تشكل مطالب المتظاهرين في بوركينا فاسو برحيل القوات الفرنسية في البلاد ضربة مؤلمة لماكرون، وقد شهدت العاصمة واغادوغو نهاية الأسبوع المنصرم مظاهرات حاشدة رفعت خلالها شعارات “تسقط الإمبريالية”، و”تسقط السياسة الفرنسية في أفريقيا”و”لا لإملاءات ماكرون”و”إلى الأمام من أجل سيادة بوركينا فاسو”.
وشهدت منطقة غرب إفريقيا خلال السنوات الأخيرة موجة من الاحتجاجات الشعبية الغاضبة ، التي أعادت مسألة النفوذ الفرنسي في تلك المنطقة إلى قلب الاحتجاجات، حيث تحول التنديد بسياسات باريس الاستعمارية في المنطقة إلى قاسم مشترك بين هذه الاحتجاجات على اختلاف بلدانها.
فقد إستغلت فرنسا وجودها العسكري تحت دريعة ” حفظ الأمن في المنطقة ومحاربة الجماعات الإرهابية ” من بسط نفوذها الاقتصادي والثقافي وفرض هيمنتها على دول غرب إفريقيا، مستفيدة من الأوضاع المتوترة التي تشهدها هذه الدول للحفاظ على شرعية وجودها بإفريقيا.
غير أنه على مدى السنوات الأخيرة تآكل النفوذ الفرنسي في مناطق الشمال والغرب الأفريقي بشكل واضح، ولم تعد تمتلك فرنسا تلك القوة التي كانت تتمتع بها على مدى عقود طويلة، ليس فقط بسبب متغيرات فرنسية داخلية، لكن نتيجة تحولات جوهرية في دول المستعمرات السابقة بل وكنتيجة كذلك لظهور منافسين إقليميين ودوليين آخرين على غرار (الصين، روسيا)، يتحينون الفرصة بحثاً عن موضع قدم في الأراضي التي يتهاوى فيها نفوذ الفرنسي.
فبعد مرور أشهر قليلة من مغادرة القوات الفرنسية مالي، هاهي فرنسا على أبوب مغادرة بلد إفريقي آخر، وهو ما ينذر ببداية نهاية النفوذ الاستعماري الفرنسي في إفريقيا، فمنذ مدة تعيش دول الساحل أحداثا هامة تؤذن بتغيير الخريطة الجيوستراتيجية للمنطقة والقارة الإفريقية والعلاقة مع المستعمر القديم.
ودوما كان يقدم الرؤساء الفرنسيون عبر البروباغندا الاستعمارية باعتبارهم أصدقاء إفريقيا وداعمي الاستقرار فيها والأوصياء على تنميتها، لكن الأمور بدأت تتغير وأصبحت الشعوب الإفريقية أكثر إيمانا بأن التحرر من الاستبداد والفساد لا يتم إلا عبر طرد فرنسا ووكلائها من البلاد، وفي هذا الصدد يرى عالم الاجتماع الغيني أمادو دونو أن التحدي بالنسبة لأفريقيا هو التخلص من فرنسا لأن هذه الأخيرة ليست الحل بالنسبة لوقف التخلف في إفريقيا بل هي قلب المشكل و المشكلة.
وتصنف أغلب الدول الناطقة بالفرنسية، من أكثر دول القارّة فقراً، وأقلها استقراراً فيما غالبية الدول الأفريقية الأكثر استقراراً، واقتصاداتها الأفضل أداءً، هي تلك الناطقة بالإنكليزية.
وقد سبق لجورجيا ميلوني رئيسة الوزارء ايطاليا في المقطع الذي سجل إبان شغلها منصب نائبة في البرلمان عن حزب “إخوة إيطاليا”، إتهام فرنسا باستغلال موارد البلدان الإفريقية، وتحديداً بوركينا فاسو باستخدام ما أسمته “العملة الاستعمارية” وهي الفرنك الإفريقي.
مالي أولاً ، ثم بوركينا فاسو ، وربما حتى جميع البلدان الناطقة بالفرنسية في إفريقيا، ستقع في دائرة إدارة روسيا والصين، حيث تُظهر عدد من البلدان علامات على كونها مرهقة من العلاقة اللامتكافئة التي تجمعها مع باريس.
عموما بالرغم من سعي فرنسا من إصلاح سياستها إتجاه مستعمراتها السابقة إلا أن الجميع يدرك إن الفرنسيين يحاولون تغيير لغة الخطاب فقط، دون أن تتغير أجندة المصالح، لا سيما بعدما أدركوا أن هناك موجة عارمة من الرغبة في التغيير لدى شعوب تلك المنطقة، ودخول حلفاء دوليين أكثر موثوقية لدى شرائح واسعة من الشعوب والحكومات.