آراءسياسة

واقع النساء بعد عشر سنوات على ثورات الربيع العربي

الثورة أنثى، ولقد تحولت الإناث في ثورات الربيع العربي السلمية إلى أيقونات رائعة، تعزف أجمل وأبهى الألحان، بدءًا من تونس ومصر والسودان والجزائر وانتهاءً بلبنان، فقد خرجن من بيوتهن على إختلاف أعمارهن يُطالبن بحقوقهن المُستلبة من حرية وعدل ومساواة، متحررات من ثقل الضغوطات الإجتماعية والسياسية والإقتصادية والنفسية التي تعرضن لها طوال عقود طويلة، ليظهرن بأروع صورة، ومن أروعهن على الإطلاق:

ملك علوية” التي خرجت في الثورة اللبنانية ترفض فرض ضرائب جديدة على الشعب اللبناني والتي طالت كل متطلبات الحياة، حتى وصل الأمر بالحكومة إلى فرض ضريبة على الواتساب.

بائعة المناديل العراقية” التي وزعت المناديل، والذي هو مصدر دخلها الوحيد، وزعتهم على العراقيين المتظاهرين الذين تعرضوا للغاز المسيل للدموع، طالبت هي وأخريات بعد سنوات من قمعهن وتهميشهن وارتباط أخبارهن فقط بقصص القتل على جرائم الشرف، مع زيادة نسبة الطلاق والتحرش بهن، للمطالبة بحريتهن وحقوقهن، وقد استشهدت العديدات منهن.

توكل كرمان” صحفية وسياسية وناشطة حقوقية، الحاصلة على جائزة نوبل للسلام عام 2011م، لتكون أول يمينية، وأول عربية، وثاني امرأة مسلمة تفوز بجائزة نوبل، لُقبت بالمرأة الحديدية وأم الثورة، أيقونة الثورة اليمنية، قادت احتجاجات من أجل حرية الصحافة، وتوسيع نطاق قضايا الإصلاح، أعادت توجيه الاحتجاجات اليمنية لدعم ثورة الياسمين، وهو الاسم الذي أطلقته على ثورات الربيع العربي.

وأما ذات الرداء الأبيض الذي ينسدل من رأسها حتى قدميها “آلاء صالح“، والتي وقفت خارج مجمع القيادة العامة للجيش السوداني، والذي هو مقر الرئيس السوداني البشير، تشدو “حبوبتي كنداكة“، وهي قصيدة ثورية من التراث الشعبي، التي تصور الواقع السوداني المرير بشكل دقيق، خرجت تُطالب هي وغيرها من الفتيات والنساء بتغييره.

الخالة زاهية أو سيدة المكنسة“، ذات 64 عامًا، والتي ترتدي الحايك وتلف نفسها بالعلم الجزائري، وتحمل في يدها مكنسة حتى تنظف البلاد من الفاسدين، كانت رافضة هي وغيرها ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لولاية خامسة.

يمان القادري” طالبة الطب البشري السورية التي رفعت شعار “يا محلاها الحرية“، والتي طالبت برحيل الأسد، فقضت في أقبية الاعتقال 23 يومًا، فغادرت سوريا إلى دون رجعة، فلم تسمح لها السلطات بدخول سوريا لاستكمال دراستها.

أما كل من “أسماء محفوظ” التي حثت المصريين على الإحتجاج على نظام الرئيس حسني مبارك في ميدان التحرير، وكانت سببًا في إندلاع الثورة السلمية المصرية، و”ماهينور المصري” أيقونة الثورة المصرية، والتي قضت معظم سنوات عمرها 33 عامًا في المعتقلات، والتي ما زالت إلى اليوم في سجون أمن الدولة، تُعتبر أيقونة الثورة، وأيقونة الحرية في كل زمان ومكان.

وفي ليبيا ساعدت المحامية الليبية لحقوق الإنسان “سلوى بوجايغيس” على تنظيم إحتجاجات يوم الغضب، والتي إنتهت بخروج الجيش الليبي من بنغازي، والتي شكلت نقطة تحول في الثورة الليبية.

بعد ثورات الربيع العربي والتي أفرزت في غالبها صعود تيارات إسلامية ومحافظة، عانت النساء من التهميش والعنف والإقصاء بشكل أكبر ما كُنَّ عليه قبل ثورات الربيع العربي، فكُنَّ أكبر ضحايا الثورات المضادة، مما أدى إلى الانتقام منهن، وإعادة انتاج النظام الأبوي بما يحمله من ثقافة تقليدية تجاه المرأة، ودورها في المجتمع، فبدءًا من ليبيا، وفي أول خطاب لرئيس المجلس الوطني الانتقالي أفصحت الثورة عن نواياها حول المرأة، وتراجعت عن المكاسب الضئيلة التي كانت تتمتع بها في النظام السابق.

أما في مصر فإن التحالفات السياسية والحزبية لا مكان للمرأة فيها، كما كان لضرب وتعرية إحدى المتظاهرات في ميدان التحرير، ومشاهدة ملايين البشر لها على وسائل الإعلام، واختبارات العذرية المخزية التي كانت تجريها الشرطة للنساء المتظاهرات دلالة سيئة جدًا حول نظرة النظام الانتقالي في مصر.

أما في سوريا فقد إختفت النساء اللواتي أطلقن شرارة الثورة السورية دون أثر، أما في تونس فقد تراجعت نسبة النساء في المجلس الوطني التأسيسي من 23% قبل الثورة إلى 19% بعد الثورة.

وفي النهاية نستطيع القول: أن النساء كُنَّ في طليعة المشاركات في ثورات الربيع العربي، ودفعن ثمنًا باهظًا لمشاركتهن فيها من قتل وعنف وإقصاء وتهميش، وشكلنَّ أكثر ضحايا الأنظمة السياسية المهيمنة، التي أخفقت في إحترام الكرامة الإنسانية، وفشلت أن توفر لهن الحق بالتمتع بالحريات الأساسية، والحق في العدالة كمواطنات فاعلات وشريكات في بناء المجتمع والدولة والسياسة، وعُدنَ إلى مربعهن الأول من معركة النضال السياسي والحقوقي والاجتماعي يُناضلن من جديد بقوة أكبر وأعمق وأكثر وعيًا وثباتًا، فما زال الطريق أمامهن طويلًا وشاقًا، محفوفًا بالمعاناة والمخاطر.

https://anbaaexpress.ma/3a65l

رهف محمد حنيدق

كاتبة فلسطينية حاصلة على دكتوراه في المذاهب الفكرية المعاصرة.

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى