دوليسياسة

إصرار روسي على إغلاق فرع الوكالة اليهودية.. قضية قانونية أم “إنتقام” سياسي؟

بوتيرة لافتة، يتسارع تدهور العلاقات الروسية الإسرائيلية، بشكل لم يكن مألوفا منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين مطلع تسعينيات القرن الماضي.

وخرجت الخلافات بين موسكو وتل أبيب إلى العلن مع اندلاع الحرب في أوكرانيا، واتخاذ إسرائيل مواقف سياسية وعملياتية مؤيدة لكييف، شملت -حسب ما ذكرت بعض وسائل الإعلامية الروسية- إرسال أسلحة ومقاتلين، رغم نفي تل أبيب، وتأكيدها أنها تقتصر على المساعدات الإنسانية ومعدات الحماية.

نهاية “شهر العسل”؟

ولطالما تميزت العلاقات الروسية الإسرائيلية بالجمع بين معيار البراغماتية والتوازن، رغم الملفات الإشكالية المتعددة بينهما، لكن في الأشهر الأخيرة، تصاعدت التوترات بشكل واضح، بسبب -ما يراه مراقبون روس- تمادي تل أبيب في انحيازها إلى كييف، واتخاذ خطوات استفزازية ضد موسكو.

وحتى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الذي يوصف بالحِرفية والحذر في انتقاء العبارات الدبلوماسية، لم يجد حرجا خلال مقابلة مع إحدى الصحف الإيطالية في انتقاد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والإشارة إلى أصله اليهودي، وحينها ردت عليه تل أبيب بغضب واعتبرت تصريحه مشينا ولا يغتفر.

كما شكلت زيارة “الدعم” التي قام بها وزير الخارجية الإسرائيلية، إيلي كوهين، إلى كييف مؤخرا، واحدة من أشد محطات التوتر بين الدولة العبرية وموسكو، وهي الزيارة الأولى من نوعها لمسؤول إسرائيلي على هذا المستوى إلى أوكرانيا منذ بدء الحرب.

تأجيل للمرة السابعة

في هذه الأجواء، تعود أزمة ممثلية الوكالة اليهودية في روسيا (سخنوت) لتتصدر من جديد مشهد العلاقات الروسية الإسرائيلية المتوترة، بعدما أجلت محكمة باسماني في موسكو إلى 30 مارس/آذار المقبل النظر في دعوى دائرة موسكو بوزارة العدل بشأن تصفية الفرع الروسي للوكالة.

وهذه هي المرة السابعة التي يتم فيها تأجيل النظر في مطالبة وزارة العدل في الاتحاد الروسي بشأن إغلاق مكاتب الوكالة المنتشرة في عدة مدن روسية، بعد أن طالب محامو سخنوت بمنحهم وقتا إضافيا لتحضير مرافعاتهم.

والجديد في هذه القضية المثيرة للجدل هو تصريح ممثل وزارة العدل الروسية بأن الوزارة لن تسحب الدعوى التي أقامتها لطلب تصفية الوكالة اليهودية، حتى لو قامت الوكالة بتصحيح الانتهاكات والمخالفات التي ارتكبتها.

ويشار في هذا السياق إلى أن ممثلي وزارة العدل كانوا في كل مرة يعترضون على تأجيل الجلسة، بقولهم إن المدعى عليه يماطل العملية.

تهجير الأدمغة

وتعتبر وزارة العدل الروسية أن الوكالة انتهكت القانون والدستور، وتحديدا المادة 17، التي تضمن حقوق وحريات الإنسان والمواطن في روسيا، إذ يؤكد قانون “البيانات الشخصية” أنه عند معالجة البيانات الشخصية للمواطنين، فإنه من الضروري ضمان الحق في الخصوصية والأسرار الشخصية والعائلية. ومع ذلك، فإن المنظمة -حسب كلام وزارة العدل- “أوجدت ظروفا لا تحترم بموجبها الحقوق والمصالح المشروعة للمواطنين، ولم تأخذ موافقة ممن جرى جمع بياناتهم الشخصية”.

