
في وقت قصير طوى الموت حياة العديد من الشخصيات الهامة. فهل نقول اذكروا محاسن موتاكم أم نكشف الغطاء عن فضائحهم؟ فهم ليسوا ملكا لذواتهم بل للتاريخ.
أنا شخصيا حين أتصحف مجلة در شبيجل الألمانية أنظر في نهايتها فهناك تحتشد صفحة الأموات بشخصيات عالمية هامة من سياسيين ومفكرين وفنانين ومجرمين.
إنه الموت الديموقراطي يطوي في لجته كل جبار عنيد، وكل سياسي كذاب، وكل تقي مجتهد، وكل رياضي انتحر بالموبقات.
أذكر من قول الشاعر عن القبور حين أنشد فقال ألا رب وجه في التراب عتيق. ويارب حسن في التراب رقيق. ويا رب رأي في التراب ونجدة. ويارب رأي في التراب وثيق. فقل لقريب الدار إنك راحل إلى منزل نائي المحل سحيق. وما الناس إلا هالك وابن هالك. وذو نسب في الهالكين عريق.
مات (بطرس غالي) ونعته مجلة در شبيجل الألمانية؛ فذكرت عنه أنه كان المهندس لصلح السادات مع مناحيم بيجن الصهيوني العريق فكلفت هذه الهندسة أن أرسلت السادات مذبوحا في عنقه برصاصات الاسلامبولي، وغضب العرب أجمعين. قالت المجلة كان ثمن الصلح باهظا.
مات المخضرم في عزة وشقاق عن عمر 93 سنة، وبنفس العمر وأكبر مات (حسنين هيكل) بعد أن هندس أيضا الانقلاب الأخير ضد مرسي، وكان العقل المدبر وهشام الكاتب عند سيده عبد الناصر. ذهب إلى القبر وفي جعبته من الأكاذيب والأسرار ما سوف يقولها أمام رب العزة والجلال بـ (صراحة) كما كانت مقالته في الأهرام (بصراحة).
إستفدت أنا شخصيا من المعلومات التي أوردها في كتبه، وكانت مثيرة (ملف الخازوق عن الشاه) ولكن أظن أن نصفها كذب، وربعها مبالغة، والربع الأخير في ذمة هيكل.
تحدث الرجل عن مونتغمري وشاه إيران وروكفلر بحيث يظن القاريء أن هؤلاء الرجال كانوا في خدمة هيكل ينتظرونه على الباب بلهفة مثل أي بواب أمام سيده.
ومات الثعلب السوداني الترابي أبو الانقلابات والمؤامرات، وببركته تم تطبيق الشريعة الإسلامية في السودان؛ فعلق المفكر (طه محمود) على حبل المشنقة بتهمة الارتداد عن الإسلام. وهو من كان خلف الجهاد في جنوب السودان فأرسل إلى الموت طوابير لانهاية لها من قرابين بشرية بلغت خمسين ألف شاب ويزيد. وأخيرا قام بالانقلاب الأخير 1978م فأتى بالبشير سفاح دارفور المطلوب للعدالة الدولية.
أنا شخصيا تعجبت من بقاء رأس الترابي بين كتفيه، وقد يكون خلف نجاته تلك العلاقات الشخصية بين السودانيين، ومن يعرفهم عن كثب يكون عنهم التصور، وقد أكون مخطئا فهم قبليون جدا ومتداخلون في علاقاتهم العائلية وزواجاتهم وقراباتهم.
أخيرا بدأ الترابي يكتب في الحريات بعد أن لم يبق حرية.
الجميل في الترابي ابتسامته التي لاتفارق شفتيه وهي أيضا خلف دهائه الممتد.
ومات المفكر (طه جابر علواني) وكان في المعهد العالمي للفكر الإسلامي، واجتمعت به في فيرجينيا عام 1994 م فيما أذكر، وكنت مدعوا لمؤتمر التعددية هناك، والرجل فقيه أقرب إلى مدرسة التقليد، ويومها نبهته مع (عبد الحميد أبو سليمان) إلى فكرة اللاعنف ومعهم حسيب العراقي، ولكن لم يأخذ أحد كلامي على محمل الجد، إذا لوفر كثيرا من مضايقات الشرطة الأمريكية، هو والفلسطيني العريان. وسمعت أن الشرطة الأمريكية ضايقته وهو المريض.
وبتاريخ السادس من برد فبراير (عند السوريين شباط) كان جسد (أنيسة مخلوف) التي يصح إطلاق الميدوسا الغرغونية عليها باردا مزرقا في ظلمات الموت. المدعوة أنيسة هي زوجة (حافظ الأسد) مدمر مدينة حماة في سوريا، كما أنها والدة بشار البراميلي مدمر سوريا. ماتت مثل أي فلاحة من قرداحة، ولكنها تركت بصماتها على تاريخ سوريا الحديث بخطوط دموية وهي الماكرة من وراء الكواليس.
كانت أنيسة خلف أقدار مئات الآلاف من الثوار السوريين، الذين أرسلتهم في نعوش لانهاية لها إلى المقابر، ضربا بالرصاص، وإعداما بالغاز السام، ونسفا بالصواريخ، وتفجيرا بالبراميل، ودفنا على قيد الحياة وحرقا بالنار ذات الوقود.
الموت جيد فهو القاهر فوق عباده، وهو يبدل الحياة ويجددها، وهو يعطي الأمل في هلاك الجبارين والطغاة، ولو بعد حين بالموت البيولوجي، الذي يأكل الكائنات بدون رحمة.
كما يقول الفيلسوف شوبنهاور أنه بقدر سحق الموت الأفراد بدون أي رحمة بقدر عناده وتصميمه على متابعة النوع الحياة نحو ما هو أفضل في النهاية.
في القرآن أن سليمان مات والجن تعمل بين يديه بدون معرفة هلاكه فما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب مالبثوا في العذاب المهين.
كذلك قد يكون موت الميدوسا الغرغونية ـ عفوا أنيسة ـ مؤشر خفي لنهاية العائلة الأسدية، بعد نفوق الأب والابن الأول الذي كان يحضره الجبار للاستخلاف فهلك، وموت الابن الثالث بالحش والحشيش والهيروئين، وهلاك الصهر نسفا بالديناميت بعدما أفلت من رصاصات (باسل الأسد) الذي قضى نحبه صريعا بحادث سيارة، قيل مرتطما في مدخل مطار دمشق بتمثال أبيه عفوا صنمه؛ فالأصنام أحيانا تؤذي؟
في مجلة در شبيجل الألمانية كتبت عن عائلة القذافي بعنوان عائلة غير معقولة (بالضبط غير ممكنة unmoegliche Familie) حين تعرضت لتصرفات الذراري كما جاء في رواية أورويل عن خنازير المزرعة.
هي نفس الرواية البائسة في سوريا عن عائلة لاتقذف بالدم بل تفترس فهي عائلة الأسود في الغابة السورية. أوردت المجلة خبر الأولاد السيوف (العرب خارج العرب والإسلام بدون إسلام) أن الأول أعجبته فيلا في ألمانيا متسعة كفاية للخيول فلما اشتراها بمليونات عدة من اليورو الثمين لم تعجبه فتركها يبحث عما هو أوسع وأرحب. الميدوسا عفوا أنيسة ملأت هي والأولاد من الخزينة السورية المنهوبة مالايعلمه إحد إلا الله والراسخين في المخابرات العالمية والبنوك السرية.
يذكر حسين عشماوي في كتابه عن الثورة المصرية أن عبد الناصر كان يردد أنه يريد من الشعب المصري أن يقوم بكبسة زر ويقعد بأقل من كبسة قال له هي الديكتاتورية إذن؟ المهم عن عبد الناصر والأسد أنهما لم يكونا زير نساء ومعاقري خمرة كما هو الحال في رفعت الأسد شقيق الجبار. بل كان كل منهما مركز بشكل مخيف على الإمساك برقاب العباد بسلاسل وأغلال وسعيرا.
هناك أنواع من الجبابرة وأخطرهم من ليس عنده هم إلا إذلال الناس واعتقالهم وقتلهم وكان كلا الرجلين من هذا النمط من فصيلة فرانكو وبول بوت وستالين من زمرة السفاحين.
السؤال الحيوي وأين النساء في هذه المسرحية. هنا يأتي دور أنيسة التي كانت خلف المظالم ما ظهر منها وما بطن. الميدوسا الغرغونية.