آراءثقافة

هل من سبيل لفهم الظاهرة القرآنية؟

القرآن منبع للطاقة، وهو عالمي الرسالة، نزل على مكث، نسخ بعضٌ من آياته قبل أن يحكم، وهي المشكلة القديمة التي تناقش حولها المعتزلة والمتشددة، وذهبت في بطن التاريخ تحت الصراع في خلق القرآن، ولا يفهم الناس حتى اليوم جوهر الخلاف، ولماذا قتل أناس، وأزهقت أنفس من أجل مفاهيم مجردة؟ وذلك بسبب بسيط أن القرآن نصوص للعمل في الأرض، والواقع متغير، فوجب النسخ وفتح الباب لعدالة لا تكف عن التوسع والامتداد.

وسألني البارحة طائفة من الأطباء لا يفقهون من الفكر والسياسة، أكثر من فهم فلاح في رياضيات الفضاء ما معنى العلمانية؟

وبدأ يفككون الكلمة مثل أمي يحاول الدخول في مكان خبير يفك موتور السيارات المتقدمة، وأنا أتوضأ وأسمع، حتى التفتوا إلي فقالوا ما القول؟ قلت إنه أعظم ما جاءت به العبقرية الغربية، في دفع الدين للفرد، وتحقيق العدالة الأرضية، والفصل بين الكنيسة والدولة، والمفتي والحكم، والجبت والطاغوت وآمون وفرعون؟.

تلك التي أراد المعتزلة حمل الناس عليها في فهم القرآن ونصوصه، أن العدل كم قابل للزيادة، ومنه فالقرآن ليس صفة لله، وليس قطعة من وجوده الأزلي، بل هو آيات في صدور الذين أوتوا العلم، وما يجحد بآياتنا إلا الكافرون.

وهكذا يمكن فهم مشكلة العدل والتوحيد وخلق القرآن أنها نصوص نزلت للعدالة، ونصوص محاها الزمن ونسخها، كما هي في آيات ملك اليمين، وسيطبق هذا على العديد من آيات التشريع مع الوقت، ومنها آيات القتال فستتحول كما رأيت مدافع القرم، ذكرى تاريخية عند حافة خليج مدينة كيبك الكندية، أو مدفعية مدينة أوتوا وكينجستن عند البحيرات العظمى، لا تترصد الأمريكيين والإنجليز لضربهم، بل فاغرة فمها للزمن تضحك من جنون الإنسان، آية للمتوسمين، والناس تمر عليها بالليل والنهار ولا يستوعبون تغير الزمن والإنسان والأحوال والنصوص.

القرآن طاقة كونية والتزود منه يحتاج إلى موصلات للطاقة مثل وصل الأسلاك إلى البطارية.

وهذه الأسلاك يجب أن تعمل بكفاءة ومن نوعية جيدة ونظيفة من الصدأ، والنص القرآني مكتوب بلغة عربية فهو حقيقة ضخمة مضغوطة ضمن قناة عربية من اللغة، ولكن لا يمكن تمريرها بغير هذه الطريق.

ومعنى هذا الكلام أن فهم هذه الظاهرة يتطلب قلبا مستعدا لتلقي الحقيقة، وأي حاجز بين القلب والظاهرة يعيق الاتصال، وأفضل اتصال لفهم ظاهرة كونية هي الاتصال المباشر بها بدون حجب ووسائط رديئة التوصيل.

وقديما أراد موسى رؤية الله كظاهرة مادية فخر موسى صعقا، وفي القرآن يوجد الراسخون في العلم وهي رحلة لانهاية لها.

واللغة لها ثلاث مشاكل جوهرية هي التعميم والتشويه والحذف، ولكن بقدر عيوب اللغة بقدر إستخدامها بين البشر كأداة تواصل، مثل ظاهرة الرعد والبرق، فهي تمر عبر سلك كهربي.

وهكذا فأفضل طريقة للاتصال بالقرآن الاتصال المباشر بدون حجب ووسائط عبر العصور لاكتشاف الظاهرة القرآنية حسب تعبير مالك بن نبي تلك التي كتب فيها كتابا كاملاً.

ونظرا لأن الظاهرة القرآنية هي ظاهرة كونية مثل الشمس والقمر وفلق الصبح والغسق، فإن أي كلام عنها يأخذ طابع الذاتية أكثر من الموضوعية، وبقدر الخلفية الثقافية بقدر الاقتراب من الظاهرة.

ولكن مهما فهم ووصف الإنسان هذه الظاهرة فهو يرى جزءً منها مثل لو وقف مجموعة من الناس أمام صخرة ليصفوها فهي مجموعة لانهائية من الحقائق حتى وهي صخرة، فقد يحللها الكيماوي، ويصف تاريخها الجيولوجي، فيتحدث عن نوعية الفلزات المعدنية التي تحتويها.

كما قد يصفها الشاعر بعين حالمة، ويراها المؤرخ شاهدا على مرور حملة عسكرية بجانبها، ولكن الصخرة تبقى أكثر من ذلك فقد تكون حجرا من المريخ كما قد تكون مكانا لنمو فطريات نادرة.

ويبقى السؤال كيف الدخول إلى هذه القناة المحدودة من اللغة لفهم ظاهرة كونية غير محدودة؟ هنا يتطلب البحث الاستعانة بأدوات معرفية تماما كما يفتح الجراح البطن، أو ينقب عالم الانثروبولوجيا في الأرض بحثا عن قطعة عظم وسن، أو يحدد عالم الأركيولوجيا عمر الأحافير، أو يستخدم صيادو الكنوز في الأعماق السونار.

بكلمة أخرى يخوض الإنسان البحث كمن يدخل كهفا مليئا بالكنوز بإضاءة خاصة، وبقدر الإضاءة بقدر الاهتداء للكنوز. وهي هنا مثل خامات الأرض وعروق الذهب تحتاج إلى عمليات إضافية كي يصل الإنسان إلى مخها النقي ومعدنها الخالص.

https://anbaaexpress.ma/89jsd

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى