بعد سنواتٍ من العلاقات المتوترة بين أنقرة ودمشق، بدا واضحاً، مؤخراً، كيف تسعى تركيا إلى إعادة تطبيع علاقاتها مع سوريا، وإحداث تغيير في هذه العلاقات الثنائية بين البلدين، وبدعم من روسيا والإمارات التي عملت في السنوات الأخيرة على إعادة تأهيل بشار الأسد، ودعوة البلدان العربية للتطبيع معه، حتى وإنّ أثار ذلك غضب الإدارة الأميركية التي شنّت هجوماً عنيفاً على الرئاسة السورية، ودعت الدول لعدم التطبيع مع دمشق.
تسبب هذا التقارب بين نظام الأسد والحكومة التركية عدم ارتياح داخل المعارضة السورية، التي تلقت الدعم من الحكومة التركية طيلة سنوات عدة.
وفي هذا الصدد سعت تركيا إلى طمأنة المعارضة من خلال تصريحات وزير الدفاع، الذي أكد انّ هدف بلاده الوحيد هو “محاربة الإرهاب وليس لديّها أيّ هدف آخر”، في إشارة إلى حزب العمال الكردستاني.
بدا التقارب التركي السوري غير وارد في وقت سابق بسبب موقف الحكومة التركية من نظام الأسد، الذي هجر الملايين من السوريين وأودى بحياة مئات الآلاف من الأشخاص، وجذب العديد من القوى الأجنبية وقسم سوريا إلى مناطق نفوذ مختلفة.
لكن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي وصف الأسد بالإرهابي في عام 2017 وأن العمل معه مستحيل انفتح مؤخرا على فكرة لقاء الرئيس السوري.
ولعل موضوعي الهجرة والدعم الأمريكي للمسلحين الأكراد مقابل الفتور الذي تشهده العلاقات التركية الأميركية، سبب من أسباب التي دفعت تركيا تسعى لتعزيز تقاربها مع موسكو ودمشق، خاصةً في هذا التوقيت الذي ترى فيه فرصةً لتحقيق مكاسب عدّة والدفاع عن مصالحها.
خصوصاً أن الملف الكردي في سلّم أولويات أنقرة، وترى أنّ التخلص من “الخطر الكردي” على حدود البلاد، يحمي وجودها من جهة، ويعطيها تأييداً شعبياً إضافياً من جهة أخرى، وهو الأمر الذي يستحيل تحقيقه دون التنسيق مع دمشق، على الرغم من أنّ المقاربة السورية لملف الكرد ليست متطابقة مع المقاربة التركية.
بالإضافة إلى أن تقارب أنقرة مع دمشق يسمح بتطوير أكبر للعلاقات مع موسكو، خاصةً بعد أن طرح الرئيس الروسي قبل أشهر مبادرة تحويل تركيا إلى مركز للغاز الطبيعي، ونقل الغاز الروسي إلى أوروبا “بدءا من الغاز الروسي وغاز آسيا الوسطى وصولا إلى غاز المتوسط”، وهو ما يمكّنها من أن تصبح مركزا إستراتيجيا على المدى البعيد. وهي مبادرة تخدم إستراتيجية أردوغان لتحويل تركيا إلى معبر دولي للغاز.
وبالعودة لقضية الهجرة وإرجاع اللاجئين السوريين في تركيا إلى بلادهم فإنها قد لا تتجاوز التصريحات السياسية ذات المدلول الانتخابي فقط، فالأمر ليس بالسهولة لكون إرجاع الملايين من المواطنين إلى أي دولة من دول العالم قسرا وقهرا أمر معقد من كل النواحي (الأخلاقية والإنسانية والقانونية) فضلا عن آثاره على صورة الدولة التي تفعل ذلك، وعلى سمعتها ومكانتها في العالم، من هنا، يفسر كثير من المراقبين التصريحات السياسية الأخيرة للمسؤولين الأتراك على أنها محاولة لحرمان المعارضة التركية من الاستفادة من هذه الورقة (اللاجئين السورين) في انتخابات 2023.
في ظل التحولات التي تشهدها خارطة التحالفات الإقليمية والدولية تحاول القيادة التركية إحداث توازن بين مصالحها مع نظام الأسد وعلاقتها مع المعارضة السورية، ففي جُّل اللقاءات التي جمعت المسؤولين الأتراك مع نظرائهم المواليين لنظام الأسد، يحاولون دائما طمأنة المعارضة بتصريحات تحمل دلالات سياسية أكثر مما هي إنسانية، ويغلب عليها الجانب البرغماتي، مما يدفع المتتبع للقضية السورية يتساءل حول مدى خطورة التحول الدراماتيكي في موقف القيادة التركية من نظام الأسد؟
تعليق واحد