كما وجهت اتهامات للوكالة بارتكاب مخالفات للقانون منذ عام 2019، من بينها، الانتقائية في اختيار من تتم مساعدتهم للهجرة إلى إسرائيل، حيث تعطي الأولوية للمتخصصين المؤهلين تأهيلا عاليا في مختلف المجالات.

تصفية حسابات 

ولا يستعبد مراقبون روس أن تكون القضية في بعدها الحقيقي أحد أشكال تصفية الحسابات بين موسكو وتل أبيب، لا سيما أنها تأتي في وقت تلمح فيه تل أبيب بالذهاب إلى ما هو أبعد في دعم كييف، وهو ما يعني -في المحصلة- تطابقا شبه كامل مع المواقف الغربية من الصراع الروسي الأوكراني.

وحسب ما يقول الخبير الروسي في الشؤون الشرق أوسطية، أندريه أونتيكوف، توجد دلائل لدى موسكو أن إسرائيل قامت بتزويد كييف بمعلومات استخباراتية لمكافحة الطائرات الإيرانية بدون طيار، التي يُزعم -حسب كلام أونتيكوف- أن طهران ترسلها إلى روسيا.

ويوضح في حديثه أن إسرائيل باتت تستعد لخيار الدعم العسكري (غير الخجول) لكييف، بما في ذلك أنظمة الدفاع الصاروخي، بعد أن كانت تتردد في ذلك تحسبا للوصول إلى قطيعة نهائية مع موسكو، قد تجد الأخيرة نفسها في حالة وجوب الرد، تكون أحد أهم أشكاله إطلاق يد السوريين في استخدام أنظمة الدفاع الجوي الروسية ضد الهجمات الإسرائيلية، وإغلاق الأجواء السورية في وجه الطائرات الحربية الإسرائيلية، وتفعيل أنظمة الصواريخ المضادة للطائرات الموجودة لدى دمشق.

تغير الخطاب

أما مدير مركز التنبؤات السياسية دينيس كركودينوف، فلا يستبعد أن يكون قرار المحكمة وإصرار وزارة العدل على تصفية وجود منظمة سخنوت قد جاء كرد فعل على زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي إلى كييف والوعود التي قُطعت هناك، مرجحا أن تبدأ تل أبيب باللحاق وراء ركب مهندسي العقوبات، وإن بشكل غير مباشر من خلال بيع الغاز إلى زبائن روسيا السابقين في أوروبا.

ويتابع أن موسكو فهمت بوضوح رزمة الرسائل الإسرائيلية الأخيرة، واتخذت في الأيام الأخيرة عددا من الخطوات التي سارعت تل أبيب بوصفها بأنها خطيرة للغاية على العلاقات المستقبلية بين البلدين، مثل حظر الفرع الروسي للوكالة اليهودية.

ومن المؤشرات الإضافية على استياء موسكو من الخطاب الإسرائيلي -حسب كركودينوف- زيارة بوتين لطهران لحضور قمة الزعماء الثلاثة، وصدور بيان مشترك يدين فيه الهجمات الجوية الإسرائيلية على سوريا ويطالب تل أبيب بوقفها، والأهم من ذلك، اقتراب العلاقات الروسية الإيرانية من مرحلة التعاون الإستراتيجي.

وأضاف كركودينوف أن استمرار إسرائيل في التخلي عن توازنها المعهود تاريخيا في العلاقات مع روسيا، قد يكون “ضحيته” الأولى الفرع الروسي للوكالة اليهودية، الذي -حسب رأيه- سيكون بداية نهاية “شهر عسل” امتد لأكثر من 3 عقود.

https://anbaaexpress.ma/cv817

فهيم الصوراني

خبير في الشؤون الروسية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى