ليتمتع بمثل هذه الصرامة، ولا غرابة فهناك من يتمتع بأن يضربه آخرون؟؟

ومما ذكرت المجلة أن بيرجنر يعمل في مكتب محاماة مع تركي مسلم هو (علي أوزكان Ali Oezkan)، ولكن المسلمين الذين ولدوا بالوراثة ليسوا مثل من اعتنق الإسلام، فهم أقرب إلى الليبرالية، فأما التركي المسلم فهو يرافق (بيرجنر) للصلاة، ولكن في الدعوات الليلة للعشاء، لا يتورع عن معاقرة الخمرة، أما بيرجنر فهو لا يتناول الكحول، ولا يمد يده لطعام مشبوه، ويريد أن ينبت لحمه من حلال..

والغرب ليس كله جنة، ومما أتذكر العدوى الروحية التي أصابتني أثناء مكثي الطويل في ألمانيا، من نوبة الاكتئاب مع نهاية يوم الأحد بعد العصر، ونحن نستعد لاستقبال الاثنين يوم العمل للأسبوع القادم، ولم أكن أفهم السر حتى قرأت عن متلازمة عطلة نهاية الأسبوع، أن أحلاها يوم الجمعة بعد الظهر مع استقبال العطلة، فيكون المرء في القمة، وأسوأها مع نهاية العطلة أي يوم الأحد بعد العصر، وهي ظاهرة ليست بهذه الحدة عندنا، مع الاستقبال والتوديع للعطلة. فهذه من أمراض العصر، حيث الحضارة الصناعية.

وهذه النظرة مهمة أن يفهم الإنسان الحضارة الغربية، بصورة (الاستفادة) أكثر من (الافتتان)، ونحن من عشنا فيها، وأصبحنا أعضاء فيها بعد أن حصلت الجنسية الكندية فعائلتي هناك على نحو دائم، نعرفها أكثر بكثير، ممن يكتب عنها زائرا أو سائحا.

وعندما يعلن (لوير) إسلامه، فهو في الحقيقة، يقوم بعملية إنسلاخ عميقة، عن الحضارة التي نشأ فيها، وتعمد وغذي وربي، ثم أعلن طلاقه منها ثلاثا، إلى درجة أن غير اسمه فأصبح (كاي علي رشيد لوير)، وكذلك زوجته فأصبح إسمها (كاترين عائشة لوير)، وهذا التحول أصبح له عندهم سنتان ونصف، وهو يصلي حاليا باللغة العربية ويدعو بلسان الضاد، وهي عملية أقرب للاختناق لواحد ألماني، في نطق الحاء والعين.

ومن الملفت للنظر أن المعتنقين للإسلام، كانوا فيما سبق في حدود 300 شخصا في العام جلّهم من النساء، أما اليوم فقد بدأ الرقم يتضاعف أربع مرات، وبين الجنسية والأكاديميين، وبالنسبة إلى (محمد هيرسوج Herzog)، الذي كان بالأصل واعظا دينيا في الكنيسة البروتستانتية، وتحول إلى الإسلام عام 1979م وهي أربع سنوات، بعد دخولي ألمانيا للتخصص الطبي، فقد أصبح إماما في برلين، ويذكر عن جماعته أن عدد معتنقي الإسلام في تضاعف كل سنة، والمغاربة في فرنسا قالوا لي، أنه ما من أسبوع إلا و(زوز) أي اثنين من الفرنسيين يعتنقون الإسلام. وفي كندا كنت أجلس لمعتنقي الإسلام لأفهم دوافعهم الخفية، فتبين لي أن خلفها في كثير من الأحيان الضياع الأسري.

وحسب (جيفري لانج) الأمريكي الذي إعتنق الإسلام، وهو أستاذ الرياضيات وكتب كتابي (الصراع من أجل الإيمان) و(حتى الملائكة تسأل)، والأول أكثر من رائع، فهو يصف حالة الإلحاد التي عاشها أنها لا تطاق.

وممن أعرف في فرنسا السيدة (آن دالمر) التي كان صديق ادريس المهدي ينتظرني كي تعلن إسلامها بحضوري، وسألتني هل تخبر أبويها بإسلامها؟ قلت لها ليعرفوا ذلك من خلال تبدلك العميق والإحسان الهائل لهما، فالإسلام قيم، كما يقول الطبيب الألماني (لوير) وليس صراعا مذهبيا مقرفا كما نرى في العالم العربي؟ وفي ايطاليا وصل عدد المسلمين إلى مليون بعد أن كانوا عشرة آلاف وعدد الطليان بقي كما هو خمسون مليونا.

والمهم ليس إسلام من أسلم، ولكن أن يحسن إسلامه، وفي الحديث خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا، وإلا فلن يكونوا أكثر من زيادة عدد، حيث المسلمون لا ينقصهم عدد، ولكنهم غثاء كغثاء السيل..

https://anbaaexpress.ma/qod0p

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى